بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

طوفان الأقصى (375) لماذا تعتبر الحرب في الشرق الاوسط مهمة بالنسبة لروسيا

شبكة البصرة

اعداد وتعريب د. زياد الزبيدي بتصرف

أندريه بيرلا

كاتب صحفي ومحلل سياسي روسي

صحيفة فزغلياد الالكترونية الروسية

14 أكتوبر 2024

إن الحرب في الشرق الاوسط، التي تخوضها إسرائيل رسميًا ضد حماس وحزب الله، ولكن في الواقع ضد قطاع غزة ولبنان وسوريا واليمن وإيران، مستمرة منذ عام الآن.

هناك ثلاثة أسباب تجعل هذه الحرب ذات أهمية كبيرة بالنسبة لروسيا.

1) الأول واضح للجميع. لقد قالت الولايات المتحدة، من خلال رئيسها جو بايدن، مرارًا وتكرارًا إنها تقاتل ضد "محور الشر"، الذي يضم إيران والصين وكوريا الشمالية وروسيا وحلفائهم. ومن وجهة النظر هذه، فإن حرب إسرائيل ضد إيران و"وكلائها" هي جزء من نفس المواجهة التي تجر إليها روسيا على جبهات حرب أوكرانيا.

حتى أن كثيرين يقولون إن العمليات العسكرية التي تشنها إسرائيل مفيدة لروسيا. الواقع أن الولايات المتحدة أرسلت ما لا يقل عن 17 مليار دولار لمساعدة أقرب حلفائها، ناهيك عن تكاليف مجموعات حاملات الطائرات التي تحتفظ بها في البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر.

وأولئك الذين يقولون إن كل صاروخ وكل قذيفة تطلقها القوات الإسرائيلية هي ذخيرة لم تصل للقوات الأوكرانية محقون تماما.

ولكن يبدو لي أن الحرب العربية الإسرائيلية مهمة بالنسبة لنا لأسباب أخرى أكثر أهمية، وإن كانت غير مادية.

 

2) والسبب الرئيسي من بين هذه الأسباب هو أن روسيا، من خلال إدانتها لأفعال إسرائيل في قطاع غزة وجنوب لبنان، تفعل ذلك كجزء من أغلبية الدول الأعضاء في الأمم المتحدة. والأميركيون أحرار في تكرار أنهم يقاتلون "محور الشر". ولكن إذا نظرنا إلى نتائج التصويت على أي قرار "معادي لإسرائيل" (يتضمن مطالب بوقف إطلاق النار)، فمن السهل أن نرى أن العالم بأسره يقف حرفيا إلى جانب "محور الشر". وكان آخر قرار من هذا القبيل قد تم تبنيه في الرابع والعشرين من سبتمبر وتضمن مطالبة بانسحاب القوات الإسرائيلية من الأراضي الفلسطينية المحتلة. لقد صوت لصالح القرار الذي اقترحته دولة فلسطين بالتعاون مع عشرات الدول الأخرى 124 وفدا، وامتنعت 43 دولة عن التصويت، وصوتت 14 دولة ضده. وعلى رأس هذه الدول الأربع عشرة بالطبع الولايات المتحدة وإسرائيل نفسها، فضلا عن باراغواي وتونغا وتوفالو وميكرونيزيا... إن فعالية القرار، بطبيعة الحال، تساوي صفراً: فليس لدى الأمم المتحدة وسيلة لإجبار الولايات المتحدة وإسرائيل على وقف عدوانهما. ولكن من ناحية أخرى، ليس لدى الولايات المتحدة وإسرائيل وسيلة لإعلان عزلة روسيا وإيران وغيرهما. فأي عزلة يمكن أن نتحدث عنها إذا امتنع حتى أقرب حلفاء "الهيمنة" عن التصويت في أحسن الأحوال. حتى ألمانيا. وحتى أوكرانيا!

ولكن لماذا أصبحت إدانة إسرائيل هي موقف الأغلبية العالمية؟

وكيف حدث أن أصبح الحديث في الدوائر الدبلوماسية العالمية لا يقل عن النبذ الذي تعرضت له إسرائيل؟

 

3) وهنا يجب أن نذكر السبب الثالث الذي يجعل الحرب في فلسطين مهمة للغاية بالنسبة لروسيا.

قبل يومين انتشر مقطع فيديو مرعب على شبكات التواصل الاجتماعي وقنوات التليغرام في إسرائيل. فقد سجلت كاميرا مراقبة في شوارع نابلس (مدينة في السلطة الفلسطينية على الضفة الغربية لنهر الأردن) كيف قام بعض الأشخاص بملابس مدنية بقتل أربعة من المارة في وضح النهار.

من المستحيل تحديد ما يحدث للوهلة الأولى، ومن ضد من، لكن الإسرائيليين لا يفكرون حتى في إخفاء ذلك. بل على العكس من ذلك، فإنهم يعلنون بسعادة: قواتنا الخاصة "تقضي على الإرهابيين". نابلس ليست حتى غزة. حماس لم تصل إلى السلطة هناك. لم تعلن إسرائيل قط أنها تشن حربًا ضد السلطة الفلسطينية. ليس لإسرائيل الحق الرسمي في إجراء أي نوع من العمليات العسكرية في هذه المنطقة. علاوة على ذلك، ليس لها الحق في قتل الناس في الشوارع في وضح النهار، حتى لو تم إعلانهم إرهابيين. لكن لا يخطر ببال أي مواطن في الدولة العبرية أن ينكر تورط قوات الأمن في المذبحة خارج نطاق القضاء، في القتل. على العكس من ذلك، فهم فخورون بالقتل، ويتبادلون لقطات المذبحة.

وبالمثل، لا يخطر ببال أي مواطن إسرائيلي نشط أن يشكك في حق دولته في ضرب مبنى تابع للقنصلية الإيرانية في دمشق. أو صحة القرار، عند دخول أراضي جنوب لبنان، بتدمير تمثال الجنرال سليماني أولاً. أو تحويل مدن قطاع غزة إلى مشهد قمري.

بدأت حرب إسرائيل ضد حماس بهجوم مروع شنه مسلحون من هذه المنظمة على إسرائيل نفسها. وكان من الممكن أن يكون رد إسرائيل على هذا الهجوم "عملية عسكرية خاصة" محدودة وفعالة وحتى قاسية تهدف إلى ضمان أمن حدودها ومواطنيها. ومع ذلك، فإن إسرائيل، التي تصف خصومها بالإرهابيين وتنكر عليهم حق السيادة على الدولة، تطلق على عملياتها العسكرية "حربًا" وتخوض هذه الحرب بقسوة وبلا إنسانية. وبحسب بعض المصادر، فقد قُتل 40 ألف مدني في قطاع غزة وحده ــ قارن هذا بأسوأ الاتهامات الموجهة إلى روسيا خلال ثلاث سنوات من الحرب في اوكرانيا، علماً بأن عدد سكان غزة قبل الحرب لم يكن يتجاوز مليوني نسمة ــ عندها ستدرك الفرق.

وكأن هذا ليس كافياً، تمارس إسرائيل باستمرار الاغتيالات السياسية. هكذا وصف وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مقتل زعيم حزب الله حسن نصر الله ــ هو جزء من الممارسة الإسرائيلية المعتادة للاغتيالات السياسية.

دعوني أذكركم: إن خصومنا يزعمون (وهم يفعلون ذلك بأنفسهم، ولم يجبرهم أحد على ذلك) أنهم يقاتلون ضدنا على جبهتين ــ في فلسطين وفي أوكرانيا. والفرق بين تصرفات إسرائيل وروسيا على هاتين الجبهتين واضح إلى الحد الذي يجعل عزل روسيا من قِبَل أغلبية شعوب الكوكب مستحيلاً بكل بساطة.

ولعل هذا هو السبب بالتحديد وراء عدم استماع قيادتنا إلى أولئك الذين يدعون في قرارة أنفسهم إلى استخدام تجربة إسرائيل والضرب بلا رحمة.

الحوار المتمدن

شبكة البصرة

الخميس 14 ربيع الثاني 1446 / 17 تشرين الاول 2024

يرجى الاشارة الى شبكة البصرة عند اعادة النشر او الاقتباس
المقالات والتقارير والاخبار المنشورة في شبكتنا لا تعبر عن راي الشبكة بل عن راي الكاتب فقط