بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

اصل الحكاية بين الاسرائيليتين 2

شبكة البصرة

صلاح المختار

تعقيبا على مقالي الاخير المعنون ب(اصل الحكاية بين الاسرائيليتين) المنشور يوم امس وردني سؤال من باحث عربي يتساءل: إذا كانت أمريكا تفضل إسرائيل الشرقية على إسرائيل الغربية، كما ورد في المقال، لماذا تدعم إسرائيل الغربية في مواجهة إسرائيل الشرقية ؟ ولماذا تدعم العدوان على لبنان؟

الجواب على هذا السؤال المنطقي يتلخص في النقاط التالية:

1- إن صلة النظام الحالي في إسرائيل الشرقية بالغرب واسرائيل الغربية ليست جديدة بل هي مكشوفة فقد أسقط الشاه بقرار امريكي (مذكرات الشاه، مذكرات الجنرال هويزر، مقابلات ابو الحسن بني صدر وابراهيم يزدي...الخ)، لأنه فشل في اختراق الأمة العربية بسبب شعاراته وأهدافه القومية الفارسية المكشوفة، وهي ترسخ حصانة العرب ضدها بقوة، فكان يجب استبداله، وخير من يصلح لهذه المهمة هي التيارات الإسلاموية فاختاروا (الإسلاموية الشيعية) لتكون هي أداة اختراق للأمة العربية وتفتيتها من الداخل بفتن طائفية، على اعتبار أن إيران دولة إسلامية ولا توجد حصانة ضده، فجاء خميني بشعاراته المعروفة وأبرزها نشر ما سمي ب(الثورة الإسلامية) في العراق وبقية الأقطار العربية، والتي تعني احتلالها.

المواقف الأمريكية والإسرائيلية تجاه إسرائيل الشرقية منذ عام 1980 وحتى الآن تقوم على تقديم كل أنواع الدعم لها كي تنتصر وتحقق الأهداف المرسومة، وهي في جوهرها نفس أهداف المشروعين الغربي والصهيوني أي تفتيت الأقطار العربية على أسس عنصرية وطائفية، ومنذ قيام النظام كانت الحرب بينه وبين أمريكا وإسرائيل الغربية حرب خلبية، بينما حروبه على العرب حقيقية، ورغم قرع طبول الحرب لم تضرب طهران، وكان الغرب وإسرائيل الغربية يدعمانها ضد العراق، وإيرانجيت مثال واحد.

ولعل أخطر ما أقدمت عليه أمريكا هو تسليم العراق إلى النظام الإيراني حينما انسحبت عسكريا في عام 2011. كما أن دونالد ترامب حينما كان رئيسا أعلن رسميا بأنه قطع المخصصات المالية التي كانت تدفع للميليشيات التابعة لطهران في العراق منذ إنشائها وحتى تسلمه الإدارة الأمريكية، وهذا دليل آخر على أن لأمريكا مصلحة في وجود وقوة الميليشيات التابعة لطهران في العراق وضرورة استثمار هذه القوة في تحقيق الأهداف المشتركة بين واشنطن وتل ابيب وطهران. ومن الشهادات الامريكية الاخيرة المهمة جدا هو ما قاله اريك برينس مؤسس بلاك ووترز من ان محمد الشهواني حينما كان مديرا للمخابرات في العراق طلب منه العمل مع امريكا على منع جعل الميليشيات التابعة لايران قوية بحيث تسيطر على العراق عن طريق ضربها وهي في المهد لكن كونداليزا رايس وزيرة الخارجية الامريكية وقتها رفضت ذلك بشدة!

وفي الفترة المحصورة بين استلام خميني للحكم وحتى الآن ورغم كل ما قامت به طهران من توسع إقليمي في العراق وسورية ولبنان واليمن بواسطة الميليشيات التي طلب الشهواني القضاء عليه، إضافة لنشر خلاياها النائمة في الأقطار العربية وتهديداتها لأمريكا وقيامها بأعمال إرهابية علنية إلا أن أمريكا لم ترد على إسرائيل الشرقية أبدا! وذروة هذا الموقف برزت أثناء عملية طوفان الأقصى حيث أن الغرب وإسرائيل الغربية اعترفا رسميا بأن وراء حماس ومن يأمر حزب الله في لبنان والحوثيون في اليمن والمليشيات في العراق هو طهران، لذلك كان السؤال المركزي الذي حير الناس هو: لماذا تضرب إسرائيل الغربية وأمريكا أدوات النظام الإيراني وتتجاهل النظام نفسه؟

 

2- أما لماذا تقوم الآن إسرائيل الغربية بعمليات ضد حزب الله وتتبادل الضربات مع إسرائيل الشرقية، بتأييد امريكي فهو يعود لأسباب يجب أن تكون واضحة تماما:

أ- عندما أطلقت يد النظام الإيراني من قبل أمريكا وإسرائيل في عام 1980 لتنفيذ خططه التوسعية على حساب العرب كان المطلوب منه تدمير الأقطار العربية طائفيا وعنصريا وتدمير الدولة وتهديم المجتمع أخلاقيا وقيميا وإحلال الميليشيات محل الجيوش النظامية لأن تلك الشروط هي التي تفضي إلى محو الهوية الوطنية والقومية للأقطار العربية وبدونها لا يمكن تنفيذ مخطط برنارد لويس نهائي، فإطلاق يد طهران في العراق وسورية ولبنان واليمن رسميا من قبل أمريكا هدفه تنفيذ المخطط الأمريكي الصهيوني وهو تدمير العراق وبقية الأقطار العربية، والتوسع الإيراني خطوة مرحلية لابد ان تعقبها عندما تكتمل عملية التخريب المتعمد عودة واشنطن للإمساك بالسلطة وإعادة النظام الإيراني إلى حجمه الطبيعي ضمن المخطط الأمريكي الإقليمي. أمريكا أرادت أن تقتل العراق وسورية ولبنان واليمن وغيره بيد ايرانية وليس بيده، وهذا الدور أكملته طهران عندما دمرت الدولة والمجتمع تقريبا وأخذت تعلن بصورة رسمية بأنها تسيطر على أربعة أقطار عربية وانها ستسيطر على أقطار اخرى.

وهذا تجاوز للخطوط الحمر الأمريكية والإسرائيلية، لذلك كان يجب إعادة إسرائيل الشرقية إلى ما بين السكتين، أي إعادتها إلى حجمها ودورها كما رسم، ومنعها من المس بمناطق النفوذ الأمريكي والصهيوني.

ب- العملية التي تجري ضد الميليشيات الايرانية تنطوي على هدفين جوهريين الأول: هو تقليم أظافر إسرائيل الشرقية الإقليمية وهي أدواته، لأجل تجريدها من أدوات الضغط التي تستعملها على إسرائيل الغربية وأمريكا. أما الهدف الثاني فهو تنبيه النظام الإيراني إلى أصرار الغرب والصهيونية على بقاءه بين السكتين، والسكتان هما المخطط الأمريكي والمخطط الصهيوني القائم على أن تكون منطقة الخصب والنماء الواقعة بين الفرات والنيل هي حدوداسرائيل التوراتية، واحتلال إسرائيل الشرقية للعراق وسوريا ولبنان واليمن بصورة دائمة يتناقض مع كلا الهدفين الغربي والصهيوني، وبما أن النظام الإيراني لم يتراجع رغم كل الضغوط عليه فإن الخطوة الأخيرة المطلوب القيام بها هي إشعاره بأنه مهدد بالسقوط إذا لم يلتزم باتفاقية الجنتلمان التي عقدت بين خميني والمخابرات الأمريكية قبل أن يسلم السلطة.

ج- وثمة عامل حاسم هو المشروع النووي الإيراني فأمريكا والغرب يقفان ضده لأنه خطر على التوازنات الإقليمية والدولية، وفي هذه النقطة يتقارب الموقف الأمريكي مع الموقف الإسرائيلي والضغط الذي يمارس عسكريا على طهران وأدواتها الإقليمية هدفه القضاء على هذا المشروع النووي. والأخطر هو وجود معلومات استخبارية لدى الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل الغربية تؤكد بأن لدى إسرائيل الشرقية رؤوس نووية جاهزة اشترتها من بقايا الاتحاد السوفيتي وبما أن أدوات النقل للرؤوس النووية تصنع في إسرائيل الشرقية، وهي الصواريخ البعيدة المدى، فإن الخطر الإيراني أصبح يهدد بخروج طهران عن كل الخطوط الحمر وتنفيذ مشروعها القومي بعيدا عن المشروعين الأمريكي والصهيوني وذلك احد اهم عوامل تحرك واشنطن وتل أبيب ضدها.

 

3- وفي إطار هذا التوتر يلاحظ بوضوح بأن إسرائيل الغربية مندفعة بشدة لإشعال الحرب مع إسرائيل الشرقية ولكنها لا تستطيع خوضها وحدها كي تضمن النتيجة ولا بد أن تجر أمريكا معها لضمان الانتصار، وأمريكا تعرف إن دخولها الحرب يعني تدمير إسرائيل الشرقية مثلما دمر العراق، وهذا الهدف لا تريده أمريكا لأنها وفي إطار مخططها الإقليمي ترى أن إسرائيل الشرقية تلعب دورا محوريا في الإقليم كله ولكن تحت قيادته، ووجود إسرائيل الشرقية جوهري لأنها اللاعب الأساسي الأقدر على الاختراق العرب بحكم وجود كتل طائفية جندت من قبلها وتعمل ضد وطنها لصالح المخططات الإيرانية، والنظام الإقليمي الجديد الذي تريد أمريكا إقامته لا يمكن أن يقوم بدون وجود إسرائيل شرقية قوية لانها ذخيرة ستراتيجية للولايات المتحدة الأمريكية، وهذا الأمر هو الذي جعل أمريكا ترفض شن الحرب على النظام الإيراني وتفضل ممارسة الضغوط عليه بمختلف الوسائل دون الوصول إلى الحرب المباشرة.

وهذا هو الذي أدى إلى كبح اندفاعات نتنياهو حتى الآن، وجاءت زيارة الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان إلى نيويورك لإجراء مفاوضات مباشرة مع الإدارة الأمريكية من أجل الوصول إلى اتفاق وقيل أن الاتفاق قد تم ووافقت طهران على تفكيك الميليشيات وتحويلها إلى أحزاب سياسية وتقديم دعم مالي لطهران قدره 6 مليار دولار كدفعة أولى وأطلاق يدها في إطار ما تحدده أمريكا لها إقليميا.

ولكن اسرائيل الغربية وجدت في ذلك مقدمة لاستمرار تدهور دورها الإقليمي في المخططات الغربية، بعد أن أثبتت من خلال طوفان الأقصى بأنها عاجزة عن تحقيق الهدف الوظيفي من وجودها في خدمة المصالح الغربية، بينما إسرائيل الشرقية نجحت في تحقيق ذلك. وهذه الحقيقة هي التي تدفع تل ابيب للإصرار على إشعال حرب مع إسرائيل الشرقية بينما تقف أمريكا حذرة، لأن أي حرب محدودة ومنضبطة لا يمكن ضمان نتائجها وقد تتسع رغم ارادة اطرافه، وإذا اتسعت فسوف تؤدي حتما إلى تحطيم إسرائيل الشرقية مثلما حطم العراق، وبالتالي فإن أحد الأركان الثلاثة التي يقوم عليها النظام الإقليمي سينهار، إضافة إلى تغييب الأداة الوحيدة التي نجحت في اختراق الأقطار العربية طائفيا وعنصري، وبالتالي فإن الأقطار العربية ستنهض مجددا وذلك لا يخدم المصالح الأمريكية ولا الإسرائيلية.

ومن الضروري تذكر حقيقة مهمة وهي وجود تيار أمريكي داخلي يدفع للحرب مع إسرائيل الشرقية دعما للموقف الصهيوني، انطلاقا من التراث الديني المشترك بين المسيحية الصهيونية والكيان الصهيوني يستند على فكرة أن عودة السيد المسيح مشروطة بوجود إسرائيل وبالتالي فإن انتصار إسرائيل وبقائها لحين نزول السيد المسيح هدفا مقدس، وهكذا نرى اختلاط المقدس بالأهداف الدنيوية الاستعمارية!

ومما لا شك فيه فإن عواقب طوفان الأقصى سيكون أبرزها انحدار الدور الإسرائيلي الإقليمي وصعود الدور الإيراني الإقليمي، وهذا ما لا يرضي الصهاينة وفي مقدمتهم نتنياهو، ولكن الرأسمالية تبقى رأسمالية، فهي مشروع ربح، نعم تدفع الكثير من المال للدعاية ولصنع أدوات النجاح ولكن هذا الذي يصرف يجب ألا يؤدي إلى اغتيال المشروع الرأسمالي بتعريضه للإفلاس، وإسرائيل الغربية مشروع رأسمالي مفلس ولم يبقى له إلا المسيحية الصهيونية في أمريكا داعما له. وبين هذا وذاك يدور صراع على من يستطيع الانتصار في أمريكا؟ هل ستنتصر الكتل الموالية للصهيونية؟ أم تنتصر الكتل التي ترى أن أمريكا شركة كبرى تغلق أي فرع من فروعها حينما يفشل؟

وهنا نرى الحقيقة الكامنة وراء الدعم الأمريكي المطلق لتصفية إسرائيل الغربية لحزب الله في لبنان والضغط الشديد على إسرائيل الشرقية والتهديد بالحرب ضده، فهو وسيلة لإقناع النظام الإيراني بالتراجع عن تجاوز الخطوط الحمر والعودة إلى ما بين السكتين، بينما يرى نتنياهو أن مستقبل إسرائيل الغربية مهدد إذا لم تستعيد القدرة على الردع التي فقدتها في طوفان الأقصى.

في ضوء ما تقدم تكون الصورة واضحة أمامنا: أولا تفضيل امريكا لاسرائيل الشرقية يعود حصرا لدورها في تخريب الاقطار العربية من داخله، وهو ما عجز الاستعمار الاوربي عن تحقيقه، مثلما عجزت امريكا واسرائيل الغربية، بينما نجحت اسرائيل الشرقية في تحقيقه ميداني، وهو امتياز ستراتيجي لطهران ونقيصة ستراتيجية لتل ابيب. وثانيا: ان الكرة الآن في ملعب طهران فإذا صح أنها أكملت الاتفاق مع واشنطن فإن الحرب بين طهران وتل أبيب إذا وقعت ستكون مسيطر عليها لإكمال خطوات نفس المخطط وهو مواصلة تأهيل إسرائيل الشرقية لتكون البديل الاقليمي عن الأمة العربية المدمرة والمحطمة بأدوات إيرانية وبقرار أمريكي إسرائيلي، أما إذا أصرت طهران على مشروعها القومي فإن الحرب سوف لن تكون ضد الأدوات فقط بل ستكون ضدها مباشرة، وفي هذه الحالة سوف تكون إسرائيل الشرقية نثارا قوميا يستحيل اعادة جمعه، وهنا تكمن معضلة امريكا والصهيونية وهي ان الامة العربية ستنهض بقوة.

Almukhtar44@gmail.com

6-10-2024

شبكة البصرة

الاحد 3 ربيع الثاني 1446 / 6 تشرين الاول 2024

يرجى الاشارة الى شبكة البصرة عند اعادة النشر او الاقتباس
المقالات والتقارير والاخبار المنشورة في شبكتنا لا تعبر عن راي الشبكة بل عن راي الكاتب فقط