بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ |
طوفان الأقصى 236 - لقد صدر الحكم ضد نتنياهو والغرب، |
شبكة البصرة |
اعداد وتعريب د. زياد الزبيدي بتصرف |
بيتر أكوبوف كاتب صحفي روسي وكالة ريا نوفوستي للأنباء 24 مايو 2024 كيف يختلف حكم التاريخ عن حكم البشر؟ التاريخ حكمه نهائي وغير قابل للاستئناف. هذا ليس هو الحال دائمًا - فهناك العديد من الأمثلة عندما تغيرت تقييمات حدث أو شخص بمرور الوقت، من الإيجابي إلى السلبي، والعكس صحيح. وكيف تختلف المحكمة الدولية عن المحكمة الوطنية؟ يبدو أن كل شيء هنا ابسط - الدولية في منزلة أعلى، هي أعلى سلطة قضائية. ولا ينبغي أن يكون لديها أي تحيز أو ميول لبلدان معينة، أي أن هذا نوع من الحكومة العالمية، القوة العالمية. بالمناسبة، هذه هي الطريقة التي تم بها تصور الأمم المتحدة - ليس من قبل الجميع بالطبع، ولكن في الغرب كان ينظر إليها على هذا النحو تمامًا. هناك العديد من المحاكم الدولية، لكن أشهرها المحكمتان الجنائيتان اللتان تقعان في لاهاي. محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية - والثانية لا تتبع الأمم المتحدة، ولا تعترف جميع البلدان (بما في ذلك الدول الرئيسية مثل الولايات المتحدة الأمريكية والصين وروسيا) باختصاصها القضائي. لكن هذا لا يمنع المحكمة الجنائية الدولية من النظر في القضايا المتعلقة بأولئك الذين لا يعترفون بسلطاتها - على سبيل المثال، صدرت مذكرة اعتقال بحق الرئيس الروسي بوتين بتهمة "اختطاف أطفال أوكرانيين". حتى لو لم تعترف روسيا باختصاص المحكمة الجنائية الدولية، فأوكرانيا تعترف بذلك، مما يعني أن القضية يمكن النظر فيها. هكذا فسر الغرب قرار المدعي العام كريم خان ودعمه بكل الطرق الممكنة. ولكن فجأة تغير كل شيء: أصبح كريم خان الآن مهددًا بالعقوبات، والملاحقة الجنائية، وحظر الدخول إلى الولايات المتحدة، وحتى القتل. حسنًا، كيف يمكن أن يكون الأمر خلاف ذلك، لأنه معاد للسامية ومحامي لا قيمة له - لقد تجرأ على مطالبة المحكمة الجنائية الدولية بإصدار مذكرة اعتقال بحق رئيس الوزراء ووزير الدفاع الإسرائيلي وثلاثة من قادة حماس. لقد تم تصنيف القادة الفلسطينيين في الغرب منذ فترة طويلة على أنهم إرهابيون، ولكن كما تبين، لا يمكن إلقاء اللوم على نتنياهو. لماذا؟ الجواب أعطاه زعيم إحدى الدول الغربية لخان - المدعي العام لم يذكر اسمه، لكن هذا ليس مهمًا: "تم إنشاء هذه المحكمة من أجل إفريقيا وللبلطجية مثل بوتين". أي أن المحكمة «الدولية» في الحقيقة ليست دولية على الإطلاق؛ لقد أنشأها الغرب لأغراضه السياسية الخاصة. من المستحيل الحكم على نتنياهو ــ ليس حتى لأن إسرائيل لا تعترف باختصاص المحكمة الجنائية الدولية (ولكن فلسطين، أي الطرف المتضرر، تعترف بذلك)، بل لأن "الديمقراطيات" تقع، من حيث المبدأ، خارج نطاق اختصاص العدالة فوق الوطنية. هل هذا مذكور في أي مكان؟ لا بالطبع، هذا متفق عليه ضمنا بشكل افتراضي. من الواضح أنه لم يكن لدى أحد أي أوهام بشأن المؤسسات الدولية التي أنشأها الغرب - من صندوق النقد الدولي إلى المحكمة الجنائية الدولية. ويدرك الجميع أن هذه أدوات للحفاظ على الهيمنة الغربية وتعزيزء مشروع العولمة الغربية. ولم يتوقع أحد أن تدين المحكمة الجنائية الدولية بوش أو بلير على الإطلاق بتهمة غزو العراق، لكن القرار بشأن بوتين كان متوقعاً تماماً. لكن رغم كل هذا، أصبح الوضع في غزة نقطة تحول. العالم كله تقريبا، باستثناء عدد قليل من الدول، غاضب من ما يفعله نتنياهو. إن أفعاله تُسمى بحق إبادة جماعية للشعب الفلسطيني، وقد أدى القصف الهمجي بالفعل إلى مقتل وإصابة 5% من سكان غزة البالغ عددهم أكثر من مليوني نسمة. إن الشعب الفلسطيني الذي طالت معاناته يظل تحت الحصار، محكوما عليه بالموت بسبب الصواريخ الإسرائيلية والجوع والمرض. ومحاولات وقف المذبحة لم تسفر عن شيء لأن إسرائيل تتمتع بالحماية الأميركية. وإدارة بايدن تدعو نتنياهو بالكلام إلى التحلي بالاعتدال والدقة، لكنها في الواقع تزوده بالسلاح وتوفر له «الحماية» العسكرية والجيوسياسية. وفي ظل هذه الظروف، فإن مذكرة الاعتقال الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية بحق نتنياهو تحمل معنى رمزياً بحتاً؛ ولن يكون من الممكن إيقافه بهذه الطريقة، ولن يكون من الممكن تحقيق تغيير في سياسة الولايات المتحدة. لماذا إذن أثار أمر الاعتقال، الذي لم يصدر بعد، كل هذا الغضب في الولايات المتحدة - بالتهديدات والشتائم ضد خان والمحكمة الجنائية الدولية؟ لأن المخلوق الذي صنعوه (ليس الولايات المتحدة فحسب، بل كل أنصار العولمة الغربيين) خرج عن نطاق السيطرة وتجرأ على رفع صوته ضد أسياده المعصومين من الخطأ. وإلا كيف من الممكن التفاعل مع ذلك؟ فقط بالتهديد والإساءة. هكذا تفعل إسرائيل، فهي تتهم كل من يطالب بوقف المذبحة ويتحدث عن الإبادة الجماعية بمعاداة السامية. ولم يعد القادة الإسرائيليون يفهمون حتى أنهم بحديثهم عن "فرية الدم" لا يؤدون إلا إلى تفاقم ذنبهم وتفاقم وضع دولتهم وشعبهم، لأن بقية العالم يرى، كيف بوقاحة وبلا خجل، أناسا أيديهم ملطخة بدماء عشرات الآلاف من الأطفال الفلسطينيين يستمرون بالكذب. (فرية الدم هي اتهام اليهود باختطاف وقتل أطفال مسيحيين لاستخدام دمائهم كجزء من طقوسهم الدينية. تاريخيا، كانت هذه الادعاءات، إلى جانب تلك الخاصة بتسميم الآبار وتدنيس الخبز المقدس، موضوعا أساسيا لاضطهاد اليهود في أوروبا-المترجم). في أقل من ثمانية أشهر، تمكنت إسرائيل من تشويه سمعتها بالكامل في أعين العالم أجمع، حيث أسقطت حرفياً عبادة "المحرقة" التي زرعتها. لقد أغلقت الإبادة الجماعية للفلسطينيين إمكانية التنظير حول الإبادة الجماعية لليهود، وحرمت إسرائيل نفسها من المبرر الرئيسي لوجودها. ولكن رد فعل أميركا على مذكرة الاعتقال، التي لم تصدر بعد، يشهد أيضاً على عملية أخرى مهمة - تدمير الهياكل العالمية التي أنشأها الغرب. حيث إن الغرب نفسه يعمل على تدميرها. إن هجماته على المحكمة الجنائية الدولية تقوض تماما المحاولات الرامية إلى بناء نظام عدالة فوق وطني، وهو أحد أهم الأدوات لبناء "البشرية الموحدة". هل هذا امر غريب؟ لا. لأنه قبل ذلك، وبنفس الطريقة، بدأ الغرب نفسه في تدمير النظام المالي العالمي الذي أنشأه. لقد تلقى ضربة قوية لأول مرة في عام 2008 (نشأت الأزمة المالية حينها من جشع الغرب الجامح)، ولكن في عام 2022، وجهت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أنفسهما ضربة قاتلة للنظام من خلال تجميد الأصول الروسية واستخدام النقد كسلاح في الحرب ضد روسيا. إن تقويض الثقة في الدولار أمر غير مؤات على الإطلاق بالنسبة للولايات المتحدة، لكنهم يواصلون قطع الغصن الذي يجلسون عليه. وكما أنه من غير المربح على الإطلاق بالنسبة للغرب ككل أن يشوه سمعة الهياكل الدولية التي أنشأها (بما في ذلك المحكمة الجنائية الدولية)، فإنه يفعل ذلك بإصرار يحسد عليه. محكمة التاريخ ستقول كلمتها. لكن محكمة الأمم أصدرت بالفعل حكمها بالإدانة، ليس فقط ضد نتنياهو، بل ذضد الغرب ككل. وقد يلعن الغرب هذا الحكم أو يحاول تجاهله، لكنه مع كل أفعاله لن يؤدي إلا إلى تقريب موعد الإعدام. الحوار المتمدن |
شبكة البصرة |
الاربعاء 28 ذو القعدة 1445 / 5 حزيران 2025 |
يرجى الاشارة الى
شبكة البصرة
عند اعادة النشر او الاقتباس |