بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ |
عواقب محاولة اغتيال ترامب |
شبكة البصرة |
صلاح المختار |
إن محاولة اغتيال الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب ليست كما تبدو في الظاهر في أسبابها وفي نتائجها، وفيما يلي ملاحظات أساسية حولها: أولا: لم تمضي دقائق على تنفيذ محاولة الاغتيال حتى بدأت الأصوات ترتفع لتشير إلى وجود تقصير من قبل الخدمة السرية، وهي الجهاز الأمني المسؤول عن حماية الرؤساء السابقين، فقد أشير بصورة مباشرة إلى أن البناية التي اعتلاها مطلق النار لم تقم عناصر الخدمة السرية بالسيطرة عليها قبل بدء الاحتفال رغم أنها قريبة من مكانه، وهذه ثغرة أمنية سجلت ضد الخدمة السرية، والسؤال المنطقي هو التالي: هل تلك الثغرة نتيجة عدم دقة الإجراءات علما أن الخدمة السرية من بين أكثر المنظمات الأمنية في العالم تدريبا وخبرة؟ أم أنها ثغرة مقصودة تركت كي تستغل لتنفيذ خطة الاغتيال؟ وفي هذه الحالة من وراء الاغتيال؟ وما هو هدفه؟ هذه الأسئلة ستتوفر الإجابة على بعضها في الأيام القادمة على الأرجح. ثانيا: حمّلت أوساط شعبية عديدة بما فيها مؤيدة للحزب الديمقراطي مسؤولية الاغتيال للحملات المتواصلة ضد ترامب التي نظمها الحزب الديمقراطي وتركزت على شيطنته، وكان من الطبيعي أن يحصل الربط بين الحملات ومحاولة الاغتيال. ثالثا: ليس هناك شك بأن محاولة الاغتيال قد رفعت شعبية ترامب كثيرا ورجحت فوزه في الانتخابات، ما لم تحدث تطورات خطيرة أخرى تغير هذه النتيجة، ولكن الواضح أن معسكر ترامب حذر جدا ويريد استثمار هذه العملية إلى أقصى حد دون التصرف بطريقة تفقده هذه الفرصة. رابعا: إن رد فعل ترامب بعد العملية يزرع فكرة أن العملية مدبرة وأن ترامب يعرف بأنه سيتعرض لإطلاق النار، بدليل أنه كان مرتديا سترة واقية من الرصاص وإحدى الرصاصات أصابت صدره ونشرت صورة لها، فيطرح احتمال ان تكون عملية إطلاق الرصاص تمثيلية! فمن المعروف عن ترامب أنه جبان ويفقد السيطرة على نفسه حينما يشعر بوجود تهديد له فيهرب فورا،وهذا ما حصل قبل بضعة سنوا ت حينما كان يخطب وسمع صوت إطلاقات فانبطح ثم هرب من المنصة، ولم يقف ويلوح بيده ويتحدى، كما فعل في المحاولة الأخيرة. ورد فعل ترامب على محاولة اغتياله فيها كثير من الاعداد المسيق إذا كيف يقوم بذلك إذا كان مصابا حقا إصابة مباشرة وهذه الحركات قد تؤدي إلى مضاعفات صحية خطيرة؟ كذلك فمن الناحية الأمنية وفي حالة وجود محاولة اغتيال فعلية فليس من المنطقي أن يرفع يده متحديا لسبب بسيط يعرفه أي إنسان وهو أن محاولة القتل لن تتوقف بإطلاق سبعة رصاصات كما حصل بل إن القاتل سيواصل الإطلاق ويستغل أي ثغرة تظهر ومنها بروز المستهدف فأمامه بوضوح فيطلق عليه الرصاص مرة ثانية.إن هذه الملاحظة مهمة جدا. خامسا: إن ترك ثغرة أمنية وهي عدم سيطرة الخدمة السرية على البناية التي أطلق منها الرصاص وسماح الخدمات السرية لترامب بالتحية والتحدي بكف مضمومة، سلوك يتناقض مع الضرورات الامنية المعروفة ومنها الاختفاء فورا خلف جدار عزل بشري او مادي، وصورته وهو يتحدى استغلت فورا من قبل أنصاره وطبعت بأعداد كبيرة وعممت في كل مكان وأصبحت من أهم الدعايات الانتخابية لترامب التي تظهر أنه مظلوم ويتعرض للاضطهاد والتنكيل والإساءة وانه شجاع لايخشى امكانية الاطلاق النار عليه مرة ثانية!فيزداد التعاطف معه حتى من قبل أوساط من الحزب الديمقراطي.
ما هي الآثار المترتبة على محاولة الاغتيال؟ إن زيادة شعبية ترامب ترجح فوزه في الانتخابات وإذا فاز فإن النتائج التالية ستظهر على المسرحين الأمريكي والعالمي: أ- ستعود أمريكا إلى سياسة العزلة التي بدأها ترامب ولم يكملها نتيجة فشله في الانتخابات السابقة، وتمثلت في شعاره الشهير (أمريكا أولا)، وقيامه بتنفيذ هذا الشعار عندما كان رئيسا عن طريق إضعاف علاقاته بالاتحاد الأوروبي وأطراف النيتو حيث أنه فرض على الاتحاد الأوروبي والنيتو دفع تكاليف حماية أمريكا لهما بالمظلة النووية، إضافة إلى أنه فرض ضرائب عالية جدا على السلع الأوروبية واليابانية لأجل زيادة منافع أمريكا المالية على حساب الحلفاء، وأظهر علاقة ود كبير مع الرئيس الروسي بوتين، وكل تلك الخطوات تشير إلى ان ترامب يعود إلى سياسة العزلة والعمل وفق المصالح الخاصة بالدولة الأمريكية فقط وتحديد كل السياسات الأخرى بناء على ذلك، وكانت من نتيجة تلك السياسات توجيه ضربات فعالة للعولمة التي أنشأتها أمريكا بالذات ولكنها انقلبت عليها حينما أصبحت في حالة ضعف بعد أن كانت في حالة قوة، وشمل هذا التغيير المنظمات العالمية التي أنشأتها أمريكا بذاتها مثل منظمات حماية البيئة وتقليل التلوث، فهل يمكن تجنب احتمال مرجح وهو أن ترامب سوف يتوقف كليا عن دعم أوكرانيا في الحرب ضد روسيا وتوقف الضغط الذي مارسته إدارة بايدن على الأوروبيين لزيادة دعم أوكرانيا كي تستمر الحرب حتى هزيمة روسيا كما أعلن؟ على الأرجح سيقوم ترامب بذلك، وهو أمر سيترك الاتحاد الأوروبي أمام محنة جديدة، لأنه كان يمارس التصعيد مع روسيا نتيجة للضغط الأمريكي عليه وكانت عمليات توسيع نطاق الحرب ضد روسيا وانخراط أطراف من الاتحاد الأوروبي مثل فرنسا و بولندا ودول البلطيق وألمانيا في التصعيد والتهديد بالمشاركة المباشرة في الحرب بقوات من النيتو إضافة لتزويد أوكرانيا بأسلحة خطيرة تهدد المدن الروسية، وكل ذلك قامت به الولايات المتحدة الأمريكية بصورة رسمية، ولكنها بنفس الوقت كانت تدعو إلى عدم التصعيد وتؤكد أنها لن تزود أوكرانيا بأسلحة تستفز روسيا وتدفعها للرد بطريقة توسع نطاق الحرب، وقيام ترامب بتلك الخطوة سوف يضع الاتحاد الأوروبي أمام مأزق خطير وهو أنه ورط ومن قبل الولايات المتحدة الأمريكية في حرب ضروس مع روسيا بصورة غير مباشرة ولكنه الآن يتراجع ويترك الاتحاد الأوروبي يتحمل النتائج الخطيرة للتصعيد. ب- الاتحاد الأوروبي بسبب الضغوط الأمريكية لتصعيد الحرب ضد روسيا انقسمت دوله بصورة واضحة فبعض الدول اعترضت بشدة على زج الاتحاد الأوروبي في الحرب وعلى رأس من اعترضوا رئيس الوزراء المجري أوربان والذي كان موقفه واضحا،ومن المؤكد أن أغلب دول الاتحاد الأوروبي كانت سرا تعترض على تصعيد الحرب ولكنها كانت تخضع للضغوط الأمريكية المباشرة، والتناقضات الأوروبية ستتعمق عندما يصل ترامب إلى الرئاسة وسيزداد خطر انهيار الاتحاد الأوروبي. ج- وقبل أن ينتخب ترامب فإن مظاهر تفكك الاتحاد الأوروبي قد ظهرت ففي الانتخابات الفرنسية فاجأ اليمين المتطرف واليسار معا العالم بالفوز المزلزل وسط خسارة حزب الرئيس الفرنسي ماكرون، والاكثر اهمية هو نجاح اليسار في إبعاد اليمين عن الحكم بعد أن وحد صفوفه، وذلك تطور خطير في فرنسا يشير إلى تزايد احتمالات ابتعادها عن الاتحاد الأوروبي، وفي بريطانيا انهار حزب المحافظين بصورة كارثية وسجل حزب العمال انتصارا تاريخيا ساحقا، وعلى مستوى أوروبا يحصل ما حصل في فرنسا حيث تزداد ثنائية صعود اليمين واليسار مقابل تراجع الأحزاب التي حكمت الاتحاد الأوروبي في العقود الاخيرة،وكل هذا حصل كما قلنا قبل انتخاب ترامب فلو انتخب ترامب فإن الأحزاب الوطنية واليسارية في أوروبا هي التي ستنتصر وتحكم قبضتها على أوروبا الغربية وهي أحزاب من بين أهدافها الخروج من الاتحاد الأوروبي والعودة إلى السياسات القومية، وهذا ينسجم تماما مع سياسات ترامب التي مارسها حينما كان رئيسا تحت شعار أمريكا أولا،وستقول كل دولة أوروبية أنا أولا، وبوضوح تام فإن هذه النتيجة ستسجل انتصارا ساحقا لروسيا وللصين، في ضوء تلك التطورات والتحولات التي برزت أو التي يتوقع أن تبرز يطرح السؤال التالي: هل فوز ترامب المتوقع وهو يحمل كل تلك التوجهات مرسوم من قبل الحكومة الخفية في أمريكا لتجنب حرب عالمية أدركت أنها لن تكون إلا نووية في النهاية وهذه الحرب سوف لن تسمح ببقاء أحياء من البشر على وجه الكرة الأرضية؟ هل سقطت الفكرة الأخرى السابقة لدى الحكومة الخفية والتي كانت تقول بأن بالإمكان النجاة من الحرب النووية بعد أن تقضي على مليارات البشر وبإمكان حكومة ما بعد الحرب النووية أن تنظف الطبيعة وتعيد بناء الكرة الأرضية بالمليار الذهبي الذي كان هدفها أن يبقى من بين حوالي ثمانية مليارات من البشر؟ ولكن تيارا داخل الحكومة الخفية خشية إمكانية إنهاء الحياة البشرية على الكرة الأرضية تراجع عن خوض الحرب النووية وأول خطوات التراجع هي عدم التصعيد ضد روسيا،وهو ما سيحصل إذا انتخب ترامب. هذه التحولات سوف لن تكون سهلة داخل أمريكا بل ستواجه مقاومة ضارية من قبل أطراف في الحكومة الخفية لأنها منقسمة كما أظهرت الأحداث الأخيرة، وستستمر معارضة ترامب من قبل قسم من الحكومة الخفية مقابل دعم قسم آخر له، وسيتم التصعيد بصورة غير مسبوقة للصراع داخل أمريكا وسينتهي على الأرجح باغتيال ترامب! وتلك ستكون شرارة إشعال الحرب الأهلية الأمريكية، والتي نشهد مقدماتها منذ عام 2008 عندما أعلنت كاليفورنيا رغبتها في إقامة دولة مستقلة ثم تبعتها على الأقل عشرة ولايات غنية أخرى أعلنت رغبتها في الاستقلال، ومؤخرا طالبت ولاية نيوهامشاير بالاستقلال، ووصل عدد الولايات التي طالبت بالانفصال وتأسيس دول مستقلة إلى 14 ولاية أمريكية والدستور الأمريكي يسمح بالانفصال، وهكذا نرى أن تفاعل الأزمات الداخلية في أمريكا خطير جدا وغير قابل للحل بسهولة بل يرجح أن الآثار السلبية لهذه الصراعات ستزداد قوة وعنفا وقد تفضي في سنوات قليلة قادمة إلى نشوء جمهوريات مستقلة على أنقاض الولايات المتحدة الأمريكية. فهل الإطلاقات السبعة التي وجهها توماس ماثيو كروكس إلى ترامب كانت في الحقيقة موجهة إلى رأس الولايات المتحدة الأمريكية؟ Almukhtar44@gmail.com 16-7-2024 |
شبكة البصرة |
الخميس 12 محرم 1446 / 18 تموز 2024 |
يرجى الاشارة الى
شبكة البصرة
عند اعادة النشر او الاقتباس |