بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ |
لعبة نظام الأقاليم القاتلة!؛ |
شبكة البصرة |
تعود مرة أخرى النقاشات والجدل حول إقامة الإقليم السني وهي دعوة قديمة قدم للاحتلال الأمريكي للعراق، فالدستور الذي وضعته أمريكا للعراق بعد الاحتلال يقوم على إقامة عراق ديمقراطي فدرالي،ولكن التدقيق في طبيعة هذا النظام تؤكد بأنه ليس نظاما فيدراليا بل هو نظاما كونفدراليا لأن الصلاحيات التي أعطيت للأقاليم الثلاث صلاحية دولة مستقلة تقريبا، فالإقليم لديه صلاحيات اقتصادية واسعة النطاق تتفوق على صلاحيات المركز في بغداد، والإقليم لديه قوات مسلحة محلية لا تخضع لمركز الدولة الكونفدرالية في بغداد، وهذان الشرطان هما اللذان يميزان الكونفدرالية عن الفدرالية، لأن الأخيرة تمنح الأقاليم صلاحيات واسعة دون امتلاك صلاحيات اقتصادية وأمنية تتفوق على صلاحيات المركز في بغداد. وهذه الحقائق شخصها حزبنا منذ بداية الاحتلال وأكد بأن نظام الأقاليم وضع كممهد لتقسيم العراق إلى ثلاث دويلات: دولة كردية في الشمال ودولة سنية في الوسط ودولة شيعية في الجنوب، وهذا هو المخطط الغربي الصهيوني المعروف والذي عبر عنه بدقة الصهيوني الأمريكي البريطاني الجنسية برنارد لويس. ومن المفيد التذكير بأن القوى الوطنية وفصائل المقاومة العراقية القومية والإسلامية والوطنية التي هزمت الاحتلال الأمريكي، وانطلقت بعد الاحتلال مباشرة، أجمعت على اعتبار نظام الأقاليم خطوة تمهد لتقسيم العراق تنفيذا للمخطط الأمريكي الصهيوني، ولهذا كانت الدعوة لتطبيق نظام الأقاليم مقتصرة على المشاركين في العملية السياسية التابعين للاحتلال، وكانت تلك عقبة أساسية تمنع تطبيق نظام الأقاليم، خصوصا وأن الجماهير العراقية بغالبيتها الساحقة وقفت ضده. وهكذا أدركت الولايات المتحدة الأمريكية أن هذا النظام لا يمكن تطبيقه في العراق في ظل الرفض الشعبي العام له، فكيف تزيل الولايات المتحدة الأمريكية هذه العقبة الكأداء من طريق تطبيق نظام الأقاليم وهو حجر الزاوية في تقسيم العراق وتغيير هويته الوطنية والقومية؟ الجواب كان تعريض العراق شعبا ودولة ومجتمعا إلى معاناة غير عادية تدمر صمود شعبه وتضعه أمام خيارات كلها قاتلة، وعليه أن يختار من بينها وليس من خارجها، وكان تسليط الميليشيات الإيرانية على الشعب العراقي هو أبرز الأساليب الاحتلال الأمريكي لتغيير مواقف الشعب العراقي رغم عنه، وتذكّر هذه الحقيقة هو الذي يسمح بفهم بقية ما يجري في العراق، وطوال حوالي العقدين من الزمن تعرض الشعب العراقي إلى معاناة فريدة لم يواجه مثلها إلا الشعب العربي في فلسطين وسورية وليبيا والسودان، فقد أشعلت الحرائق المدمرة في كل هذه الأقطار من أجل تغيير مواقف الناس رغما عنهم فجوعوهم وأهانوهم وفرضوا عليهم المخدرات حتى وصلت لأطفال المدارس الابتدائية، وروجوا بشدة للتحلل الخلقي ممثلا في زواج المتعة والشذوذ الجنسي و زنا المحارم، ثم تعمدت أمريكا جعل المليشيات التابعة لإيران تسرق كل موارد العراق لأجل أن يصبح الجوع والعوز هما الظاهرة الأبرز في العراق، واقترن ذلك ببروز عصابات انتشرت كالفطر في كل مدن وأحياء العراق تبتز الناس وتهينهم وتسرق رزقهم وتغتصب نسائهم! في هذه البيئة أصبح الشعور عاما بأن الشعب العراقي قد وصل في معاناته مرحلة لا تطاق.لقد نجحت الولايات المتحدة الأمريكية وبواسطة إيران وميليشياتها في إيصال الشعب العراقي إلى هذا المستوى من الكوارث والمعاناة التي جعلت كثيرين منهم يتنازلون عن القيم العليا الدينية والوطنية والأخلاقية ويقبلون بالانحرافات لأنهم وصلوا إلى حافة الموت جوعا ورعبا وابتزازا! وهكذا أصبحت البيئة مناسبة لإعادة طرح نظام الأقاليم، وبصيغة تبدو وكأنها إنقاذ لسنة العراق من الكوارث التي حلت بهم وأبادت الآلاف من شبابهم وعرضتهم لمعاناة لم يسبق لها مثيل منذ قرون، فوجد البعض في ذلك إنقاذا له ولما تبقى من العراق، فانضمت إلى الكتل التي خدمت الاحتلال منذ البداية كتل وعناصر كان بعضها محسوبا على معارضة النظام الذي أقامه الاحتلال، وكانت معارضة لنظام الأقاليم، لأنها اعتبرته مقدمة لتقسيم العراق ومحو هويته الوطنية والقومية، وكل المعاناة والعذاب كان ومازال بقرار أمريكي وبمشاركة تنفيذية إيرانية، وهكذا تمكنت أمريكا من العثور على كتل سكانية تدعم نظام الأقاليم رغم أنفها وبعد أن تعرضت لمعاناة قاسية جدا. والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هو التالي: ما الفرق بين نظام الأقاليم بعد غزو العراق مباشرة ونظام الأقاليم الذي يطرح الآن بعد عقدين من الزمن؟ قد تكون بعض التفاصيل تختلف فالبعض يدعي أنه الإقليم العربي الذي يضم المحافظات العربية السنية، ولكن هذا الطرح يصطدم بقوة مع أسس المخطط الأمريكي الخاص بالعراق، والذي يقوم على أن العراق يتكون من ثلاثة كتل بشرية: الأكراد في الشمال والسنة في الوسط والشيعة في الجنوب، وهذا هو نفس مخطط برنارد لويس والمخطط الإسرائيلي الذي عبر عنه عوديد ينون في الثمانينات، فالإقليم العربي غير وارد في هذا المخطط والذي تريده أمريكا والصهيونية هو أصل التقسيم البشري للعراق على اسس طائفية وعرقية،لهذا فإن أمريكا ثبتت موقفها بتأكيد السفيرة المرشحة للعراق في شهادتها أمام الكونجرس بأن للأكراد وضع استثنائي من حيث العلاقة مع أمريكا أي أن ما يسمى إقليم كردستان له دور خاص في الإستراتيجية الإقليمية الأمريكية، وبالتالي فإن الدعوة لإقليم عربي تتعارض مع ذلك والمطلوب أمريكيا و صهيونيا إقليم سني، لكي يتبعه نشوء إقليم شيعي فتصبح لدينا ثلاثة أقاليم تفرق بينها مميزات واضحة كما وضعته الولايات المتحدة الأمريكية، تجعل من تقسيم العراق لاحقا خطوة سهلة إلى حد كبير. إن الدعوة الحالية والتي يعبر عنها أفراد وكتل كانت تعارض نظام الأقاليم بغالبيتها مغلفة بأفكار منها وليس من أمريكا، إقامة الإقليم السني وبغض النظر عن كل ما قيل ويقال هو خطوة أساسية تمهد لتقسيم العراق، ولا يمكن للداعين له أن يغيروا الأسس التي قام عليها المخطط الأمريكي الإسرائيلي للعراق، فكيف يمكن للتابع أن يغير ما قرره السيد القوي من خطوات؟ سيجد دعاة الإقليم وبصورة حتمية، إذا قام هذا الإقليم، أنهم أسرى قرارات أمريكية حاسمة وخطيرة، من المستحيل أن يمتلكوا القدرة على تغييرها ومنها قرار خلق حواجز ثابتة تزداد قوة واتساعا بين الأقاليم الثلاث، الكردي والسني والشيعي، خصوصا وأن ما تخطط له الولايات المتحدة الأمريكية أبعد من حدود العراق فالإقليم السني ومنذ سنوات طويلة اعتبر مرشحا لاستيعاب أكثر من اربعة ملايين لاجئ فلسطيني في العالم، ومنطقة الأنبار اختيرت ليكون فيها، ويترافق ذلك مع التمسك الإسرائيلي بمشروع شارون أي إلغاء الدولة الأردنية واعتبارها فلسطين ويسهل ذلك ملاصقة الأنبار للأردن حيث ستكون هذه المنطقة هي الدولة الفلسطينية البديلة والخالية من الضفة الغربية وغزة لانهما ستضمان إلى إسرائيل. إن هذه الحقائق ثابتة ومن يتجاهلها واحد من إثنين فأما إنه يبحث عن مصالحه الأنانية في أي بيئة كانت، أو إنه من أعوان أمريكا والصهيونية الذين يعملون على تقسيم العراق وإلغاء الأردن خدمة للمصالح الصهيونية والأمريكية. وهنا يبرز أهم سؤال: عندما تقع الكارثة ويقام نظام الأقاليم هل بإمكان هذه الكتل الصغيرة التابعة أن تغير المخطط الأمريكي الإسرائيلي الخاص بالعراق والمنطقة؟ أم إنها ستضطر رغما عنها، إن لم تكن مقتنعة،على قبول الإملاءات الأمريكية بلا أي تأخير، الأمر الذي يقودنا إلى نقطة البداية وهي ما الذي أرادته أمريكا من احتلال العراق؟ ألم يكن تقسيمه إلى ثلاثة دويلات هو الهدف؟ فما الذي تغير وجعل بعض من عارضوا نظام الأقاليم يصبحون من دعاته؟ وكيف سينظرون إلى أنفسهم في المرآة وهم يرون أنفسهم وقد أصبحوا أدوات تدمر وحدة العراق وهويته ومستقبله؟ هيئة تحرير البعث افتتاحية جريدة البعث العدد 76 |
شبكة البصرة |
الخميس 5 محرم 1446 / 11 تموز 2025 |
يرجى الاشارة الى
شبكة البصرة
عند اعادة النشر او الاقتباس |