بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الانتخابات الرئاسية في إيران، بزشكيان حين لا يُصلح "الطبيب" ما أفسده "المرشد"!؛

تبدّل الوجوه في قصر "سعيد أباد" لا يعني تبدّل الاستراتيجيات بل تبدّل الأداء

شبكة البصرة

مصطفى كامل

أظهرت النتائج الأولية غير الرسمية لانتخابات الرئاسية الإيرانية في جولتها الثانية، التي أعلنت صباح اليوم السبت، فوز المرشح (الإصلاحي) مسعود بزشكيان بعد تقدّمه بأكثر من 16.3 مليون صوت على منافسه (المحافظ) سعيد جليلي الذي حصد نحو 13 مليون صوت فقط.

ومن الواضح، وفي قراءة أولية وسريعة لهذه النتائج، أن المرحلة الحالية من عمر نظام ولاية الفقيه اقتضت تقديم شخصية (إصلاحية) مغمورة لتصدّر المشهد السياسي في إيران، وهي شخصية كان مجلس صيانة الدستور في طهران قد استبعدها من سباقٍ انتخابي لعدم أهليتها وقتئذ، فمالذي جعلها مؤهلةً الآن؟! ومالذي جعلها تفوز بمنصب الرئيس، وهو منصب تنفيذي لا يضع صاحبه في الموقع الأول في هيكل النظام الإيراني، رغم عنوانه البرّاق الخادع.

ولهذا الاقتضاء المرحلي مسوّغاته المنطقية، فالانفتاح المطلوب على الغرب وعلى العرب، ومساعي البدء بمفاوضات جديدة حول البرنامج النووي الإيراني، والتهيؤ للتعامل مع عواصف دونالد ترمب المرتقبة في حال عودته، المرجّحة، إلى البيت الأبيض والوضع الذي تواجهه إيران وميليشياتها بعد معركة طوفان الأقصی يتطلّب وجهاً جديداً لم يكن ضمن وجوه الأزمات السابقة.

المساعي التي أبداها بزشكيان باعتباره (إصلاحياً) تمثل توجّهات مهمة ومسارات ضرورية لتنفيس بعض الاحتقانات الداخلية والخارجية التي يعاني منها النظام.

إذ لم يكن مسعود بزشكيان على الإطلاق شخصية سياسية بارزة طيلة حياته أو رجلاً محورياً في الأزمات الداخلية والخارجية كما أن خبراته الإدارية محدودة، بل يمكن القول إنه كان شخصاً في الظل ومسؤولاً هامشياً إلى حد اعتباره بمثابة دمية أو "خيال مآتة" لا أكثر، فهو مجرد وزير صحة في عهد محمد خاتمي وعضو في مجلس الشورى (البرلمان) لا غير.

يسعى بزشكيان، بحسب ما أعلنه في برنامجه الانتخابي، إلى تحسين العلاقات مع الغرب بشأن البرنامج النووي من أجل تخفيف العقوبات الأميركية.

كما أن مواقفه على الصعيد الداخلي ومنها موقفه خلال أزمة مهسا أمينی‌‌ والأزمات الداخلية السابقة لها تعتبر متميزة و (إيجابية) قياساً إلى مسؤولين آخرين، فضلاً عن اتخاذه موقفاً أكثر ليونة بشأن فرض ارتداء الحجاب وغير ذلك من القضايا ذات الأهمية على الصعيد الداخلي، ويبدو أن برنامجه ركّز على جذب الناخبين المحبطين وخاصة جيل الشباب.

خلال حملته الانتخابية، منح بزشكيان جلّ اهتمامه نحو السياسة الخارجية وأسخن ما يتصّل بها من ملفات، مثل العقوبات والاتفاق النووي، وحاول دغدغة مشاعر الناخبين بالربط بين الأزمات الداخلية والمشاكل الخارجية، مؤكداً أن "أزمات إيران ومشكلاتها الاقتصادية الداخلية لن تحلّ إلا عبر تبنّي سياسة خارجية منفتحة على العالم" وصفها بأنها "متوازنة لا تعتمد التوجّه نحو الشرق أو الغرب" في استعادة مبطّنة للشعار التاريخي الذي رفعه روح الله خميني نهاية عقد السبعينيات من القرن الماضي "لا شرقية ولا غربية" لكنها استعادة محدّثة، حيث وعد بزشكيان أن (جمهوريته) وهي النسخة الرابعة عشرة في ظل الولي الفقيه لن تكون في ذات الوقت "معادية للشرق أو للغرب".

بل أن "الطبيب" أفرط في منح مرضاه، وعددهم يقترب من 90 مليوناً، جرعة مهدّئات حينما رسم أمامهم خيوط أمل معلّقةً في الهواء بقوله إنه "سيجعل إيران جزءاً من حلّ قضايا العالم وليس جزءاً من مشاكله".

وفيما يسعى الشباب الإيرانيون بجدّ للهجرة من إيران، وعد "الطبيب" بحلّ مشاكل الشباب "كي لا يهاجروا إلى الخارج" و "لتكون الهوية الإيرانية امتيازاً وليس عبئا" على حدّ قوله.

لكن "جراح القلب" يُدرك أكثر من غيره أن جرعات المنشّطات والمهدئات التي يوزّعها المرشحون مجاناً خلال الحملات الانتخابية لن يكون بإمكانه مواصلة توزيعها بإفراط عندما يضع قدميه في "سعيد أباد" حيث سيجد، وهو وزير صحة سابق، أن مذاخر البلاد لا تكفي لمنح الجميع ما يرغبون به من علاجات، ما يعني أن الوصفات الطبية التي سيكتبها لمرضاه ستكون قاصرة جداً عن الحاجة الفعلية، و "الطبيب" خير من يعلم أن تشافي المرضى لا يمكن أن يحدث إلا بحزمة كافية من مستلزمات العلاج وما يتبعه من لوازم النقاهة لضمان ألّا ينتكس المرضى، مع جهودٍ حثيثةٍ في المجال الوقائي، وكل ذلك غير موجود في إيران حيث التشخيص وحده لا يكفي مع استعصاء الأمراض وتنوّعها، وبعضها مزمن، من جهة، ومع وجود من ينشر الفايروسات المسبّبة للأوبئة عمداً من جهة أخرى.

صحيحٌ أن لدى بزشكيان مواقف داعمة للحرس الثوري في مواجهة بعض التحديات التي تعرّضت لها مؤسسات الحرس والعقوبات التي فرضت عليه حتى أنه ارتدى ذات مرة البزة الرسمية لعناصر الحرس كنوعٍ من إظهار الدعم، لكنه يتعامل مع الحرس كمؤسسة (وطنية) مثل غالب الإيرانيين، وليس (عقائدية) مثلما يتعامل معها الآيديولوجيون، وهذا يعني أنه لم يصطدم بالحرس من قبل وربما يحوز على رضا بعض قياداته أيضا.

وكل هذه المساعي التي أبداها الطبيب الجراح، ابن مهاباد الأذري العرق، باعتباره (إصلاحياً) تمثل توجّهات مهمة ومسارات ضرورية لتنفيس بعض الاحتقانات الداخلية والخارجية التي يعاني منها النظام منذ سنوات والتي تنفجر بصيغٍ مختلفة ولأسبابٍ عدة بين حينٍ وآخر.

مع أنني أؤمن أن (الإصلاحيين) و (المحافظين) يتبادلون الأدوار حيثما لزم الأمر، فكل (إصلاحي) هو محافظ عندما تتطلّب مصلحة نظام ولاية الفقيه، والعكس صحيح، ومجيء (إصلاحي) إلى قصر سعيد أباد في طهران لا يعدو أن يكون عملية تجميل لوجهٍ أرهقته التجاعيد وقبّحته الأزمات.

وعملية تبادل الأدوار وتبديل الوجوه والمسارات، ظاهرياً، منهج نقرأه عبر تاريخ تولي الرؤساء مناصبهم في طهران، هكذا جاء (الإصلاحي) هاشمي رفسنجاني بعد (المحافظ) علي خامنئي في مرحلة إنهاء الحرب ضد العراق وما بعدها، وهكذا صعد (المحافظ) محمود أحمدي نجاد بعد (الإصلاحي) محمد خاتمي في مرحلة كان التصعيد وبناء البرنامج النووي سمتها الأساسية، ليأتي بعده (الإصلاحي) حسن روحاني لتخفيف الاحتقان وفتح أبواب التفاوض حول البرنامج النووي وتهدئة العلاقات الخارجية، ثم جاء (المحافظ) إبراهيم رئيسي بعد مرحلة ترمب التي تأزم خلالها الموقف جداً بشأن المطامع النووية مع الولايات المتحدة، ليأتي الآن (الإصلاحي) مسعود بزشكيان، على الأرجح، مع أن توقعات عديدة كانت ترجّح كفة (المحافظ) سعيد جليلي.

(الإصلاحيون) و (المحافظون) يتبادلون الأدوار حيثما لزم الأمر، فكل (إصلاحي) هو محافظ عندما تتطلّب مصلحة نظام ولاية الفقيه، والعكس صحيح، ومجيء (إصلاحي) إلى قصر سعيد أباد في طهران لا يعدو أن يكون عملية تجميل لوجهٍ أرهقته التجاعيد وقبّحته الأزمات.

وأياً كان ساكن القصر الرئاسي في طهران فإن الاستراتيجيات الإيرانية لن تتبدّل جوهرياً لكن طبيعة الأداء ستختلف بالتأكيد، فهذه الاستراتيجيات محكومة بقوالب صارمة نصّ عليها الدستور الذي لا يمنح الرئيس فرصة رسم الخطوط العريضة، والتفصيلية أحياناً، لهذه الاستراتيجيات وانما فرصة تنفيذها فقط، ومن سوء حظ الرؤساء في إيران أن تقييمهم لا يكون على حسن التنفيذ فحسب وانما أولاً وأخيراً على ما تقتضيه متطلبات استمرار النظام وإطالة عمره في المرحلة المعنية، فقد يكون الرئيس المعني ناجحاً في التنفيذ ومرضياً عنه تماماً من قبل "المرشد" لكن مقتضيات الظروف الداخلية والخارجية تفرض تغييره لضمان إطالة عمر النظام.

وفي كل الأحوال فإن الطبيب بزشكيان لن يصلح ما أفسده المرشد خامنئي لكنه سيمنح النظام الإيراني عمراً إضافياً عبر ما سيمنحه من جرعاتٍ خليطٍ من المهدّئات والمنشّطات، وهذه المهدّئات والمنشّطات الوقتية أكثر ما يحتاجه الولي الفقيه علي خامنئي لعبور هذه الفترة الحرجة والملتبسة، ولتأمين انسيابيةٍ أكثر سلاسة في المرحلة المقبلة خصوصاً إذا ما زار ملك الموت "مرشد الثورة" واصطحبه معه مغادراً دنيانا وهي زيارة متوقعةٌ كل يوم.

وجهات نظر

شبكة البصرة

السبت 30 ذو الحجة 1445 / 6 تموز 2025

يرجى الاشارة الى شبكة البصرة عند اعادة النشر او الاقتباس
المقالات والتقارير والاخبار المنشورة في شبكتنا لا تعبر عن راي الشبكة بل عن راي الكاتب فقط