بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

بعد ان اكتملت الصورة (5) اذا انسحبت امريكا من العراق؟

شبكة البصرة

صلاح المختار

في تصريح ملفت للنظر قال رئيس مجلس النواب الامريكي: (مجلس النواب غير راض عن خطط سحب القوات من العراق. لم أر أي خطة جادة من الإدارة لمواجهة النفوذ الإيراني في العراق وصده. إذا انسحبنا بدون خطة (مرة أخرى)، فإننا نسلم جهدًا دام 21 عامًا للملالي (مرة أخرى). @RepMikeRogersAL). ما دلالات هذا التصريح؟

جو بايدن حينما كان نائبا للرئيس باراك أوباما أكد بأن من الضروري تقسيم العراق إلى ثلاثة أقاليم كردية وسنية وشيعية، وهذا وضع اسسه بول بريمر في دستور الاحتلال حينما وصف العراق بأنه جمهورية فدرالية تضم قوميات وأعراق وطوائف وأديان، الامر الذي يعني ان العراق من وجهة نظر امريكية عبارة عن خليط متنافر وليس دولة بسيطة منسجمة، وهذا مؤشر خطير للنوايا التي تحملها الولايات المتحدة الأمريكية.

الإطار الأوسع للخطط الأمريكية هو ما أقره الكونغرس الأمريكي في عام 1982 وهو خطة برنارد لويس لتقسيم الأقطار العربية إلى دويلات متنافرة متناحرة على أساس العرق والطائفة والدين،وكان العراق من ضمنها وطالب بتقسيمه إلى ثلاثة دول كردية وشيعية وسنية. إذا أهملنا ذلك كله، وألقينا نظرة على العراق في واقعه الحالي سنجد أن كل المؤشرات الميدانية تؤكد بأن الولايات المتحدة قد خططت بالتفصيل لكيفية تقسيم العراق ومراحله، وكان أهمها وأبرزها هو تسليم العراق لإسرائيل الشرقية (إيران) كي تكمل المهمة، فأمريكا ابتدأت تنفيذ مخطط تقسيم العراق ومحو هويته بغزوة عسكريا في عام 2003 فحطمت الدولة العراقية وألغت الوزارات ما عدا وزارة النفط وحلت الجيش والأجهزة الأمنية، وتركت الوطن بلا قوة أمنية تحميه وتمنع الفوضى.

في اليوم الأول للغزو قامت قوات الاحتلال بسرقة آثار محددة مسبقا من قبلها في المتحف المتحف العراقي علنا وتركت الرعاع يدخلون لإكمال تحطيم بقية الآثار وسرقتها،وتلك خطوة لابد منها لمحو تاريخ العراق، وأعلن قرار يدل على النوايا الخبيثة المبيتة وهو وضع سفير أمريكي مسؤول عن كل وزارة أعيد تشكيلها ورفض تشكيل حكومة عراقية،بمعنى آخر لم تكن هناك النية لتشكيل وزارات عراقية بوجود وزير عراقي وإنما شكلت وزارات خدمية يرأسها سفير أمريكي، وكان ذلك مؤشرا خطيرا إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية قد قررت الغاء الدولة العراقية وليس فقط تقسيم العراق، ولكن تصاعد المقاومة المسلحة بصورة لم تحسب لها حساب قوات الاحتلال وتكبيدها خسائر فادحة ومرعبة، حيث وصل عدد العمليات العسكرية للمقاومة العراقية بمختلف فصائلها إلى ما بين 200 و300 عملية في اليوم الواحد وهو عمل إعجازي غير مسبوق في تاريخ حركات المقاومة في العصر الحديث وربما العصور السابقة، ولهذا اضطرت أمريكا إلى تشكيل حكومة بقيادة قيادة علاوي واسست جيشا.

إن هذا العرض المختصر يشير إلى أن القرار الأمريكي منذ بداية الاحتلال كان تقسيم العراق وبما أن القوات الأمريكية قد أصبحت عاجزة بعد عدة سنوات عن مواجهة المقاومة العراقية حيث خسرت أكثر من 75,000 قتيل أمريكي، يقسمون ما بين الضباط والجنود الرسميين وأعلن أن عددهم 4000 قتيل، وأولئك الذين طلبوا الجنسية الأمريكية ووعدوا بتقديمها لهم بعد أن يعودوا من الخدمة في الجيش،القتلى من هؤلاء لم يحسبوا ضمن القتلى أو الجرحى وتجاوز عددهم ال70 الف قتيل، فالعدد الكلي للقتلى الأمريكيين حسب منظمات أمريكية غير حكومية تجاوز ال75,000 قتيل، واقترن ذلك بخسارة أمريكا ثلاثة تريليون دولار، حسب اعترافات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حينما كان رئيسا، ولهذا كان استمرار أمريكا بالسيطرة على العراق مباشرة انتحارا لها، فسلمت العراق إلى إسرائيل الشرقية لتقوم بإنهاء العراق المعروف.

وهكذا بدأت مسيرة تفكيك العراق بصورة متدرجة لأن لإسرائيل الشرقية مطامع قديمة جدا مقرونة بأحقاد عنصرية عميقة على الأمة العربية خصوصا على العراق، فبدأت الميليشيات الإيرانية تنفذ عمليات اغتيالات جماعية للبعثيين ولكل المواطنين المقاومين الاحتلال وأخذت ثروة العراق تنهب علنا، وتتحول الى اهم وسيلة تمويل للميليشيات الايرانية في الوطن العربي،وزاد عدد من منح الجنسية العراقية على ثمانية ملايين اجنبي، مقابل تهجير خمسة ملايين عربي من العراق إلى خارجه وإجبار 3 ملايين عراقي على النزوح من محافظاتهم ووضعوا في معسكرات بائسة، وفرض اللغة الفارسية للتعليم في المدارس الإبتدائية والمتوسطة والثانوية، وفتح 62 جامعة إيرانية في العراق تدرس التاريخ وكل شيء من وجهة نظر فارسية، وأدخلت إيران المخدرات كي تنتشر في أوساط الناس،ووصلت حتى المدارس الإبتدائية للأطفال وكانت توزع على شكل حلوى!

والأخطر من ذلك هو قيام إيران بتحطيم القيم العليا وتقاليد المجتمع العراقي فقد فرضت زواج المتعة وروجته وأصبحت الزيارات الدينية مناسبة لممارسات جنسية جماعية مفتوحة بين آلاف الشباب والشابات، ونشرت الإيدز ومختلف الأمراض الأخرى إضافة لتشجيع الشذوذ الجنسي بمختلف أشكاله بل وصل الحال إلى نشر زنا المحارم، وأصدار قانون زواج الفتاة عندما تبلغ سن التاسعة من العمر لتحطيم الاسرة!

وهكذا تحول العراق إلى منطقة كوارث مدمرة،ولم يعد الوضع فيه يطاق خصوصا بعد تعمد إسرائيل الشرقية تلويث المياه وتسميم مزارع الأسماك والدجاج والقضاء على الصناعة والزراعة العراقية قضاء تاما، فتلوثت البيئة تلوثا خطيرا بسبب فتح كل مياه الصرف الصحي الإيرانية على العراق لتلويث مياهه، فأكملت طهران ما بدأته أمريكا باستخدام اليورانيوم المنضب والذي أدى إلى انتشار كل الأمراض السرطانية المتخيلة في العراق من جنوبه إلى شماله، وهكذا أصبحت البيئة العراقية ملوثة ولا تصلح للحياة.

إن كل تلك الأعمال التي قامت بها إسرائيل الشرقية في العراق تمت على قاعدة وجود قاسم مشترك بينها وبين امريكا وهو تدمير العراق تمهيدا لتغيير هويته العربية الى الابد وتحويله إلى شراذم متناحرة ابرزها دويلات كردية وسنية وشيعية،وهي مقدمات لتكون دولا مستقلة فيما بعد. وهنا يجب أن نتوقف عند تصريح رئيس مجلس النواب الأمريكي فإذا انسحبت أمريكا من العراق، سيترتب على ذلك أن أسرائيل الشرقية ستكمل عملية الإجهاز على العراق الذي عرفناه، وكانت زيارة الرئيس الإيراني الجديد إلى العراق مؤخرا مؤشرا لا يخطئ لوجود هذا الاحتمال حيث أنه دعا بكل صراحة إلى توحيد البلدين وقام بزيارات غير مسبوقة لعدة محافظات عراقية من ضمنها شمال العراق بدون مرافقة رئيس الوزراء!؟ وهذا يؤكد أن محو العراق وصل مراحل متقدمة.

إن محو العراق واستبداله بإسرائيل الشرقية هو جزء من مخطط إقليمي أمريكي يقوم على إنهاء الأمة العربية ومحوها تماما وما يجري في الوطن العربي من حملات تثقيف وتعبئة تقوم على إنكار وجود أمة عربية وإنكار حتى إصالة اللغة العربية وترويج الدعوات المعادية للعروبة كالدعوة لاستقلال الأقليات وتلفيق هويات ليست موجودة بصفتها هويات مستقلة وإنما كانت أما هويات دينية أو لغوية ولكن الغرب والصهيونية تعتبرها الآن قوميات لها الحق في الاستقلال، ومنها الأمازيغية والفرعونية والنوبية  والآشورية والبابلية والسومرية والفينيقية والأكادية والكلدانية، وهكذا نرى أن الصورة التي ترسم الآن للعراق وللوطن العربي عبارة عن منطقة صراع بين كتل وهويات متصارعة متناقضة يجب أن تنتهي بنشوء كيانات قزمة ومقزمة متناحرة، وعندما نصل إلى هذه المرحلة فإن صورة كل قطر عربي عمرها آلاف السنين ستمحى.

تصريحات رئيس مجلس النواب الأمريكي المعبرة عن القلق من الانسحاب من العراق تأكيد لما سبق، فرئيس مجلس النواب لا يتحدث نتيجة عواطف بل هو يعرف ما الذي يعد سرا للعراق وغيره من الأقطار العربية، هذه الخطوة ستؤدي حتما إلى احكام قبضة اسرائيل الشرقية على العراق،وما قاله الرئيس الإيراني عند زيارته لبغداد سيكون الخطوة الأولى وهو اعتبار العراق محافظة إيرانية تحت أي تسمية من مخادعة، وإذا تحقق ذلك فإن كل موازين القوى في الوطن العربي والمنطقة سوف تنقلب لصالح إسرائيل الشرقية.

وهكذا نرى الارتباط العضوي بين الدور الإيراني في فلسطين ولبنان وسورية واليمن ودورها في العراق، فالذي يجري ليس خطوات منفصلة بل كلها تصب في مجرى واحد وهو دفع إسرائيل الشرقية لتكون بديلا عن الأمة العربية، وهذا هدف جوهري وخطير لايمكن تحقيقه الا تحت غطاء توفره امريكا والصهيونية لاسرائيل الشرقية كي يتحقق وهو خلق صورة لها جذابة للعرب والمسلمين وهي انها من تحارب اسرائيل الغربية وامريكا وتنتصر بينما العرب صاروا حلفاء لاسرائيل الغربية! وكانت طوفان الاقصى هي الحدث الاهم الذي أستغل لتعزيز الدور الايراني وذلك ينطوي على خلط مميت للاوراق.

ان الانسحاب الامريكي من العراق في وقت يظهر الغرب فيه ان اسرائيل الشرقية تتعاظم قوتها لدرجة ان الحوثيين في اليمن يمتلكون صواريخ فرط صوتية لاتمتلكها طهران، كما قال الرئيس الايراني، هو عملية صنع مقاومة عربية تابعة للفرس تختطف امجاد المقاومة العراقية التي هزمت امريكا، وتندمج اصطناعيا بمقاومة الشعب الفلسطيني،فيصبح ممكنا تتويج اسرائيل الشرقية بصفتها حامي الحمى للمقدسات الاسلامية،وبالتالي ستكون من يعقد صفقة القرن مع امريكا والصهيونية لانهاء الصراعات،وهكذا تتوج طهران عاصمة للامبراطورية الفارسية المخطط لها غربيا وصهيونيا.يتبع.

Almukhtar44@gmail.com

17-9-2024

شبكة البصرة

الاربعاء 15 ربيع الاول 1446 / 18 أيلول 2024

يرجى الاشارة الى شبكة البصرة عند اعادة النشر او الاقتباس
المقالات والتقارير والاخبار المنشورة في شبكتنا لا تعبر عن راي الشبكة بل عن راي الكاتب فقط