بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

هل تتمكن أيران من ردع الكيان الإسرائيلي

شبكة البصرة

الدكتور شاكر عبد القهار الكبيسي

يراقب العالم عن كثب التصعيد العسكري ما بين إيران والكيان الإسرائيلي بعد إن نفذّت إيران ما كان تهدد به إثر عمليات التصفية التي نالت قادة لفصائل مقاوِمة إسلامية في فلسطين ولبنان والعراق وعند تحليل مجريات الأحداث لابد من التطرق إلى قدرات الطرفين وما قد ينشب عنه من توسعات وتدخلات وأحداث مستقبلية كارثية للمنطقة وللعالم أجمع.

لا يشك أحد بقدرات الكيان الأسرائيلي وتفوقه في جميع ميادين الحياة على دول منطقة الشرق الأوسط والعربية منها على وجه الخصوص ولم يكن ذلك نابعاً من فراغ بل هو ماسعت إليه الدول الغربية منذ ماقبل وعد بلفور وما بعده ووفرت له كل وسائل وآليات السيطرة المادية والمعنوية ليبقى متفوقاً على العرب وقادراً على قهرهم وردعهم حتى في عز توجهاتهم القومية ومشاريعهم الوحدوية واليوم عندما أرادت إيران الدخول على خط المواجهة مع الكيان الأسرائيلي سواء كان ذلك عن إيمان أم عن براغماتية واضحة تستخدمها لمصالحها الذاتية , وفي هذا المقال نحاول فيه تقييم الرد الإيراني على الأعمال والسلوكيات العدوانية التي تنفذها الآلة العسكرية الأسرائيلي ةبحق مناصريها وأعوانها بغض النظر عن قناعاتنا بالنظام الإيراني أو بمن يناصره ويتبع خطاه ويمكننا تقييم الردع من خلال الآتي:

1. القوة العسكرية: لكي يحقق الردع مفعوله لابد من إقناع الخصم بأنك تمتلك القوة العسكرية لتحقيقه وعندما شنت إيران هجومها الصاروخي على الكيان الأسرائيلي كان لا بد لها أن تفكر في الرد وأن يتسم هذا الرد بالشدة والدقة أكثر من سابقه لكي يُحقّق الردع المطلوب والرد المُقبل إن أراد الكيان الإستمرار في تسلطه وهنا لا بد من إجراء مقارنة واقعية بين ما يمتلكه الطرفين من إمكانيات عسكرية لتحقيق أهدافه:

أ. القوات البرية: تتألف القوات المسلحة الإيرانية من 530000 ألف مقاتل منهم الجيش النظامي ويتألف من حوالي 400000 مقاتل وقوات الحرس الثوري الإيراني والبالغ تعدادها حوالي 125000 ألف مقاتل يُضاف لهم حوالي 200000 ألف مقاتل من قوات حماس والجهاد الإسلامي في غزة وحزب الله في لبنان والفصائل العراقية المسلحة التابعة لولاية الفقيه ولكل هذه القوات قوات جوية وبحرية ومنظومات صواريخ باليستية بينما يمتلك الكيان الإسرائيلية قوات برية تعدادها 126000 ألف مقاتل وقوات جوية تعدادها حوالي 34000 ألف مقاتل وقوات بحرية تعدادها حوالي 9500 ألف مقاتل. وللطرفين قوات إحتياط كبيرة أيضاً تُستدعى عند الحاجة وبما أنّ فارق السكّان لصالح إيران فإن تجنيد الإحتياط يكون أكبر لديها مما لدى الطرف الثاني.

ب. القوات الجوية: هناك فارق كبير بين الطرفين في مجال القوات الجوية والدفاع الجوي حيث تشير المصادر إلى امتلاك إيران حوالي 430 طائرة قتاليةأغلبها قديم ويعود تاريخها الى سبعينات وثمانينات القرن الماضي كما تضم طائرات من نوع إف 4 وإف 14وعندما تحتاج الى قطع غيار سيؤثر اللوبي الصهيوني سلباً على قرار التسليح أو التجهيز لقطع الغيار هذه بينما يمتلك الكيان الأسرائيلي ترسانة من أحدث الطائرات الأمريكية والتي لا تُعطيها الا لهذا الكيان حيث يمتلك أكثر من 340 طائرة قتالية تضمن تفوقه على العالمين العربي والإسلامي ومن هذه الطائرات المتطورة ذات التقنية العالية هي طائرات إف 35 القادرة على تجاوز الكشف الراداري المعادي وتوجيه غارات هجومية في العمق الإيراني وهي من أحدث الطائرات في العالم فضلاً عن المروحيات الهجومية المتطورة وغالباً ما يستخدم القادة العسكريون والسياسيون الإسرائيليون كلمة العقاب طوال الوقت كنوع من أنواع الردع بالقوة أو التلويح بإستخدامها عليه لكي لا يفكر أحد بالتعرض لأسرائيل حتى لو أهلكت العرب والمسلمين جميعاً.

ت. القوة البحرية: يضم الأسطول البحري الإيراني نحو 220 سفينةأغلبها قديم بما فيها 19 غواصة أمّا ما يملكه الكيان الأسرائيلي مقابل ذلك نحو67 سفينة تابعة للأسطول البحري الإسرائيلي منها 5 غواصات بحسب تقارير المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية.

ث. الدروع: وهي من الأسلحة اللوجستية المهمة وسلاح المناورات الميداني الحاسم للمعارك ولذلك تعتمد الدول على إمتلاك المتطور منها لأهميتها في حسم الصراع في الميدان وتمتلك إسرائيل 2200 دبابة و7000 مدرعة أهمها الدبابة ميركافا بينما تمتلك إيران 4070 دبابة و8500 مدرعة آلية أهمها دبابة تي 72 و74 سفير والمدرعة بي أم بي/1.

ج. سلاح الصواريخ: تمتلك إيران رصيد كبير من الأسلحة الصاروخية والأكثر تنوعاً في الشرق الأوسط ويُعتقد أنّ لدى إيران آلآف متنوعة من هذه الصواريخ الباليستية ويجري تحديثها بإستمرار منذ بداية الحرب العراقية الإيرانية عام 1980 م وما ورائها ولقد إستخدمت إيران وفصائلها المسلحة هذه الصواريخ مع الطائرات المسيرة ضد إسرائيل مرات عديدة وأحدثت أضراراً في البعض منها وتشير المعلومات الى تفوق إيراني في عدد الصواريخ العابرة للقارات بينما يمتلك الكيان الإسرائيلي 90 صاروخ أريحا/3 عابر للقارات أيضاً.

ح. الهجمات الإلكترونية: يمتلك الكيان الإسرائيلي برامج وشبكات واسعة من الأعمال والمواقع والبرامج الإلكترونية تخشى ضياعها وتدميرها أكثر مما تمتلكه إيران وإنّ أي هجمات سيبرانية أو حروب إلكترونية كفيله بإيقاع خسائر كبيرة وتدمير مجهودات علمية وتكنلوجية واسعة وثمينة ولقد إستخدَم الطرفين هكذا هجمات حيث رصدت الهيئة الإسرائيلية 3,380 هجوما سيبرانياَ في الفترة ما بين السابع من تشرين الأول 2023 ونهاية العام نفسه وأفصحت منظمة الدفاع المدني في إيران إنها تصدّت لنحو 200 هجوم سيبراني في الشهر السابق للانتخابات التشريعية الأخيرة كما صرّح وزير النفط الإيراني جواد أوجي إن هجوماً سيبرانياً تسبب في تعطيل محطات الوقود في عموم البلاد.

خ. وسائل الدفاع: يعدّ نظام الدفاع الإيراني أقل تطوراً على الصعيد التقني من نظيره الإسرائيلي وإنّ نظام القبة الحديدية إستطاع تدمير 80% من الصواريخ التي أطلقتها إيران أخيراًعلى الكيان الأسرائيلي ويُعَد هذا النظام أساس أسلحة الدفاع الجوي الإسرائيلي ولا تمتلك إيران القدرة على الدفاع عن أراضيها أمام الهجمات الجوية الإسرائيلية ويبلغ الإنفاق الدفاعي فيها 23,5 مليار دولار بينما تخصص إيران حوالي 10 مليار دولار.

 

2. الموارد البشرية: يتألف سكان إيران من حوالي 90مليون نسمة ويُشكّل تسعة أمثال سكان الكيان الإسرائيلي البالغ حوالي تسعة ملايين نسمة ومساحتها أكبر من مساحة الكيان الإسرائيلي بأضعاف ويمثّل ذلك مصدر قوة للجانب الإيراني من حيث التجنيد أو من ناحية تحمل الهجوم المقابل.

 

3. القدرة النووية: كل المعلومات والدراسات تشير إلى إمتلاك الكيان الإسرائيلي أسلحة نووية وبالوقت نفسه تسعى طهران للحصول عليها لكي تصبح دولة نووية سلمية أو حربية وهي تُراقَب من قبل المنظمات الدولية المختصة وبدافع أمريكي.

 

4. ميزانية الدفاع: بلغت ميزانية الدفاع الإيرانية ما بين عامي 2022م و 2023م حوالي 7,5 مليار دولار بينما بلغت ميزانية الدفاع الإسرائيلية للفترة نفسها حوالي 29-20 مليار دولار يعني ثلاثة أضعاف التخصيص الإيراني.

 

5. المكانة الدولية: يحتل الكيان الإسرائيلي مكانة مهمة في العلاقات الدولية بسبب الدعم الواسع السياسي والإقتصادي والعسكري الّذي تقدمه له الدول الغربية الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا فرنسا وهم دول دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي إضافة إلى الدول الصناعية الكبرى كفرنسا وإيطاليا وكندا وألمانيا وغيرها في حين تسوء العلاقات الإيرانية مع الدول الإقليمية والإسلامية بسبب سياسات النظام الإيراني المُتعثِّرة وتدخلاته في عدد من الدول العربية والإسلامية والأفريقية.

 

6. الوضع الإقتصادي: إحتل الكيان الإسرائيلي مكانة بارزة في مؤشر التنمية للأمم المتحدة ونالت المرتبة 16 من بين 180 دولة ومن فئة (متطورة للغاية) وتمتلك قطاعات إقتصادية متنوعة وتكنلوجيا دقيقة ومتطورة ومنتحات زراعية وأغذية مصنعة ومواد كيمياوية وصناعة الماس والتلميع وصناعات الطاقة وغيرها بينما تعتمد الميزانية الإيرانية على مصادر الطاقة وصناعاتها حيث تمثل حوالي 80% من الميزانية العامة وتتعرض لحصار إقتصادي منذ سنوات عديدة أثّر ذلك بشكل واضح على سلّم الإنفاق فيها إضافة الى التدخلات العسكرية والسياسية في عدد من الدول أرهق الميزانية العامة للدولة.

 

7. الرد والرد المقابل: جاء الهجوم الإيراني على مواقع عسكرية وبنى تحتية وأهداف في موانيء ومطارات إسرائيلية متعددة وهنا يمكننا أن نؤشر الآتي:

أ. إستخدم في الهجوم صواريخ باليستية تجاوز عددها 200 صاروخ وطائرات مسيّرة ذات إنتاج محلي وهذا يعني لدى إيران أعداد كبيرة من هذه الأسلحة وربما هناك أنواع أخرى أكثر تطوراً وأشد إيلاماً وستستخدم في منازلات قادمة إن حدث رد من قبل الكيان الإسرائيلي كما تمتلك إسرائيل على الأقل أربعة أنواع من الصواريخ الباليستية بمديات مختلِفة 280 كم - 4800كم- 6500كم يصل كثير منها الى طهران وبالتالي التأثير مُتبادَل بين الطرفين.

ب. لم يكن الرد مباشراً على إغتيال السيد إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحماس وهو ضيف لدى حكومة طهران وتقع عليهم مسؤولية حمايته بل جاء هذا الهجوم رداً على الضربة الجوية التي أودت بحياة السيد حسن نصرالله وعدد من قيادات حزب الله اللبناني وكان الأجدر بطهران الرد على الإغتيال الأول لما فيه من حكمة لتظهر للعالم أجمع أنها داعمة للمقاومة بغض النظرعن الإنتماء المذهبي فلقد فُسِّر السكوت الإيراني عن الرد هو ضعف إرادة وعدم المقدرة شجّع ذلك الكيان الأسرائيلي واليمين المتطرّف فيه على التمادي في إستهتاره.

ت. أحدث الهجوم أضرار جسيمة مادية ومعنوية حيث متنوعة وخاصة في قاعدة نيفاتيم التي تأوي طائرات F-35 يضاف لها الطائرة الخاصة برئيس الوزراء النتن ياهو وطائرات أخرى ذات عمل لوجستي.

ث. تعدد الجبهات أمام الكيان الإسرائيلي يُضعِف قوة إرادته وتركيز أعماله وواجبات قواته ويتيح للأطراف الأخرى توزيع ثقل الهجمات المعادية بدلاً من أن يتحملها طرف واحد فقط.

ج. كان للضغط الشعبي على إيران من جمهورها أو من العالم الإسلامي أجمع أثر كبير في تنفيذ الهجوم لإثبات وجودها الأقليمي وأثرها في مستقبل المنطقة وهو ما يتعارض مع رغبة طهران بعدم الإنجرار الى حرب إقليمية من شأنها إلحاق الضرر في الإقتصاد الإيراني ومنشئاته الحيوية ومفاصله التنموية لكن الآثار السلبية للمواقف الإيرانية إزاء نهج التدمير والقتل والممارسات اللإنسانية ضد شعوب المنطقة لم يعد السكوت عليها أمر رشيد.

وفي الختام يتطلع العالم اليوم ويسمع عن إستعدادات إسرائيلية بغية القيام بالرد على الهجوم الإيراني ورجحت أغلب التكهنات أن الهجوم سيستهدف المنشآت النفطية الإيرانية ومصادر الطاقة فيها وموانئها البحرية وربما برنامجها النووي فإن حصل ذلك سنكون أمام أمرين:

الأول: إن ردّت إسرائيل فعلاً على الهجوم الإيراني وبقوة تُثبت حقدها عليه يمكن آنذاك نقول أن الهجوم الإيراني ليس توافقي وإن حدث العكس سنقول إذ ذاك أنّ هذا الهجوم كان عبثياً بحق.

الثاني: قد يكون هناك فعل ورد الفعل من الجانبين ومن يُحسِن التصرف يحقق الظفر وربما يقود ذلك إلى إشعال نار الحرب لتشمل دول أخرى خاصة تلك التي إستخدمت أراضيها كمواقع لإطلاق الصوايخ ضد أهداف للكيان الأسرائيلي.

نسأل الله لبلادنا وللمسلمين كافة الأمن والإستقرار وأن يُضعِف ويزلزل أقدام الطامعين فينا أينما وجدوا ولله الأمر من قبل ومن بعد ناصر المخلصين من أبناء أمتنا.

أوسلو 6/10/2024م

شبكة البصرة

الاحد 3 ربيع الثاني 1446 / 6 تشرين الاول 2024

يرجى الاشارة الى شبكة البصرة عند اعادة النشر او الاقتباس
المقالات والتقارير والاخبار المنشورة في شبكتنا لا تعبر عن راي الشبكة بل عن راي الكاتب فقط