بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ |
صفقة القرن تولد من رحم الحرب على غزة |
شبكة البصرة |
صلاح المختار |
يلفت النظر بقوة أن البيانات الإيرانية الأخيرة حول طبيعة الرد على اغتيال الشهيد إسماعيل هنية قد تضمنت شرط وقف إطلاق النار في غزة لاجل الوصول إلى حل شامل ودائم للمشكلة، إن إدخال هذا الشرط جاء بمثابة حبل إنقاذ أمريكي للنظام الإيراني، فالستراتيجية الإيرانية في عهد خميني وخامنئي، تقوم على قاعدة ثابتة وهي أن الحرب مع أمريكا وإسرائيل الغربية ليست واردة في الحسابات الإيرانية مهما بلغت المشاكل تعقيدا، ويقابل ذلك في الجانب الأمريكي ماجسدته سياسة (الاحتواء المزدوج) التي تبنتها إدارة بيل كلينتون في التسعينيات من القرن الماضي، وهي تمثل الموقف الامريكي الثابت تجاه النظام الايراني، وقالت بأن (هناك دولتين مارقتين هما العراق وإيران وعلينا احتوائهما،وأن احتواء إيران يتم بالضغوط الاقتصادية والسياسية فقط وليس بالحرب، أما العراق فلا خيار لنا تجاهه إلا القوة وإسقاط النظام. إن هذه المقدمة ضرورية جدا لفهم ما يجري الآن بين إسرائيل الشرقية (إيران) وأمريكا وإسرائيل الغربية، بعيدا عن التضليل المتعمد الذي تمارسه الأجهزة الأمنية والإعلامية والرسمية في كلا الطرفين، ويطغى على ذلك التضليل انطباع إن ما يجري بينهما صراع مصيري وحقيقي، بينما هو في الواقع وكما أثبتت أحداث أكثر من أربعة عقود صراع منضبط حول الحصص الإقليمية ودور كل منها في المنطقة، إذ ليس من المنطقي أن ينتهج نظام الملالي في طهران سياسة معادية لأمريكا وبريطانيا وهما الدولتان اللتان أسقطتا الشاه وفرضتاه، وهذه العملية تمت بعد دراسة استغرقت سنوات في سبعينيات القرن الماضي وتم تبنيها رسميا في زمن إدارة كارتر ومهندس هذه السياسة هو زبجنيو بريجنسكي الذي أصبح مستشارا للأمن القومي للرئيس جيمي كارتر، وخطة بريجنسكي قامت على جوهر لم يعد سرا وهو (أن الأيديولوجيا البورجوازية ليست فيها جاذبية بينما الشيوعية واليسار وحركات التحرر في العالم الثالث تتمتع بجاذبية قوية تجعل ملايين البشر داعمين لها، وعلينا أن نجد أيديولوجيا قادرة على دحر الشيوعية واليسار وحركات التحرر بجاذبيتها الخاصة، وليس هناك جاذبية أقوى من جاذبية الدين، ولهذا فمن أجل الانتصار في الصراع الأيديولوجي وهو أخطر من الصراع العسكري يجب أن نقوم بدعم الأصوليات الدينية الإسلامية والمسيحية واليهودية والهندوسية وغيرها، لتكون المحرك لملايين البشر، وهؤلاء سيكون نضالهم في خدمتنا لأنه سيتركز على محاربة الشيوعية من منطلق أنها إلحادية)، واستنادا لذلك لم تكن صدفة ظهور ما سمي القاعدة والمجاهدين الأفغان في نهاية السبعينيات في تزامن له دلالاته مع أيصال خميني للحكم في عام 1979، وكان دور أمريكا وبريطانيا واضحا في تنصيب خميني ودعم القاعدة والمجاهدين الأفغان. في هذا الإطار يبدو واضحا ان الصراع بين أمريكا وإسرائيل الغربية من جهة وإسرائيل الشرقية من جهة ثانيه ليس صراعا ستراتيجيا وإنما هو صراع تقاسم الحصص والنفوذ الإقليمي والمكاسب المادية، وهذا التحديد لطبيعة الصراع ينسجم مع سياسة الاحتواء المزدوج، ولهذا لا تفريط بإسرائيل الشرقية مهما بلغ الصراع حول النفوذ معها. وتعزز هذا الدور لإسرائيل الشرقية بعد كل ما حققته من إنجازات ستراتيجية ضخمة تخدم الأهداف الكبرى للولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل الغربية وأبرزها تدمير الأقطار العربية الرئيسة التي تشكل الخطر الأول على إسرائيل الغربية والولايات المتحدة الأمريكية وهي العراق وسورية، ووصل الخراب إلى مصر بوضعها بين المطرقة والسندان وهو الحال الذي جمد دورها الستراتيجي الإقليمي، وتلك خطوة مطلوبة في المخطط الغربي الصهيوني، وهذه الخدمة الاستراتيجية التي قدمتها طهران لواشنطن وتل أبيب هي التي تتحكم بالموقف الحالي بينهم، وتنبه الأطراف الثلاث الى أنها تبحر في قارب واحد ومصيرها واحد، وبالتالي فالوصول إلى حل توافقي للصراعات بينها هو الخيار الوحيد وليس استخدام السلاح بجدية. في إطار هذه المقدمة كيف نفهم الرد الإيراني على اغتيال الشهيد إسماعيل هنية؟ وما معنى الربط الإيراني بين الرد الإيراني على إسرائيل الغربية وبين إدخال شرط الوصول لوقف إطلاق نار دائم وحل للمشكلة الفلسطينية ؟ هل هذا بعيد عن المخطط الغربي الصهيوني الأصلي؟ قد يكون نهج اليمين الإسرائيلي المتطرف الحاكم الآن غريبا عن هذه النظرة، ولكن إسرائيل الغربية أكبر من اليمين المتطرف وهي كيان نشأ أصلا على يد الاشتراكيين واليساريين الصهاينة في فلسطين المحتلة في عام 48، والغرب عندما أقام إسرائيل الغربية أرادها كيانا ليبراليا. إن اشتراط طهران الوصول إلى وقف دائم لإطلاق النار في فلسطين للامتناع عن القيام برد كبير ضد إسرائيل الغربية، مؤشر لا يخطئ إلى إن نظام الملالي في ورطة كبيرة جدا، فالرد على إسرائيل الغربية بحجم ما أطلق من تصريحات عنترية من خامنئي وقادة إسرائيل الشرقية سيقود حتما إلى صدام مع الولايات المتحدة الأمريكية وبذلك ينتقل الصراع من صراع بين أطراف يجمعها قاسم مشترك وبينها خلافات فرعية ثانوية إلى صراع بين أعداء لا ينتهي إلا بالقضاء على أحدهما، وذلك مناقص للسياسة الأمريكية تجاه طهران مثلما هو مناقض لكل السياسات الإيرانية الفعلية، وليس هناك دليل يؤكد ما سبق اوضح من تصريح خامنئي بعد الهجوم الإسرائيلي السابق على طهران وتصاعد الدعوة لدخولها الحرب عندما قال نحن لا نقاتل من أجل أي دولة أو طرف آخر! وليس ثمة شك في أن إدخال طهران لشرط وقف إطلاق النار في فلسطين كي يمتنعوا عن الرد بقوة شاملة كان بنصيحة أمريكية لسبب واضح وهو أن حكام طهران لم يطرحوا هذا الشرط إلا مؤخرا، وبالتالي فإنه يوضح القادم من تطورات وأهداف، وأبرزها أن الرد الإيراني سيكون محدودا ولا يجر إلى حرب شاملة بين الطرفين. وليس سرا أن هذا الحل سيكون مقدمة لا بد منها لمفاوضات إقليمية وعالمية حول القضية الفلسطينية سيكون لطهران دور أساسي فيها مع تقزيم شبه تام للأنظمة العربية، ولن تكون المفاوضات مجرد بحث في حل مشكلة غزة بل ستكون إطارا لوضع ترتيبات إقليمية شاملة فالذي يجري الآن ومنذ أكثر من أربعة عقود هو تنفيذ لمخططات غربية وصهيونية معروفة أبرز من عبر عنها الصهيوني الأمريكي البريطاني الجنسية برنارد لويس، ومن الجانب الإسرائيلي عوديد ينون في خطته المسمى (ستراتيجية لإسرائيل في الثمانينات)، وفي هاتين الخطتين يجمع الصهاينة والأمريكيون والبريطانيون على تقسيم الأقطار العربية كلها بدون استثناء على أن يبدأ ذلك بتقسيم العراق وسورية ومصر ولبنان وإلغاء الكيان الأردني. إن وصول الصراعات في الوطن العربي ومحيطه الإقليمي إلى المرحلة التي نعيشها الآن بكل كوارثها وتعقيداتها واحتمالاتها الخطرة، خصوصا انفلاتها واستحالة السيطرة عليها يدفع كلا من الولايات المتحدة وإسرائيل الغربية وإسرائيل الشرقية للوصول إلى صفقة تخدم هذه الأطراف الثلاث وتكرس هدف تقاسم النفوذ بينها في الوطن العربي. وهذه الضرورة لاتخرج إيران فقط من المأزق الذي تعيش فيه ويكاد يجرها إلى الخراب الشامل،نتيجة تعمق التناقضات وألغام الصراع، بل هي أيضا ضرورة أمريكية وإسرائيلية لأن الصراع المحتدم الآن بين الصين وروسيا ومعهما اغلب دول العالم الثالث من جهة، وأمريكا من جهة ثانية، يلقي بظلاله القاتمة بقوة على الصراع في الوطن العربي خصوصا في فلسطين، فنظام الملالي أخذ يعتمد بشكل متزايد على الدعم الروسي والصيني، ومنطلق الصين وروسيا في دعم النظام الإيراني ليس عقيدته الدينية بل لأنه قوة إقليمية انخرطت في صراعات ثانوية مع أمريكا وإسرائيل الغربية وبإمكان الصين وروسيا استثمارها فإذا لم يمكن تحويلها إلى صراع رئيسي فعلى الأقل تستخدم كوسيلة ضغط عبر إيران على الولايات المتحدة الأمريكية. وهكذا نرى أن مؤشرات الدعم الروسي لإسرائيل الشرقية بالمعدات العسكرية الحديثة ومنها الرادارات التي تحمي أجوائها وتكنولوجيا عسكرية متطورة تقلق الولايات المتحدة الأمريكية لأنها قد تغري نظام الملالي، وهو أسير بقوة لطموحات قومية تاريخية عمرها أكثر من 1400 عام محورها إعادة بناء الإمبراطورية الفارسية، بالخروج عن اتفاقية الجنتلمان مع الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل الغربية، وواشنطن وتل أبيب لا تستطيعان الآن تحمل التحاق إسرائيل الشرقية بالصين وروسيا لأنها الآن تتعاون معهما على أسس تكتيكية وكوسيلة ضغط على أمريكا وإسرائيل الغربية. وبناء على ما تقدم فإن اشتراط طهران وقف إطلاق النار يقدم صورة عن الحل المرتقب وعن التطورات التي ستأتي،فالرد الإيراني سيكون على الارجح محدودا حتى وان كان أكبر من السابق،ومتفق عليه أيضا، والوساطات التي تجري تركز على هذا الموضوع تحديدا، وهذا هو التفسير المرجح لعدم الرد الإيراني على تل أبيب رغم مرور فترة طويلة نسبيا بعد الاغتيال. إن الصفقة القادمة ستكون خطوة إلى أمام في مخطط إقامة نظام إقليمي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية ويضم إسرائيل الغربية وإسرائيل الشرقية وتجري محاولات لجر تركيا إليه، والخاسر الأكبر هو الأمة العربية التي مزقت شر ممزق واستخدمت كل أدوات الغرب والصهيونية وإسرائيل الشرقية لمنعها من تحقيق نهوض عربي تحرري شامل، وما غزو العراق وتعمد تدميره بصورة شاملة الا دليل واضح على ذلك، وهذا ينسحب على تمزيق القوى الوطنية ومنع توحدها مجددا لأنها هي الضمانة للوقوف بوجه هذا التآمر الدولي والإقليمي على الأمة العربية، ويبقى السؤال المهم التالي: ما هو مصير فلسطين في هذه الصفقة؟ بتغييب الامة العربية بقواها التحررية ونظمها الوطنية لايبقى الا حل واحد: وهو الحل الامريكي الاسرائيلي الايراني، وسنرى صفقة القرن موجودة هنا وليس في امكان اخر. Almukhtar44@gmail.com 9-8-2024 |
شبكة البصرة |
الجمعة 5 صفر 1446 / 9 آب 2024 |
يرجى الاشارة الى
شبكة البصرة
عند اعادة النشر او الاقتباس |