بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

غزة أوكرانيا تايوان صراعات تقسم العالم وتنهي النظم الدولية القديمة...

أوهام النصر في مواجهات القرن الحادي والعشرين والحرب العالمية الثالثة

شبكة البصرة

عمر نجيب

يتزايد عدد السياسيين والمحللين الذين يرون أن الروابط والتتباعية تتكثف وتقوى بين الصراعات العسكرية والسياسية الدائرة سواء في الشرق الأوسط وأساسا في حرب غزة وحرب شرق أوروبا بين روسيا وحلف الناتو على الساحة الأوكرانية والتوتر في شرق آسيا خاصة حول تايوان وبحر الصين الجنوبي بين واشنطن وحلفائها من جانب وبكين من جانب آخر.

حربا إسرائيل في غزة وروسيا في وسط شرق أوروبا كشفتا عن انقسام عالمي عميق.

وقال ريمي أديكويا، المحاضر السياسي في جامعة يورك في إنجلترا: "إن الحرب بين إسرائيل وغزة والأحداث اللاحقة لها تسلط الضوء على الانقسامات المتزايدة بين الغرب الذي كان مهيمناً في السابق وحلفائه الرئيسيين مثل إسرائيل والقوى الناشئة المتجمعة حول دول بريكس".

ويضيف أديكويا: "أحد الأنماط الواضحة الناشئة هو أن النظام القديم الذي يهيمن عليه الغرب يتعرض لتحديات متزايدة، وهو وضع من المرجح أن يزداد حدة مع فقدان الغرب لموقعه الاقتصادي المهيمن الذي لا يمكن تعويضه".

وقد كشفت الأرقام الأخيرة عن تفوق مجموعة "بريكس" لأول مرة على دول مجموعة السبع الأكثر تقدما في العالم، وذلك بعد أن وصلت مساهمة "بريكس" إلى 31.5 بالمئة في الاقتصاد العالمي، مقابل 30.7 بالمئة للقوى السبع الصناعية. وحسب الصحيفة الفرنسية "لو جورنال دو ديمانش"، فالاتجاه الصعودي الذي حققته "بريكس" سيستمر خاصة في أسواق الصين والهند.

يقول مراقبون أن أحد الأسئلة التي تطل برأسها من نافذة الأحداث خلال الربع الأخير من سنة 2024، لاسيما في ضوء مواقف زعماء الدول الكبرى التي تحمل ملامح ومعالم قطبية العالم الجديد، هو إلى أين يمكن أن يذهب الانقسام العالمي والتشظي الأممي؟ وهل نواجه حربا باردة جديدة، أم أنه أوان مولد نظام عالمي جديد مغاير لما جرت به المقادير بعد الحرب العالمية الثانية، ومختلف كل الاختلاف عما عرفناه بعد سقوط الاتحاد السوفياتي؟.

الشاهد أنه منذ انطلاق القوات الروسية لجبهة أوكرانيا في 24 فبراير 2022، وعملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر 2023 اعتبر المراقبون أن زمن التعايش السلمي ولى إلى غير رجعة، وأن زمن التكتلات يعاود الظهور سياسيا في الأقل، وربما عسكريا عما قريب.

ومع انفلات الأزمة في غزة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، تعززت فكرة عودة الأحلاف للتمترس وراء بعض، ومجابهة الآخر.

لم يكن من الغريب أن نرى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين متوجهاً إلى الصين، وفي الوقت عينه كان بايدن يغادر إلى إسرائيل وكأن كل قوة دولية تسعى إلى دعم وزخم أطراف بعينها، ضمن رؤية لخريطة شطرنج إدراكية، تقودنا للقطع بأن أزمنة التواصل بلغت نفقاً مسدودا، وأنه حان الوقت للعودة لفصل جديد من فصول تقسيم العالم إلى فسطاطين، شرقي وغربي، آسيوي - أوراسي، في مقابل غربي – إسرائيلي.

كيف لنا أن نقرأ أبعاد ما يحدث ضمن حال الاختلال التي يعيشها عالمنا المعاصر، فيما التساؤل الأهم والأشد خطورة ووعورة هل نحن على عتبات حرب كونية تتدحرج كرة نارها لتصل إلى السفح محدثة فوضى عالمية؟.

مشكلة الغرب هي أن قادته الحاليين يرفضون الاعتراف بالواقع الجديد وهو أنهم لا يمكن أن يواصلوا فرض ارادتهم على الآخرين وأن موازين القوى الاقتصادية والعسكرية والعلمية العالمية لم تعد في صالحهم.

ما يزيد من خطورة المشهد العالمي هو أن الغرب بقيادة واشنطن يعيش في ظل أوهام النصر سواء في الصراعات الدائرة في الشرق الأوسط أساسا على ساحة الأرض الفلسطينية أو في أوكرانيا أو في بحر الصين الجنوبي وتايوان.

 

النصر الذي لم يتحقق

كتب محلل سياسي بعد 11 شهرا من الحرب على غزة يتأكد عمق الهزيمة، وخلال ثمانية عقود ثبت عقم الانتصار فالإحتلال يجد نفسه بعد تلك العقود في بيئة طاردة، وأرض لا يمكن أن تصبح الملاذ الآمن لمستوطنيه.

فكرة "عقم الانتصار" ظلت تلاحق ساسة تل ابيب منذ البداية في سنة 1948، رغم ما حققوه قديما من انتصارات على الجيوش العربية، وفي مسار التسوية والتطبيع. وقد تنبه إلى ذلك المؤرخ الإسرائيلي "يعقوب تالمون" بعد حرب أكتوبر 1973. ووصف الوضع حينها بـ"عقم الانتصار"، وفسره بأن: "كل انتصار تحققه إسرائيل لا يضمن بقاءها بقدر ما يقربها من المصير المحتوم، وهو الانهيار".

رأى رئيس حكومة إسرائيل الأسبق، إيهود باراك، أن "إسرائيل تتعثر بلا استراتيجية ولا خطة عمل" في قطاع غزة، معتبرا أن "إسرائيل أقرب إلى الهزيمة من النصر الكامل".

ونقلت صحيفة "إسرائيل اليوم" الإسرائيلية يوم 8 سبتمبر 2024، عن باراك قوله إن "الواقع صعب، فإسرائيل لم تنتصر لا في 7 أكتوبر، ولا في الحرب حتى الآن، بل هي أقرب إلى الهزيمة منها إلى الانتصار".

وأضاف: "نحن قريبون جدا وعلى مسافة خطوة من الهزيمة وليس من الانتصار المطلق، كما أننا على مسافة من تدهور الوضع إلى حرب شاملة"، مؤكدا ضرورة "العمل على منع وقوع الحرب الشاملة بالتعاون مع واشنطن والدول المعتدلة".

وفي ما يتعلق بالحرب مع لبنان، بين باراك أن حربا شاملة مقابل حزب الله اليوم "يمكن لها أن تتوسع إلى حرب إقليمية"، مؤكدا أن "ذلك خطأ استراتيجي كبير سيكون له ثمن مؤلم وثقيل".

كذلك، شدد على ضرورة "القيام بكل ما يلزم لمنع حصول حرب في الشمال، لأن الثمن الذي سندفعه لن يؤدي إلى نتيجة أفضل مما يمكن لأي اتفاق تحقيقه".

وفي السياق نفسه، أكد رئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق، إيهود باراك ضرورة إتمام "إسرائيل" صفقة تبادل الأسرى، وأن توقف الحرب في قطاع غزة، ولو بثمن "الكل مقابل الكل".

وأضاف: "علينا التحضر للحرب الشاملة ومقابلة حزب الله، ولكن علينا إتمام صفقة التبادل أولا، وفي ما بعد السعي لمنع حصول هذه الحرب حاليا"، لافتاً إلى أن الحل هو عبر "إتمام صفقة تبادل تهدئة الجنوب، وكنتيجة تهدئة في الشمال من خلال اتفاق ولو كان مؤقتاً".

وأضاف أنه قبل أن يقدم "الجيش" معالم واضحة لنصر في قطاع غزة، تقحمه قيادته السياسية في أتون الضفة الغربية، ليقف بين نارين، المقاومة التي لن تقبل الاعتراف بأي هزيمة أو استسلام، والمتطرفين المدعومين من وزراء في الحكومة الذين بدأوا يحضرون لإقامة مستوطنات في الضفة.

من جانبها أكدت صحيفة "معاريف" الإسرائيلية في تقرير لها يوم 8 سبتمبر 2024 أن صفقة إعادة الأسرى، ووقف إطلاق النار في غزة، ربما تكون "فرصتنا الأخيرة لمنع رؤية أبوكاليبسية في الضفة"، داعيةً إلى هدوء في غزة يسمح بهدوء معين في الضفة الغربية.

وفي مقال نشِر على صفحاتها، قالت الصحيفة الإسرائيلية إن الحرب في غزة "ترفع مستوى التصعيد في الضفة الغربية على المستويات كافة، فعلى الجانب الفلسطيني، تتزايد الدوافع للمقاومة جنبا إلى جنب مع الزيادة في تهريب وسائل قتالية، ويتفشى عنف المستوطنين أكثر من أي وقت مضى تحت رعاية حكومة اليمين المتطرف".

وأضافت الصحيفة أن "الجيش" الإسرائيلي بدأ في تعزيز وجوده في الضفة الغربية "بوسائل وشدة تتأثر بشكل مباشر بالقتال في غزة"، وأصبح قتل الأبرياء أمرا روتينيا بأعداد لم يكن من الممكن تصورها قبل الحرب في غزة.

وكل ذلك، بحسب "معاريف"، في ظل "القمع الاقتصادي المستمر" الذي تسيطر عليه "إسرائيل" هناك منذ أكتوبر، و"الدوس السياسي للسلطة الفلسطينية، رغم أنها لا تزال الشريك الوحيد على الأرض لكبح الإرهاب".

وتشير "معاريف" إلى أن هذا الاتجاه "سيؤدي حتماً في مرحلة ما إلى حمسنة كاملة للضفة الغربية"، وستكون هذه "غزة ثانية".

وفي الوقت نفسه، تعمل حركة الاستيطان على "إعداد البنية التحتية للمستوطنات المدنية في عمق قطاع غزة قدر الإمكان". "نحن نعرف - تتابع "معاريف" - كيف تحدث هذه الأمور، لأننا رأيناها في الضفة الغربية وفي غزة قبل فك الارتباط": أولا، كنس لخدمة الجيش، وبعد ذلك سيكون هناك حاخامات ومدارس دينية دائمة، ثم سيتحول كل هذا إلى "مستوطنات".

وكما نقلت شاني ليتمان في صحيفة "هآرتس" في نهاية الأسبوع، عن يمينيين يستعدون للعملية: "أولا، سيوافقون لنا على إقامة صلاة ما خلف السياج، ثم سيسمحون لنا بالبقاء هناك لفترة أطول قليلا. ثم سيسمحون لنا بالنوم هناك ليلا، وهكذا نأمل شيئاً فشيئاً أن نصل إلى وضع نستوطن فيه خلف السياج".

كما نقلت وسائل إعلام إسرائيلية عن مصادر أمنية، الثلاثاء، أن الضفة الغربية "تحولت من قنبلة موقوتة، إلى قنبلة في طور الانفجار".

وكشفت صحيفة "إسرائيل هيوم" أن أحداث الأيام الأخيرة في الضفة الغربية، "دفعت المؤسسة الأمنية والعسكرية إلى تغيير كبير في سياستها تجاهها"، بحيث سيتم تعريفها من الآن فصاعداً على أنها "ساحة قتال ثانية، مباشرة بعد غزة"، بعدما كانت تعرف على أنها "ساحة قتال ثانوية منذ بداية الحرب".

 

معوقات حرب ضد لبنان

كما تطرقت صحيفة "معاريف" الأحد 8 سبتمبر، إلى الأسباب التي تعيق إسرائيل من شن هجوم على لبنان في الوقت الراهن، معتبرة أن الأولوية هي لإعادة الشمال إلى حاله قبل الحديث عن أي قتال هجومي.

وذكرت الصحيفة إنه "في الأيام الأخيرة، أدركت المؤسسة الأمنية أن على إسرائيل أن تشن عملية واسعة النطاق في لبنان، وتضرب حزب الله وتخلق واقعا جديدا على الأرض، لكنها تواجه معضلات حقيقية لتحديد ما إذا كان عليها شن هجوم أو الانتظار لوقت آخر".

ووفق الصحيفة فإن بعض هذه التحفظات هي: "أولا، الجيش الإسرائيلي لم يكمل مهمته في غزة. هناك 101 رهينة في أيدي حماس. الجيش الإسرائيلي لم يهزم حماس نهائيا وهو ملزم بالاحتفاظ بقوات كبيرة في غزة. هناك حاجة إلى تحديث الرتب والأدوات لأن الجيش الإسرائيلي ليس مبنيا على حرب طويلة تمتد لسنوات، وفي الوقت نفسه، تتطلب الضفة الغربية المزيد من الموارد والطاقة من يوم لآخر على حساب القوات من القطاعات الأخرى".

ولفتت "معاريف" إلى أن "المؤسسة الأمنية تريد الحفاظ على تأثير المفاجأة في الهجوم على حزب الله، والآن وبعد 11 شهرا من القتال من الصعب خلق مثل هذا التأثير. والأمر الآخر الذي يثير قلق إسرائيل هو الشرعية الدولية وعلى رأسها الولايات المتحدة التي تقف الآن على الخط الأخير من الانتخابات الرئاسية".

وقالت "معاريف"، إن "الجيش الإسرائيلي تمكن من تدمير قدرات حزب الله خلال أشهر القتال: قتل حوالي 600 عنصر، وجرح الآلاف، ودمر جميع وسائل القيادة للحزب، وأكثر من ذلك، لكنها شددت بالمقابل على أن الأضرار التي لحقت بالشمال جسيمة وفادحة: مستوطنات فارغة، اقتصاد منهار، أزمة اجتماعية. وقالت إن هناك حاجة ملحة لإعادة الأراضي الشمالية التي تخلت عنها الحكومة الإسرائيلية".

واعتبرت الصحيفة أنه "قبل أن تتخذ إسرائيل قرارا بشأن الدخول في قتال هجومي في لبنان، من الجدير إجراء مناقشة استراتيجية بهذا الشأن. أولا وقبل كل شيء، لا بد من رسم خط النهاية: هل سنبني شريطا أمنيا في لبنان؟ هل سننشئ مستوطنات مثل "شابي صور" أو "سافيوني النبطية" أو ربما مستوطنة "كيدمات مرج عيون" (في إشارة إلى مناطق صور والنبطية ومرج عيون، جنوب لبنان)؟"، وقالت إن "تفويض فصل القوات في يوم انتهاء الأعمال العدائية يجب أن يتم مع الأمريكيين والمجتمع الدولي وأن خطة إعادة تأهيل الشمال يجب أن يتم تحديدها مسبقا".

في غضون ذلك، أطلق المستوى العسكري بإسرائيل برئاسة رئيس الأركان اللواء هرتسي هليفي مرة أخرى تحذيرات من الحرب، ووجه الجيش الإسرائيلي ضربات إلى منصات إطلاق الصواريخ التابعة لحزب الله. وأعلن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أن لواء "يفتاح" أنهى أيضا تدريباته للمهمة القتالية في لبنان.

ومن ناحية أخرى، لم يظل حزب الله غير مبال بل قدم صباح يوم الأحد عرضا صغيرا لمدة 30 دقيقة، بمعنى آخر، أراد حزب الله أن يظهر لإسرائيل عينة من قوته النارية اللامتناهية، في حين أن شمال إسرائيل حاليا مهجور ومكلوم ومحترق، ومن المشكوك فيه أن يتغير وضعه قريبا.

 

أدوات صراع

في ظل التعثر الإسرائيلي في غزة وخطورة الأوضاع على خطوط الاتصال مع الأردن ومصر يبذل رئيس الوزراء الإسرائيلي كل ما في يده من قدرات لجر واشنطن لحرب واسعة في الشرق الأوسط للتخلص من ما يعتبره تهديدا إيرانيا. في واشنطن وضمن المحافظين الجدد من يساند نتنياهو في مخطط توسيع الحرب ولكن هناك معارضون في البيت الأبيض خاصة مع وجود الولايات المتحدة في مرحلة انتقالية للإنتخابات الرئاسية في نوفمبر 2024.

أشار تقرير لموقع "أكسيوس" الأمريكي نشر نهاية شهر أغسطس 2024، أن 18 سفينة حربية أمريكية، من بينها حاملتي طائرات، تمركزت في الشرق الأوسط "لردع إيران ووكلائها عن شن هجمات ضد إسرائيل، قد تنتهي باندلاع حرب شاملة في المنطقة".

وأوضح التقرير أن بعض السفن الأمريكية في البحر الأحمر وخليج عدن تواجه منذ أشهر، الحوثيين في اليمن، فيما تم إرسال قطع حربية أخرى إلى المنطقة "لإظهار القوة"، وفق الموقع.

كما أشار "أكسيوس" إلى أن سربا من مقاتلات "إف-22 رابتور" التابعة للقوات الجوية الأمريكية، وصل بالفعل إلى المنطقة، كما أن هناك الغواصة "يو إس إس جورجيا" المزودة بصواريخ موجهة.

وأوضح التقرير أن هناك حاملتي طائرات في خليج عمان بجانب 8 مدمرات، فيما هناك الغواصة "يو إس إس جورجيا" التي تعمل بالطاقة النووية، و3 مدمرات، و3 سفن هجومية برمائية، في منطقة البحر المتوسط، في وقت تواصل فيه القوات الأمريكية مراقبة الأنشطة اليمنية الحوثية عن كثب في البحر الأحمر، دون الإشارة إلى حجم القطع العسكرية هناك.

ونقل الموقع عن مدير مركز تكنولوجيا الدفاع التابع لمعهد هادسون، برايان كلارك، أنه بالنظر إلى كل هذه القطع الحربية، فإن "هناك بسهولة أكثر من 500 صاروخ توماهوك جاهزين لاستهداف إيران، وأكثر من 100 مقاتلة جاهزة للدفاع عن الحلفاء".

وكانت وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاغون"، قد ذكرت، الإثنين 23 أغسطس، أن واشنطن "ترى أن التهديد بشن إيران أو خصوم تل ابيب هجوما على إسرائيل لا يزال قائما"، وذلك بعد إطلاق جماعة حزب الله اللبنانية مئات الصواريخ والطائرات المسيرة على إسرائيل، ردا على مقتل قائد كبير في صفوفها.

وصرح المتحدث باسم البنتاغون، الميجر جنرال باتريك رايدر، للصحفيين: "أود أن أشير إلى بعض التعليقات العامة التي أدلى بها الزعماء الإيرانيون وآخرون.. لا يزال تقييمنا هو أنه يوجد تهديد بشن هجوم".

من جانبه قال وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت، إن "الأنشطة العدوانية الإيرانية تجاه إسرائيل في أعلى مستوياتها الآن"، مضيفا أن إسرائيل والولايات المتحدة "يجب أن تكونا مستعدتين لمنع طهران من الحصول على أسلحة نووية".

 

أكثر من حرب

جاء في تقرير وضعه مايكل أوهانلون ونشرته ناشيونال إنترست في واشنطن متصف سنة 2024:

وفقاً لعقيدة التخطيط الرسمية في البنتاغون اليوم، لا تستطيع الولايات المتحدة أن تخوض أكثر من حرب في وقت واحد. ويكفي أن يفكر المرء بالمحور الذي يضم روسيا وكوريا الشمالية وإيران والصين، ليشعر بالقلق من أنه إذا انتهى الأمر بأمريكا وحلفائها إلى الدخول في حرب ضد إحدى هذه الدول الأربع، فإن دولة أخرى قد تفكر في العدوان على أمريكا.

كانت الولايات المتحدة تطمح إلى نوع ما من القدرة على خوض حربين. فخلال الحرب الباردة، كانت الولايات المتحدة تهدف بشكل عام إلى أن تكون قادرة على خوض حرب كبرى إلى جانب حلفائها في حلف شمال الأطلسي ضد الكتلة السوفييتية في أوروبا، وعلى الأقل صراع واحد آخر متزامن (مثل الحرب الكورية أو حرب فيتنام) في أماكن أخرى. ولكن الجيش الأمريكي خلال الحرب الباردة كان أكبر بنسبة 60 في المئة مما هو عليه اليوم.

بمجرد سقوط جدار برلين في عام 1989، خفضت الولايات المتحدة قواتها المسلحة لكنها احتفظت بهدف التخطيط للحربين. ومع ذلك، كان من المتصور أن تكون هاتان الحربان ضد أعداء أقل قدرة بكثير: أمثال العراق، وإيران، وكوريا الشمالية، أو ربما سوريا.

في الواقع، انتهى الأمر بالولايات المتحدة إلى خوض حربين متداخلتين لسنوات عديدة في العراق وأفغانستان-على الرغم من اختلافهما عن السيناريوهات النموذجية المتصورة في نماذج حجم القوة هذه نظرا لأنها كانت طويلة ومعتدلة من حيث الحجم وليست قصيرة وكبيرة كعاصفة الصحراء عام 1991. وبسبب مدتها، كان على الولايات المتحدة أن تقوم بجهود الذروة في تلك الحروب، مع التركيز على العراق في عهد الرئيس جورج دبليو بوش وأفغانستان في الولاية الأولى للرئيس أوباما.

ثم بدءًا من عام 2015 تغيرت الأمور مرة أخرى. وأنشأ المخططون في البنتاغون، بدءاً بوزير الدفاع أشتون كارتر ورئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال جوزيف دانفورد، إطار تهديد "4 + 1" مع انضمام روسيا والصين إلى إيران وكوريا الشمالية في قائمة المخاوف الرئيسية للبنتاغون. وبعد ذلك، أعطى البنتاغون، وكيل وزير الدفاع جيم ماتيس والوزير مارك إسبر خلال سنوات ترامب، الأولوية لروسيا والصين، واحتفظت إدارة بايدن، تحت قيادة وزير الدفاع لويد أوستن، باستراتيجية دفاع وطني مشابهة جدا.

وفقًا للعقيدة الرسمية [media.defense.gov]، يجب أن يتمتع الجيش الأمريكي اليوم بالقدرة على القيام بما يلي في وقت واحد:

• العمل مع الحلفاء على قتال وهزيمة الصين أو روسيا ولكن ليس كليهما في نفس الوقت، ويفترض أن يكون ذلك في صراعات تتمحور حول منطقة غرب المحيط الهادي ومنطقة أوروبا الشرقية

• الدفاع عن الوطن الأمريكي مع الحفاظ أيضا على الردع النووي

• ردع كوريا الشمالية وإيران دون تحديد الكيفية بالضبط

• الحفاظ على الزخم ضد المنظمات المتطرفة العنيفة العابرة للحدود الوطنية كجزء مما يسمى "الحرب على الإرهاب"

ولكن هذا لا يزال مجرد إطار حرب واحدة. فهل هذا يكفي عسكريا لعالم اليوم؟

قبل القفز إلى استنتاج مفاده أننا بحاجة إلى تعزيز دفاعي كبير، هناك بعض الاعتبارات الأخرى التي يجب وضعها في الاعتبار. ولنترك جانباً حقيقة مفادها أن ميزانية الدفاع الوطني الأمريكية، التي تبلغ نحو 900 مليار دولار، تتجاوز بالفعل ذروة الحرب الباردة وتعادل ثلاثة أضعاف ميزانية الصين وستة أضعاف ميزانية روسيا، لكن العجز الفيدرالي الهيكلي في الولايات المتحدة الذي يزيد على تريليون دولار سنوياً يشكل تحديا كبيراً.

بالإضافة إلى ذلك، لا يستطيع الجيش اليوم القيام بالتجنيد لملء القوام المطلوب حاليا للقوات، كما أن معظم الخدمات الأخرى كانت تكافح من أجل تحديد أهداف للأفراد أيضا.

والأهم من ذلك كله، بالنسبة لإدارتي ترامب وبايدن، كان ينظر إلى جودة القوات المسلحة على أنها أكثر أهمية من حجمها. لقد أراد مخططو الدفاع التركيز على تحسين القدرة العسكرية الفتاكة، والقدرة على البقاء، والاستدامة، والمرونة، والقدرة على التكيف في عصر التغير التكنولوجي السريع.

تحتاج الولايات المتحدة إلى تعزيز ردعها ضد العدوان الانتهازي المتزامن. لكن المعيار الصحيح للقيام بذلك هو على الأرجح التأكد من أن البلاد لديها ما يكفي من القدرات الأساسية لكل من الخصوم الأربعة المحتملين. وبالتعاون مع الحلفاء تستطيع منع عدوان سريع وناجح من قبل أي منهم حتى مع تركيز معظم قواتها في حرب واحدة كبيرة.

وكما جادل توماس ماهنكن مؤخرا بشكل مقنع فإن هناك فائدة رئيسية أخرى لإطار التخطيط للحروب المتعددة، وهي أنه سيخلق في الواقع احتياطيا استراتيجيا من الذخائر. ومن خلال إنتاج الذخائر ونشرها مسبقًا لعدة حروب في وقت واحد في مسارح خارجية رئيسية على نطاق أوسع مما هو عليه اليوم، فإن الولايات المتحدة ستخلق في الواقع تحوطًا ضد حرب واحدة تستمر لفترة أطول أو تأخذ أسلحة أكثر مما كان متوقعًا في البداية.

 

توفر الوقت

ومن شأن هذه السياسة أيضا أن توفر الوقت للبدء في تصنيع المزيد من الأسلحة لاستعادة القدرة القوية على تعدد المسارح إذا اندلعت حرب في مكان واحد. ولحسن الحظ، فإن هذه أهداف يمكن تحقيقها وبأسعار معقولة، وتتحدث عنها استراتيجية الدفاع الوطني بالفعل. ويتعين علينا أن نتأكد من أن لدينا القدرات، وليس مجرد الكلمات.

وتشمل بعض القدرات الإضافية الرئيسية التي قد تكون مطلوبة لدعم مثل هذه الاستراتيجية سربين من الطائرات المقاتلة من "الجيل الخامس" المخصصة لكوريا (لمهاجمة منصات إطلاق الصواريخ الكورية الشمالية في وقت مبكر من أي حرب، والحد من الأضرار التي قد تلحق بسول)، وغواصات غير مأهولة متمركزة في غرب المحيط الهادئ مزودة بأجهزة استشعار مضادة للسفن وصواريخ لمساعدة تايوان على مقاومة الصين، وطائرات الرفع العمودي في أوكيناوا بذخائر قابلة للاستخدام لنفس الغرض، وأنظمة دفاع صاروخية مخصصة للشرق الأوسط من النوع الذي ساعد في إحباط وابل الصواريخ والطائرات بدون طيار الإيراني الأخير ضد إسرائيل، ولواء من القوات البرية الأمريكية مدعومة بالمقاتلات وطائرات الهليكوبتر الهجومية في دول البلطيق كرادع دائم ضد روسيا. ومرة أخرى، فإن تعزيز بعض شبكات الاستشعار ومخزونات الذخيرة أمر منطقي أيضا.

إن تكلفة هذا النوع من التوسع المتواضع في القوة لن تكون تافهة، ولكنها لن تتجاوز عشرات المليارات من الدولارات سنوياً. ويمكن تمويلها جزئيا من خلال تخفيضات انتقائية في ميزانية الدفاع في أماكن أخرى. وبينما نستعد لإجراء انتخابات رئاسية هذا الخريف ومراجعة دفاعية جديدة في العام المقبل، فإن هذه القضايا المتعلقة بالحرب المتزامنة المحتملة يجب أن تكون في مقدمة ومركز النقاش الاستراتيجي الأمريكي.

 

الغرب يشتري الوقت

كتب المحلل السياسي ألكسندر نازاروف:

في الأشهر الأخيرة، شهدنا ازديادا حادا في عدد المآزق الاستراتيجية التي يواجهها الغرب، والتي تعجز النخب الغربية عن إيجاد مخرج منها. الأسوأ من ذلك هو أن معظم هذه الأزمات قد تبلغ ذروتها في نفس الوقت.

في الولايات المتحدة أصبح فوز ترامب واضحا بشكل متزايد، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى أزمات داخلية في الولايات المتحدة وأوروبا وحلف "الناتو". ولا يستبعد أن تتحول الحرب الأهلية الخفية في الولايات المتحدة إلى حرب ساخنة.

من ناحية أخرى، فإن كل محاولات الغرب لتجنب الانهيار الاقتصادي باءت بالفشل، فلا يمكن قمع التضخم، وأسعار الفائدة المرتفعة تدمر قطاعات الأعمال، والنظام المصرفي يحتاج إلى جهاز تنفس صناعي مستمر، فيما يبيع أصحاب أكبر الشركات الغربية أسهمهم، والذهب أصبح أكثر تكلفة، والجميع يستعد لانهيار البورصات.

أظن أن كل جهود أصحاب المال العالمي الآن تتركز على تأجيل الانهيار حتى فوز ترامب، وإعطائه "شرف" تلقي الضربة الناجمة عن خيبة آمال المواطنين وغضب الشعب.

في الوقت نفسه، وجهت الحرب في البحر الأحمر ضربة ساحقة للتجارة البحرية التي يسيطر عليها الغرب، والتي ستؤدي عواقبها إلى زيادة التضخم على أقل تقدير في غضون بضعة أشهر، ما سيسهم في الانهيار الاقتصادي الوشيك لنظام الدولار. من المؤكد أن العواقب يمكن أن تكون أسوأ بكثير، ولا توجد طريقة لمنعها دون تحييد إيران.

بالنسبة لإسرائيل، فإن حتى النجاح المحتمل في غزة لا يعني نهاية الحرب، كما أن إطالة أمد الحرب إلى أجل غير مسمى هو أمر غير مقبول لأسباب اقتصادية. وهو ما لا يترك أي خيار سوى التصعيد على أمل تحقيق نصر سريع على "حزب الله" ومن ثم إيران. في المقابل، فإن حربا كبرى مع "حزب الله"، بل وحتى توجيه ضربة إلى إيران، من شأنها أن تكون فرصة كبيرة لجر الولايات المتحدة إلى الحرب، ما سيؤدي إلى تفاقم مشكلاتها.

وعلى العموم، فإن إيران، من خلال حرب إقليمية تتصاعد بالتدريج، قد انتقلت بالفعل إلى فئة اللاعبين العالميين الرئيسيين، ولكن هذا أيضا يجعل من تحييدها العاجل أمرا ضروريا للغرب، الذي يضطر هنا للاختيار بين روسيا وإيران كهدف ذي أولوية، وهو ما من شأنه أن يؤجل الصدام مع الصين إلى أجل أطول.

وأخيرا، أوكرانيا هي أكبر وأثقل قطعة دومينو، يمكن أن يؤدي سقوطها إلى صدام مباشر بين روسيا وحلف "الناتو"، الأمر الذي من شأنه أن يقلب العالم رأسا على عقب، ويطلق سلسلة من ردود الفعل لكل الانهيارات والهزائم الأخرى التي مني بها الغرب، منذ ذلك الحين، ومن غير المرجح أن تقتصر هذه الحرب على أراضي أوكرانيا.

وقد عانت أوكرانيا، التي تم تزويدها بالأسلحة قبل عام، من فشل ذريع في هجومها. ويقوم الجيش الروسي، مثل جرافة الأسفلت، بسحق المواقع الأوكرانية ببطء، ولكن بلا هوادة على طول خط المواجهة بأكمله.

لقد أصبحت هزيمة أوكرانيا وانهيارها لأسباب داخلية أمرا لا مفر منه بالفعل، فيما يبدو أن هذا الأمر يد بدأ يصل إلى إدراك الغرب تدريجيا، استنادا إلى التصريحات الهستيرية للساسة الأوروبيين حول احتمال نشر قوات غربية هناك، وأن أوروبا ستكون في حالة حرب مع روسيا في غضون سنوات قليلة.

ومن غير المرجح أن يتصور الغرب أن تكرار المحاولة الهجومية، في ظل ظروف أسوأ بالنسبة لأوكرانيا، من شأنه أن يؤدي إلى نتيجة مختلفة وأكثر نجاحا.

إلا أنه من الممكن الحديث عن محاولة الغرب تمديد هزيمة أوكرانيا إلى ما بعد 2024 والرغبة المتأصلة لدى كافة الأطراف في البدء بأقل قدر من قائمة الأزمات. ولكن في ظل الظروف الراهنة، فإن كل شيء مترابط ومتفجر إلى حد أن عملية صغيرة تقوم بها "حماس" لتحرير السجناء الفلسطينيين قد تنتهي بحرب الجميع ضد الجميع على نطاق عالمي.

ومن الواضح أن الإمدادات الجديدة من الأسلحة الغربية لأوكرانيا لن تغير النتيجة المتوقعة لهذه الحرب. ومع ذلك، فإذا تحققت عمليات التسليم هذه، فإنها ستزيد بشكل كبير من احتمال أن تكون الحرب الكبرى الأولى حربا كبرى في الشرق الأوسط، ومن المرجح أن تشمل جيران إسرائيل ودول الخليج العربي.

Omar_najib2003@yahoo.fr

شبكة البصرة

الجمعة 10 ربيع الاول 1446 / 13 أيلول 2024

يرجى الاشارة الى شبكة البصرة عند اعادة النشر او الاقتباس
المقالات والتقارير والاخبار المنشورة في شبكتنا لا تعبر عن راي الشبكة بل عن راي الكاتب فقط