بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

عشر سنوات من التهجير القسري.. الميليشيات مازالت تمنع النازحين من العودة

شبكة البصرة

مرت عشر سنوات على هيمنة الميليشيات الطائفية وسيطرتها على مدن ونواحي عراقية، وتعد عملية التهجير لسكان مدن عراقية في عامها العاشر ضمن مناطق وبلدات من دون حياة فيها.

 و ما زالت أكثر من 20 ميليشيا مسلحة تسيطر على تلك المناطق وترفض دعوات الانسحاب منها والسماح لأهلها بالعودة إليها. هذه المناطق باتت تُحرج الحكومات العراقية المتعاقبة، حيث تُكرر كل حكومة وعودها بحل أزمتها وتجعلها ضمن بنود برنامجها العام، غير أنها تُرحل في نهاية المطاف بدون أن تحقق شيئاً منها.

ويوافق شهر أكتوبر/تشرين الأول الجاري مرور عقد كامل، على خلو مدينة جرف الصخر العراقية من أهلها، حيث أعلن رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي في مثل هذا اليوم عام 2014، استعادة السيطرة على المدينة التي تضم نحو 200 ألف نسمة، وتقع إلى الجنوب من بغداد بنحو 70 كيلومتراً، وتتبع إدارياً محافظة بابل، بعد مواجهات مع مسلحي تنظيم داعش، حظيت بدعم إيراني بري مباشر.

 

عقد على تهجير مدن عراقية

منذ ما يقرب من 10 سنوات على تهجير مدن عراقية وبقرار من فصائل مسلحة حليفة لإيران، ما زال سكان جرف الصخر البالغ عددهم نحو 180 ألف نسمة مُهجّرين في مخيمات ومعسكرات نزوح، علماً أنها تُعتبر معقل عشيرة الجنابيين العربية في العراق إلى جانب عشائر أخرى مختلفة. وعلى الرغم من وعود متكررة لحكومات حيدر العبادي، وعادل عبد المهدي، ومصطفى الكاظمي، بإعادتهم، إلا أن أياً منها لم يتحقق.

ومنذ ذلك الحين، أُغلقت بلدة جرف الصخر، (تزيد مساحتها على 50 كيلومتراً مربعاً)، ولم يَعد الأهالي إلى مدينتهم، وهم خليط اجتماعي حضري وريفي، من عشائر الجنابيين والدليم والقراغول والزبيد وغيرها. وتلتحق بالمدينة التي تأسست كناحية إدارية في خمسينيات القرن الماضي، عدة ضواح، أبرزها صنيديج والفارسية والقرة غول، وحديثاً منطقة المنشآت. إلى جانب جرف الصخر، تتواصل عملية تهجير مدن عراقية أبرزها العوجة وهي مسقط رأس الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، وتقع في ضواحي تكريت مركز محافظة تكريت، وكذلك العويسات الواقعة جنوب شرقي الأنبار، وبلدات ذراع دجلة والثرثار في صلاح الدين، ويثرب وسلمان بيك، وقرى آمرلي وطوزخورماتو، ومناطق الوقف والحوض والسعدية ومناطق قرى المقدادية مثل نهر الإمام والخيلانية.

 

جرف الصخر والعودة الممنوعة

في خريف العام 2014، تحولت ناحية جرف الصخر التابعة لمحافظة ديالى، إلى ساحة معارك بين قوات الأمن العراقية، المدعومة بميليشيا الحشد الشعبي من جهة، ومقاتلي تنظيم داعش الإرهابي من جهة أخرى.

ومنذ عام 2014، بدأ سكان جرف الصخر بالخروج منها تحت ضغط السلاح، حتى خلت تماما منهم بحلول عام 2017، نفس العام الذي أعلن فيه العراق دحر تنظيم داعش.

ومنذ ذلك الحين، تسيطر الميليشيات التابعة للحشد الشعبي، وأخرى تابعة للميليشيات، على منطقة جرف الصخر بشكل شبه كامل، وأطلقوا عليها اسم "جرف النصر"، بعدما غادر أهالي المنطقة الزراعية الخصبة مساكنهم، نتيجة العمليات العسكرية.

وفي السياق قال عضو البرلمان العراقي، رعد الدهلكي، إن ناحية جرف الصخر ما زالت تحت سيطرة الميليشيات التي تمنع عودة الأهالي إليها، كما يُمنع دخول أي مسؤول إليها، ولا حتى القوات العراقية الرسمية، و"هذا أمر خطير جدا" على حد وصفه.

واعتبر الدهلكي، أن جرف الصخر أصبحت منطقة غامضة، فلا يعرف ما الذي يدور فيها وما الغاية من منع عودة أهاليها"، مشيرا إلى أن هذه المعطيات "تشير إلى وجود مشروع للتغيير الديموغرافي فيها".

وأشار إلى أنه "رغم كل الوعود الحكومية بحل أزمة هذه المدينة، إلا أنها ما زالت وعودا فقط". وتابع قائلا "منطقة جرف الصخر، بعد استعادتها من سيطرة داعش منذ سنين، أصبحت آمنة ولا يوجد فيها حتى مضافات (فلول) للتنظيم أو خلايا نائمة، وهذا الأمر يدعو إلى الإسراع بعودة أهالي تلك المنطقة وليس رفض عودتهم من دون أي مبررات حقيقية".

 

التغيير الديموغرافي

يعد عام 2014 هو الأسوء في تاريخ موجات النزوح العراقي، إثر العمليات العسكرية، حيث نزح أكثر من 6 ملايين مواطن عراقي من مناطقهم الاصلية وهو ما يمثل 15 % من عدد سكان العراق، وشهدت معظم المناطق تحولات لتغيير ديموغرافيتها من قبل الميليشيات الموالية لإيران.

وقالت الباحثة في الأمن الاقليمي، اسراء جمال، إن مشكلة النازحين ما تزال قائمة حتى يومنا هذا، ولا يزال هذا الملف عالقًا حتى الآن، إذ عاد ما يقرب من 4.6 مليون نازح إلى ديارهم مرة أخرى، ونتج عن ذلك آثار سلبية بطبيعة الحال على جميع الأصعدة سواء على المواطن العراقى من جهة أو على الساحة الاقتصادية والسياسية من جهة أخرى.

وبعد عملية النزوح الكبير الذي حدث في المجتمع العراقي 2014، وفقاً لإسراء جمال، حدثت تغيرات كبيرة على الصعيد الديمغرافي، خاصة وأن بعض المناطق قد انقسمت طائفيًا وعرقيًا ما أدى إلى توسيع دائرة توظيف الانقسامات المجتمع العراقي في الصراع على هوية الدولة ويعرضها لصراع حقيقي بين مكوناته لأنها بهذا الشكل سوف تفقد أساسيات بناء الدولة والتى على رأسها القانون، وهو ما يساهم فى أن يفقد المواطن العراقي المتضرر شعوره بالإنتماء لدولته الأم بسبب افتقاره للأمن والأمان.

وأضافت جمال، إن النازحين يعيشون حاليًا في ظل ظروف مأساوية حقيقية داخل مخيمات منتشرة بإقليم كردستان العراق وهو آخر مكان يحتوي على النازحين حتى الآن بسبب تجاهل الأزمة سواء على الصعيد الدولي أو الداخلي وبسبب نقص المستلزمات المعيشية (الصحية والغذائية وغيرها)، حيث لا يستطيع معظم هؤلاء العودة لديارهم لعدة أسباب.

وبينت أن من بين الأسباب، أن بعض مناطق العودة تفتقر للخدمات الحياتية الأساسية حيث لا توجد منازل صالحة للسكن ولم يتم إعمارها مرة أخرى بالإضافة إلى فقر فرص العمل للمواطنين العائدين إلى أماكنهم ولا توجد مساعدات مادية لإنهاء الأزمة المعيشية.

وأشارت، إلى التحديات الأمنية التي تعيق عودة النازحين إلى منازلهم وكانت الحكومة قد أعلنت فى وقت سابق إغلاق جميع المخيمات ما عدا مخيمات كردستان، وما يزيد من الأمر تعقيدًا قيام الميليشيات بالسيطرة على بعض المناطق وتقوم بمداهمات ضد النازحين.

 

التمييز الطائفي

أكد عدد من الناشطين والمدونين، ان حكومة بغداد تنتهج المسار والتمييز الطائفي التعامل مع ملفات النازحين، وهناك ازدواجية في معاملة اللاجئين والمهجرين في العراق عن ألئك القادمين من لبنان والذين ينتمون لأحزاب وميليشيات طائفية.

وقالت المدونة، شذى الدليمي، إنه ومنذ عام 2014، يعيش المهجرون في مخيمات بائسة، حيث يواجهون الجوع، المرض، والفقر هؤلاء الأشخاص محرومون من أبسط مقومات الحياة، في ظل تجاهل الحكومة الطائفية وغياب أي تدخل جاد لمساعدتهم.

وأضافت، في المقابل، نرى مفارقة واضحة في معاملة اللاجئين القادمين من لبنان، ومعظمهم من الطائفة الشيعية. هؤلاء يدخلون العراق دون أي وثائق رسمية مثل جوازات السفر أو الهوية، ولكنهم يحصلون فورًا على دعم حكومي واسع.

وأوضحت الدليمي، أن الحكومة العراقية تمنحهم 10,000 دولار لكل فرد من أفراد العائلة، إضافة إلى توفير سكن ووظائف. كما أن بعد سنة واحدة فقط، يتم منحهم الجنسية العراقية، كل ذلك استنادًا إلى قوانين وضعتها الحكومة العراقية، التي يعتقد الكثيرون أن قراراتها موجهة من قِبَل القيادة الإيرانية في طهران.

وأكدت، انه في الوقت الذي يُهجَّر فيه المواطن العراقي، وتستولي الميليشيات على أمواله وممتلكاته، يعيش اللاجئون اللبنانيون في راحة ودعم تام، متسائلةً، "متى ستتحقق المساواة بين جميع المواطنين العراقيين؟ متى سيتوقف النظام الطائفي عن ممارسة الظلم والقمع ضد أبناء الشعب السني؟".

وكالة يقين

شبكة البصرة

الاربعاء 27 ربيع الثاني 1446 / 30 تشرين الاول 2024

يرجى الاشارة الى شبكة البصرة عند اعادة النشر او الاقتباس
المقالات والتقارير والاخبار المنشورة في شبكتنا لا تعبر عن راي الشبكة بل عن راي الكاتب فقط