بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

دكتاتورية الإغلبية

شبكة البصرة

د. شاكرعبد القهار الكبيسي

عندما تتحول الديمقراطية الى دكتاتورية في الحكم تكون وسيلة للسيطرة وفرض الإرادة وإهمال حقوق الآخرين وما ينجم عنه من حينها تفرّد الأغلبية بإدارة البلاد والتحكم في مصير طوائفه وقومياته يرافق ذلك إقصاء وتهميش ومصادرة رغبات وآمال الآخرين عندها ستتحول المعايير الديمقراطية الى آليات للحكم الدكتاتوري مما يدفع الشركاء الآخرين للتفكير في البحث عن مخارج للتخلص من هذا النظام الذّي أصبح وبالاً على جميع أبناء الشعب وتدفعهم للبحث عن مخرجات لمعاناتهم فتصبح الديمقراطية عملية فاشلة وإفتقار الداعين لها للثقافةالحقيقية للعمل الديمقراطي الجوهري حينها تفقد التوجهات الديمقراطية بريقها وتصبح مجرد شعارات إعلامية وإجرائية فاقدة لمحتواها الانساني ويصبح هدف مروجيها الوصول للحكم والسيطرة وفرض الإرادة حتى ولو بالقوة على عموم الشعب.

إن الديمقراطية وجوهرها الحقيقي يكمن في التعددية الحزبية والمجتمعية والسعي للتعاون والحوار مع كافة القوى السياسية والمجتمعية وإعطائها حقوقها الدستورية وتوسيع مشاركتها السياسية لكي يتم بالفعل التطبيق الفعلي للآليات الديمقراطية التي يستند إليها مفهوم حكم الشعب الذّي يحقق للجميع منطق الإيمان بالديمقراطية الحقيقية التي تحقق التوازن بين حقوق وواجبات الإغلبية والأقلية دون فرض إرادة طائفة على أخرى عندها تصبح الدكتاتورية سمة واضحة بغطاء ديمقراطي منحرف.

إنّ هدف الأيدلوجيات الحزبية والعقائد السياسية وثورات الشعوب في العالم أجمع كان ولايزال إسعاد الناس وتوفير الحياة الحرة الكريمة التي تجعل من الإنسان غاية ووسيلة لا يجوز ظلمها أو إكراهها أو إجبارها على عمل في غير صالحها وللأسف ما نشاهده اليوم بعد مرور سنوات عديدة على تولي أحزاب وتيارات جديدة للحكم في الدول العربية وأجريت فيها انتخابات برلمانية صورية لكنها لم تُحسِن التدبير ولم تحقق تنمية فلا حياة مستقرة ولا خدمات ولا عيش كريم بل كل عام ينحدر حال الناس نحو الإنهيار وضيق العيش بسبب فرض ثقافات طائفية معينة على المجتمع كله وإعتبارها مُلزمة للجميع كثقافة وطنية شاملة بالرغم من الفروقات الدينية والمذهبية والقومية فبعد ما كانت الأفكار والنظريات تدعو إلى التحرر من جميع أشكال السيطرة أصبحت وسيلة تعزز وتوجه وتقود إلى الفردية والظلم والتخندق والهيمنة لفكر واحد وطائفة واحدة على مكونات المجتمع فتضيع المصحلة الوطنية وتًهدر حقوق الأفراد وتتقاطع توجهاتهم صحيحة أن التجربة الديمقراطية تُعطي للفائز في الإنتخابات الحق في الحكم وتقديم رؤاه وطروحاته وكيفية تنفذيها لكن لا يعطيه ذلك الحق في أن يُسّخر إمكانات الدولة ومواردها لصالحه دون مراعاة مصالح الآخرين, شركاؤه في الوطن لأن في ذلك خرقاً واضحاً للمعايير الديمقراطية التي يكفلها الدستور والتي تؤكد التعددية وإحترام آراء الآخرين ومصالحهم فلا يمكن أن نضع الدولة وإمكانياتها في خدمة طرف أو طائفة فالدولة أكبر من ذلك بكثير.

وإذا أخذنا العراق كنموذج لهذه التوجهات نجد وبشكل لا لبس فيه أن إرادة الإغلبية اليوم تلقي بظلالها على المشهد السياسي مما دفع البعض للمطالبة بأقاليم للهروب من مجابهة الأحداث أو التفكير في الحصول على مستحقاتهم الوطنية وبهذا تتعرض وحدة الوطن والشعب الى خطر الإنقسام والتشرذم لذا يستوجب إعادة النظر في سياسات الإغلبية البرلمانية بوضع أطر جديدة تحترم حقوق جميع المكونات الأخرى قبل فوات الأوان وهي دعوة وطنية صادقة فما يجمعنا كشعب عراقي أكبر وأوسع من المتفرقات ووسائل الإنقسام فلا سلطة ولا أحقية مطلقة لأي جهة دون قيود قانونية ودستورية ومؤسسات حكومية ترعاها بإنصاف فكثير من النُظم الفاشية الأوربية كانت تتمتع باغلبية برلمانية فعلى سبيل المثال تضمن الدستور الألماني مواد تمنح للشعب حق مقاومة أي جهة سياسية تقوض مواد الدستور وأحكامه حتى وإن إمتلكت الإغلبية البرلمانية فالديمقراطية لا تعني حكم الأغلبية فحسب بل هناك آليات ومعايير تحمي حقوق الأقليات وتمنع إنتهاك خصوصياتهم ومناطقهم وتعمل على توسيع مشاركاتهم في القرار السياسي وضمان تنشيط وحماية المؤسسات الرسمية للدولة وإعتبارهاتمثل الجميع لأنّ أي مساس يلحق بها ينسف جميع المعايير والقيم الديمقراطية ويدخل القلق والقهر والظلم في نفوس الشركاء الآخرين مما يعرّض الوحدة الوطنية والسلم المجتمعي للتفكك والتناحر والقلق من المجهول وقد يقود إلى الديمقراطية الشعوبية التي سادت في أوربا نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين والتي كان من نتائجها إندلاع الحربي العالميتين الأولى والثانية بسبب صعود التيارات اليمينةفي أوربا وأمريكا الى السلطة عن طريق الإنتخابات ثم إستعلائها وتسلطها على الأقليات الدينية والعرقية والمعاملة القاسية والمهُينة لهم.

أوسلو - 4آب 2024م

شبكة البصرة

الاثنين 1 صفر 1446 / 5 آب 2024

يرجى الاشارة الى شبكة البصرة عند اعادة النشر او الاقتباس
المقالات والتقارير والاخبار المنشورة في شبكتنا لا تعبر عن راي الشبكة بل عن راي الكاتب فقط