بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

بعد ان اكتملت الصورة (4) لماذا يتجاهلون السؤال الأكبر؟

شبكة البصرة

صلاح المختار

الحرب على الشعب الفلسطيني تكاد تدخل عامها الثاني ومع ذلك نلاحظ بأن الخبراء والمحللين لا يتطرقون للسؤال الأخطر وهو: ماذا وراء التجاهل التام للدور الإيراني في هذه الحرب وديمومتها؟ نعم أمريكا وإسرائيل الغربية تعترفان رسميا بأن طوفان الأقصى تمت بدعم إيراني شامل وأن عمليات حزب الله والحوثيين في اليمن لا تتم إلا بأمر إيراني، ويترتب على ذلك أمر جوهري وهو: أن قرار مواصلة الحرب، من قبل حزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن والدور الهامشي للحشد الشعوبي في العراق، ليس إلا حربا إيرانية بالوكالة، ووسط هذه المعطيات نرى إن الأزمة تتعقد وتزداد الحرب ضراوة والضحية هو الشعب الفلسطيني وشعبنا في لبنان واليمن أيضا وكل يوم تزداد التكلفة البشرية والمادية على العرب دون أي رؤية لجذر هذه الأزمة.

نتنياهو يعمل على الانتقال إلى مرحلة إقامة إسرائيل التوراتية/اليهودية من الفرات إلى النيل واستغل طوفان الأقصى لتحقيق هذا الهدف، وهذا مفهوم ولكن غير المفهوم هو الموقف الأمريكي الذي يصر على عدم التعامل مع مصدر الهجمات على إسرائيل الغربية وهو إسرائيل الشرقية فحزب الله والحوثيين ليس لديهما أي استقلالية طبقا لمفهوم ولاية الفقيه والذي يعني الطاعة التامة وبلا اعتراض لكل أمر من الولي الفقيه وهو خامنئي، فخامنئي هو الذي يقرر هل يستمران في الحرب أو يتوقفان، وهو الذي يمدهما بالأسلحة وبالمال لمواصلة العمليات، وهذه بديهية معروفة للجميع، ولذلك فإن موقف أمريكا وبريطانيا الرافض لشن الحرب على طهران يصر على تجاهل السؤال الجوهري التالي: لماذا الاستهداف للفرع،حزب الله والحوثيين، وترك الأصل اسرائيل الشرقية؟ أي لماذا يهاجم لبنان بسبب عمليات حزب الله ويهاجم اليمن بسبب عمليات الحوثيين ولا تهاجم إسرائيل الشرقية مباشرة رغم أنها هي التي تصدر الأوامر؟

قد يرد بعض السذج أوالمتساذجين بأن إيران قوية ولا تستطيع أمريكا وإسرائيل خوض حرب معها! وهذه الحجة ضعيفة والمستفيد منها هو النظام الإيراني حيث أنه يريد أن يصور أن أمريكا والغرب والصهيونية عاجزان عن شن حرب على إسرائيل الشرقية، وهذا غير صحيح بالمطلق فبإمكان الصواريخ الأمريكية القديمة فقط لو أطلقت على إسرائيل الشرقية جعلها تستسلم خلال أسبوع، إننا نعرف قدرات إسرائيل الشرقية على الحرب فهي لا تستطيع خوض حرب طويلة مع قوة منظمة وانتصار العراق عليها في حرب الثمانية سنوات رغم تفوقها العددي والجغرافي، خير دليل رغم أن قوته مقارنة بقوة الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل وبريطانيا أخرى قوة بسيطة نسبيا.

إذن مالسر وراء عدم شن الحرب على طهران بدل بيروت وصنعاء؟ رفض الغرب وتحديدا أمريكا أو بريطانيا إنهاء الحرب عن طريق شنها على إسرائيل الشرقية مباشرة، وهو الحل الوحيد لوضع حد لها، يعود إلى وجود هدف ستراتيجي سري سبق وأن كتبنا عنه وهو أن الغرب والصهيونية معا يريدان، في إطار خطط محو الأمة العربية وتقسيم أقطارها وزوالها من الخارطة كأمة، استبدال الوجود العربي بالوجود الفارسي، فالأمة العربية رغم كل تمزقها وسوء أنظمتها تبقى جاهزة، في لحظات تاريخية معينة، للنهوض والتوحد وتغيير المعادلات الستراتيجية الإقليمية والعالمية، وهذه الحقيقة دعمت مرتين في العصر الحديث:مرة حينما ظهر القائد الكبير جمال عبد الناصر في مصر فنهضت الأمة العربية وراءه في أكبر تعبير عن وحدتها القومية حيث كنت تسمع هدير هتاف ملايين العرب من موريتانيا إلى اليمن (من المحيط الهادر إلى الخليج الثائر لبيك عبد الناصر) فأصيب الغرب والصهيونية بالرعب من تلك النهضة العربية وتقرر القضاء على عبد الناصر، وكذلك دعمت هذه الحقيقة بظهور نظام البعث في العراق في عام 1968 وتحوله إلى قوة إقليمية عظمى حقيقية سارت على طريق تنمية تفضي إلى تحول العراق إلى قوة عالمية وليس قوة إقليمية عظمى فقط، والدليل على ذلك هو التقدم العلمي والتكنولوجي الذي تحققا وحل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية.

ومثلما أصبحت الظاهرة الناصرية تشكل خطرا على الغرب والصهيونية فإن الظاهرة البعثية في العراق شكلت خطرا أشد من التجربة الناصرية لذلك كان يجب القضاء عليها، نكرر الغرب والصهيونية ومنذ بداية القرن ال20 أعادا وضع خطة جديدة ضد العرب، بعد الحروب الصليبية المعروفة، وهي أن العرب يجب أن لا يتوحدوا وأن لا يمتلكوا علوم العصر والتكنولوجيا الحديثة، وهذا ما ورد في تقرير بنرمان في بداية القرن ال20 وترجم في وعد بلفور وفي خطة سايكسبيكو وبقية الخطط، وأعيد التأكيد عليه في عام 1982 حينما أقر الكونغرس الأمريكي خطة برنارد لويس لتقسيم الأقطار العربية ومحو الهوية العربية، وكل ذلك هدفه منع قوة عظيمة لها تاريخ قديم أقامت حضارات متقدمة سادت في العالم اعتبارا من الحضارة السومرية والبابلية والفرعونية والشامية والفينيقية والآشورية واليمنية،ثم توج ذلك كله بالحضارتين الأموية والعباسية، وهذا التتابع والتنوع في الإنجازات الحضارية لم تحققه أي أمة أخرى في التاريخ غير الأمة العربية، ومن هذا المنطلق فإن السماح للأمة العربية بالتوحد والنهوض سيؤدي إلى تغيير خارطة العالم ونهاية عصر السيطرة الغربية الصهيونية، وذلك تغيير ستراتيجي مرفوض رفضا مطلقا من قبل الغرب.

أما إسرائيل الشرقية فهي تاريخيا كانت حليفا طبيعيا لكل الغزوات الخارجية التي ضربت الوطن العربي فهي تحالفت مع التتار ضد العرب، وهي كانت مع الأوروبيين عندما بدأت أوروبا بالتوسع الاستعماري وضد العرب أيضا، والاهم ان مشروعها القومي الفارسي لايتعارض مع المشاريع الغربية والصهيونية بل يكملها، ولا توجد صراعات تاريخية بين الغرب واليهود وبين الفرس بينما توجد مثل هذه الصراعات بين العرب والغرب منذ الحروب الصليبية، وقبلها بكثير مع اليهود منذ قيام العراق بجلب اليهود أسرى إلى بابل، لذلك فإن الحل الوحيد لوجود أمة عربية جاهزة للتوحد وتاليا للتحول إلى قوة عظمى إقليمية ثم عالمية تغير موازين القوى في العالم هو أن تضرب هذه الأمة وتمزق شر ممزق وتمحى هويتها في النهاية، وتحول إلى فسيفساء من الكيانات المتناقضة الهوية والمصالح والتي تنخرط في صراعات داخلية لا تنتهي إلى أن تخضع لإحدى القوى الإقليمية أو العالمية.

وهذا الحل يقترن بتكملته وهو جعل بلاد فارس أو إسرائيل الشرقية تملأ فراغ الأمة العربية التي تدمر أو يراد تدميرها، فالفرس كما قلنا لم يكونوا في التاريخ عدوا للغرب ولا لليهود،بل إن من أنقذ اليهود من الأسر البابلي هو كورش إمبراطور فارس، وهكذا تم تبني خطة تقوم على استبدال الأمة العربية بالأمة الفارسية، ليس سياسيا فقط بل وسكانيا ايضا، ولكن تحت غطاء طائفي لكي يمكن تقسيم الأمة العربية تدريجيا وهذا ما حصل وهذا ما نراه خصوصا منذ وصول خميني وحتى الآن.

إن رهان الغرب والصهيونية على الأمة الفارسية هو الذي يقدم الجواب على السؤال الأكبر الذي لا يجيب عليه أحد، (لماذا لاتهاجم إسرائيل الشرقية رغم إنها وراء الهجمات التي يشنها حزب الله والحوثيين)، الجواب الحاسم والدقيق هو ان عدم الهجوم يعود إلى ان القوة الناجحة في تدمير الامة العربية واختراقها هي الامة الفارسية ولذلك يجب حمايتها من التشرذم والتفكك، مهما كان الثمن، كي تكمل المهمة الاخطر والتي بدأتها بعد غزو العراق وهي محو الامة العربية. والستراتيجية التي وضعها الغرب والصهيونية جوهرها محو الأمة العربية واستبدالها بالأمة الفارسية التي يجب أن تسيطر على الامة العربية انطلاقا من غزو العراق وسورية، ثم يقوم حلف يضم الإمبراطورية الفارسية والدولة اليهودية الممتدة بين الفرات إلى النيل بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، أما بقايا الأمة العربية فستكون دويلات موز تابعة لهذا وذاك تحكمها أسر وطوائف وأعراق، ولهذا جلبت ملايين الناس من الفرس والباكستانيين والهنود والأفغان وغيرهم ومنحوا الجنسية العراقية والسورية من أجل تغيير الهوية العربية في العراق وسورية، وهو من ما نلاحظه بدقة الآن وبصورة كارثية.

إن عدم الهجوم على إسرائيل الشرقية يعود إلى الحرص الشديد من قبل الغرب على ابقاء البديل عن الأمة العربية سليما وجاهزا ليحل محلها في تحالف إقليمي ودولي جديد، وترى الولايات المتحدة الأمريكية أن أستمرار الحرب على غزة يتطلب عدم ضرب إسرائيل الشرقية أيضا لأن استمرار هذه الحرب يساعد على الإسراع بتفكيك الأقطار العربية والتمهيد لغزوها،وضربها مباشرة أو بصورة غير مباشرة، إضافة إلى أن ذلك يساعد على إكمال الصورة النمطية الجديدة المراد رسمها لإسرائيل الشرقية وهي أنها قوية وموحدة في المنطقة ومعادية للصهيونية وإسرائيل الغربية ومقابل ذلك يقدم لنا الغرب صورة أن العرب أصبحوا تابعين له وللصهيونية ولا أمل فيهم.

هل تحمل إسرائيل الغربية والولايات المتحدة هجمات الحوثيين وحزب الله وما يقدم من خسائر بسببها ثمن مجز لإنهاء الأمة العربية وبزوغ الأمة الفارسية بدلا عنها؟ الجواب نعم انه ثمن مجز ولابد من دفعه كي تتأبد اسرائيل الغربية بدعم مباشر من توأمها اسرائيل الشرقية.تذكروا أن اليهود قدموا لهتلر ملايين الدولارات من أجل قتل اليهود لإجبارهم على الهجرة الى فلسطين. إن عدم شن الحرب على إسرائيل الشرقية هدفه محو الامة العربية وليس العراق وسورية فقط،وطهران تنجح بهذا الدور بعد فشل الغرب والصهيونية في تحقيقه طوال عقود مضت.يتبع.

Almukhtar44@gmail.com

15-9-2024

شبكة البصرة

الاربعاء 15 ربيع الاول 1446 / 18 أيلول 2024

يرجى الاشارة الى شبكة البصرة عند اعادة النشر او الاقتباس
المقالات والتقارير والاخبار المنشورة في شبكتنا لا تعبر عن راي الشبكة بل عن راي الكاتب فقط