بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ |
المناضل ومتلازمة ذاكرة الذباب |
شبكة البصرة |
صلاح المختار |
اثنان بالمئة من الناس يعتقدون أنهم يفكرون، وخمس وتسعون بالمئةيفضلون الموت على التفكير برنارد شو ما هي متلازمه ذاكرة الذباب؟ يتميز الذباب بان ذاكرته لحظية، فهو ما ان يقترب من البشر ويضرب حتى يبتعد فورا قبل ان تصيبه الضربة، ولكنه سرعان ما يعود بعد لحظة ليواجه نفس احتمال الضرب ويهرب مرة ثانية وثالثة ورابعة لانه ينسى انه تعرض لمحاولة الضرب! وتلك ملاحظه جلبت انتباه العلماء! عندما يكون الإنسان مصابا بمتلازمة ذاكرة الذباب يجد نفسه تلقائيا مصابا برؤية تفكيكية تمنع فهم الاحداث وهي مترابطة، فالعجز عن تذكر ما مضى من أحداث أو التقاط لحظات قصيرة منها يقابله ضعف أو عجز عن الربط بين ذلك الحدث والحدث الجديد لاستنتاج فكرة تضيء له الطريق، يوقعه في فخاخ قاتلة، فهو يرى ويفهم بحدود مسافة أنفه! أما ما أبعد منه فهو عالم مشوش يجعله أسير استنتاجات ساذجة! وتصبح الصورة مأساوية عندما يكون المصاب بهذه المتلازمة مثقفا له ماض مشرف لأنه سيبدو كأنه مصاب بالزهايمر حيث تتدهور ملكة الوعي والتذكر والربط بين الأشياء، وعندما يحصل ذلك في السياسة فإنه يضع المصاب بهذه المتلازمة أمام احتمال مرجح بتهديم كل ما بناه في السابق من وعي ودقة وصواب في الاستنتاج وفي التحليل، وبالتالي عدم تبني الموقف المطلوب! لقد أصبح كأنه يرى فيلم سينمائي لقطاته مقطعة وبالتالي غير مفهومة، فيكون عليه أن يملأ هذه الفراغات بتكملة منه ربما لا صلة لها بالفيلم كله لان ذهنه مشوش،وتلك هي النهاية المأساوية للمصاب بمتلازمة ذاكرة الذباب. الربط العضوي بين ممارسات حسن نصر الله وحزبه وبين الطبيعة الاستعمارية للنظام الإيراني غاب تماما في تقييم حالة حسن نصر الله بعد مقتله فوصفه البعض بالشهيد! فكيف يكون شهيدا وهو ينفذ السياسات الإيرانية باعترافاته الرسمية المتكررة وهي سياسات قائمة على احتلال اقطار عربية مثل العراق وسورية واليمن ولبنان؟ وكيف يوصف بأنه شهيد مع أنه يقاتل من أجل استراتيجية طائفية تتناقض جذريا مع المبادئ الأساسية لكل حركة تحرر وطني؟ الطائفية تنسف الوحدة الوطنية في أي بلد ظهرت فيه وتشعل صراعات قد تكون دموية كما هو الحال لدينا في العراق وسورية ولبنان واليمن وغيره، واستنادا إلى هذه الحقيقة لا يمكن للطائفية مهما تظاهرت بغير ذلك أن تجعله شهيدا حينما يقتل، نعم من وجهة نظر الطائفيين من جماعته هو شهيد، ولكن هل يمكن اعتباره شهيدا من قبل من شخصوا السياسات الإيرانية على أنها سياسات استعمارية معادية للأمة العربية وهو يصف خامنئي بأنه (حسين العصر)، وانه جندي في جيش تابع لإيران تبعية مطلقة وعضوية لا تنفصل؟ إننا حينما نعتبره شهيدا فإنما نقوم بتمجيد السياسات الاستعمارية الإيرانية وهذه بديهية يتجاهلها من أصيب بمتلازمة ذاكرة الذباب حيث يعجز عن التذكر والربط. وتزداد الحالة المرضية للمصاب بهذه المتلازمة حينما نعرف بأنه وقف مع العراق وسورية ولبنان واليمن وضد الغزو الإيراني وأدانه، وأظهر بدقة صحيحة أن لحزب الله دور تدميري خارج لبنان في العراق وسورية واليمن ولبنان ودول الخليج العربي ودول المغرب العربي فهو أخطر وأهم أداة إيرانية في الوطن العربي تروج لصواب السياسات الإيرانية وتدعو لدعمها، فكيف يمكن أن يقع مثقف واع بهذا الخطأ الفادح؟ وحينما نستعرض الجرائم التي ارتكبها حزب الله فإننا لا نجد فيها ما يسند فكرة إنه شهيد فالذي مارسه في سورية مثلا كان عمليات تهجير لبلدات وقرى ومدن كاملة بالقوة المفرطة التي وصلت حدى ذبح الأطفال بالعشرات و اغتصاب النساء وتعذيب الشيوخ علنا وإهانتهم بكلمات طائفية وسخة مدونة ومسجلة بأفلام افتخر القتلة التابعون لحزب الله بجرائمهم فيها ومنهم من اغتيل من قادة حزب الله في الأيام الماضية، وهذه الجرائم دخلت في ذاكرة شعبنا العربي في سورية ولا يمكن أن تنسى،ووصلت جرائم حسن نصر الله حد التسبب في تهجير 12 مليون عربي من سورية إلى الخارج، فهل من المنطقي أن يكون من قام بهذه الأعمال مرشحا لأن يكون شهيدا؟ ولو نظرنا إلى العراق فإن أول خطوة أقدم عليها حزب الله بعد غزوه هي إرسال القائد العسكري للحزب المجرم عماد مغنية إلى العراق وكان واجبه هو تدريب الكتل السياسية الموالية لإسرائيل الشرقية وتحويلها إلى ميليشيات مسلحة مقاتلة كي تتصدى للمقاومة العراقية التي قاتلت للاحتلال منذ الأيام الأولى للغزو، وبقي مغنية في العراق يقود هذه الميليشيات الجديدة لتقوم بتصفيات واغتيالات جماعية للمقاومين في العراق، وهذه الحقيقة راسخة في ذاكرة كل من قاوم الاحتلال، وعندما تذكر له اسم عماد مغنية فإنه في الذاكرة العراقية يسبق في الخطورة قادة الجيش الأمريكي لأنه والمليشيات التي قادها منفلتون ولا رادع لهم، فهل بإمكان العراقي بعد السوري أن ينسى كل تلك الجرائم التي ارتكبها حسن نصر الله وحزبه ويقبل بتسميته شهيدا؟ ومن يقول بأن إطلاق وصف شهيد على حسن نصر الله ينبع من أنه قتل على يد إسرائيل فإنه أيضا يقع في فخ متلازمة ذاكرة الذباب، لأن الصراع بين إلاسرائيليتين الغربية والشرقية لا صلة له بفلسطين ولا بقضايا التحرر الوطني بل هو صراع بين مشروعين استعماريين للسيطرة على المنطقة خصوصا الجزء الواقع منها بين الفرات والنيل، فالنظام الإيراني لديه تطلعات الإمبراطورية لإحياء إمبراطورية فارس وهي لا يمكن أن تقوم إلا بالسيطرة على موارد المياه والأرض الزراعية والقوة البشرية العربية، فتلك القدرات هي الشرط الحتمي لقيام الإمبراطورية الفارسية والتوسع، لأن إسرائيل الشرقية تفتقر إلى المياه والأرض الزراعية بمستوى لا يسمح لها بأن تجهز الجيوش وتحتل البلدان، ولذلك فإن التطلع الإيراني لاحتلال مناطق غنية بديلة هو الشرط المسبق لقيام الإمبراطورية الفارسية، وهكذا يصبح العراق وسورية ومصر والسودان وبقية الأقطار الواقعة بين الفرات والنيل أو قربهما هدفا للغزو كي تتوفر القدرات المطلوبة لقيام الإمبراطورية الفارسية. ولكن بالمقابل فإن هذه المنطقة هي هدف للصهيونية أيضا فقد رفع في الكنيست شعارا بقي عدة عقود ثم رفع تحت الضغط العالمي يقول (أرضك يا إسرائيل بين الفرات والنيل)، والسبب هو أن إسرائيل الغربية وأكثر من إسرائيل الشرقية تفتقر إلى الموارد المطلوبة لقيام إسرائيل التوراتية المسيطرة على كل المنطقة، فالمشروع الصهيوني ليس فقط إقامة إسرائيل التوراتية بل جعلها القوة الإقليمية المسيطرة على ما حولها، وهكذا نرى أن هناك تناقضا في الستراتيجية المعتمدة من الطرفين الإيراني والصهيوني رغم أنهما يلتقيان عند قاسم مشترك وهو القضاء على الأمة العربية بتقسيم أقطارها ومحو هويتها لأن ذلك هو الشرط المسبق لنجاح كل من اسرائيل الغربية واسرائيل الشرقية في السيطرة على الوطن العربي. لقد عشنا اللحظات التاريخية التي اعلنت فيها إسرائيل الشرقية رسميا بأنه لولا مساعدتها لامريكا فانها لم تكن تستطيع غزو العراق وافغانستان، وقال ذلك نائب الرئيس الإيراني محمد علي أبطحي، وكرر هذا الاعتراف رؤوساء وقادة النظام الايراني واخرهم محمد خاتمي الذي قال في مذكراته بانه بعد ان اتصل به توني بلير رئيس الوزراء البريطاني وطلب منه المساعدة في القضاء على المقاومة الشرسة في ام قصر في جنوب العراق سمح للقوات البريطانية بدخول ايران لاجل تطويق المقاومة العراقية! والاكثر تأكيدا للطبيعة الاستعمارية للنظام الايراني هو ما كشف عنه في يوم 1 من أكتوبر الحالي حيث إخبرت طهران واشنطن عبر وسطاء بانها مضطرة للرد على قتل حسن نصر الله لانها إذا لم تقم بالرد فإن نفوذها ووجودها في خارج حدودها الإقليمية سوف ينهار، ولذلك اعتبرت بقاء غزوها للأقطار العربية أهم من الدفاع عن سيادتها بالذات! وهذه الحقائق تثبت كل ما كنا نقوله وهو أن إسرائيل الشرقية دولة استعمارية لا تختلف عن اسرائيل الغربية والاستعمار الأوروبي والامبريالية الامريكية من حيث أنها تستعمر بلدان أخرى وتعتبرها (مناطق نفوذ لها)، واثبت ذلك ان النظام الايراني يعد البلدان الأخرى مستعمرات له اضافة الى اعتبارها مصدا يحمي النظام من الخطر قبل بلوغه إليه، وهذا استنساخ تام للاستراتيجية الصهيونية التي قامت طوال عقود على عدم السماح بخوض أي حرب داخل المستعمرات الصهيونية وخوضها في الخارج! وهكذا تكون الصورة أمامنا واضحة: فكلا إلاسرائيليتين لديهما أهداف استعمارية تتحقق بغزو أقطار أخرى وكلاهما تعتبران الدفاع عنهما يتم خارج حدودهما الإقليمية. فكيف غابت كل هذه الحقائق عن أذهان الذين وصفوا حسن نصر الله بالشهيد؟ أن أحد أهم الأسباب في التورط بوصف حسن نصر الله بالشهيد هو التأثير الواسع النطاق لعملية طوفان الأقصى والتي فجرتها وتقودها حماس وإعلانها المتكرر بأن (الفضل يعود لإيران في دعمها بالسلاح والمال والتدريب)، وهكذا فإن النظرة الجزئية للصراع، وهي فخ قاتل، تدفع بالمصاب بمتلازمة ذاكرة الذباب إلى الدمج بين مشاعر عاطفية تجاه حماس وبين اعتبار حسن نصر الله شهيدا! اننا ونحن ندعم المقاومة الفلسطينية في غزة نؤكد بانه يعني اننا ندعم حماس والجهاد الاسلامي فقط بقدر تعلق الامر بالقتال مع اسرائيل الغربية وماعدا ذلك مفتوح للرفض التام. إن اعتبار حسن نصر الله شهيدا كبوة خطيرة لذوي المواقف الوطنية والقومية المعروفة تضعهم في خانة الذين لم يفهموا أن إسرائيل الشرقية عدو أخطر من إسرائيل الغربية بمراحل كثيرة، فإذا كانت الاخيرة تحتل حتى الآن الجزء الاكبر من فلسطين فإن إسرائيل الشرقية تحتل خمسة أقطار عربية، وهي العراق وسورية واليمن ولبنان والاحواز، وهي تعادل عشرات اضعاف حجم فلسطين وعدد سكانها. أما إذا نظرنا إلى الكوارث التي حلت بالأقطار العربية فنجد أن كارثة غزة ليست أقسى من الكوارث التي تعرضت لها محافظات الموصل والأنبار وحلب والقصير وغيرها، العذابات التي عانى، ويعاني، منها العراقيون والسوريون لا تقل نهائيا عن معاناة غزة بل إن معاناة محافظات عراقية وسورية واحدة أكبر من معاناة غزة بعشرات المرات، والدليل إن الذين استشهدوا في العراق اربعة ملايين بعد الغزو فقط، وفي سورية استشهد اكثر من مليوني سوري وهجر اكثر من 12 مليون، بينما هجر من العراق خمسة ملايين عراقي، وجنس في العراق ثمانية ملايين ايراني وافغاني وغيرهم، وشهداء غزة حتى الآن لم يصلوا إلى 100 الف شهيد والدمار فيها لايشكل ربع دمار الموصل وحلب مثلا. الكارثة تشمل اغلب الاقطار العربية والنظرة لهذه الكوارث يجب ان تنطلق من موقف قومي ثابت يؤكد على المساواة التامة بين عربي واي عربي اخر في أي قطر. والذي تسبب بكل تلك الكوارث هي إسرائيل الشرقية وميليشياتها خصوصا المجرمين القاتلين حسن نصرالله وقاسم سليماني. هذه حقائق موثقة ومدونة ولا يمكن إنكارها من قبل أي كان إلا إذا كان مصابا بمتلازمة ذاكرة الذباب، أو إنه يعرفها جيدا ولكنه ينكرها لدوافع أخرى وإن كانت معروفة، وان اضطررنا سنسمي الاشياء بأسماءها. إن المناضل عليه أن يحافظ على شرفه وتاريخه، وأن يمتنع إذا لم يكن يستطيع تقييم المواقف بصورة موضوعية عن إصدار الأحكام فهي ستحسب عليه وتنقض إيجابياته وتضعه في مكان لا نتمنى له أن يكون فيه. لا مجاملة ولا مساومة على القضايا العظمى في نضالنا الوطني والقومي. Almukhtar44@gmail.com 2-10-2024 |
شبكة البصرة |
السبت 2 ربيع الثاني 1446 / 5 تشرين الاول 2024 |
يرجى الاشارة الى
شبكة البصرة
عند اعادة النشر او الاقتباس |