بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ |
حرب إبادة غزة وصوت المواطن العربي (1) قراءة في نتائج أهم ثلاثة استطلاعات للرأي العام العربي |
شبكة البصرة |
بقلم: السيد زهره |
* أمريكا خسرت العرب.. الرأي العام انقلب عليها وشعبيتها انهارت * هجوم السابع من أكتوبر ليس إرهابا.. اسرائيل هي الإرهابية * القضية الفلسطينية أولوية مطلقة للمواطنين العرب * آراء إيجابية تجاه الصين.. وشعبية ايران متدنية * خبراء امريكيون يحذرون من الاستهانة ب"الشارع العربي" لسنا بحاجة الى القول ان حرب الإبادة الصهيونية لغزة على نحو ما تابعنا ويتابع العالم فصولها تعتبر نقطة فاصلة في تاريخنا العربي على كل المستويات. والحرب كانت أيضا نقطة تحول كبرى في الرأي العام العالمي ومواقفه من القضية الفلسطينية وكل قضايا الصراع العربي الصهيوني. بعيدا عن المواقف الرسمية للدول العرية وأيضا مواقف مختلف دول العالم والمنظمات الدولية، يبقى احد اهم الأسئلة المطروحة: ما هي مواقف وآراء المواطنين العرب من حرب الابادة الصهيونية بكل ابعادها وجوانبها؟ بالطبع المواطنون العرب في كل الدول العربية عبروا عن مواقفهم في صور علنية معروفة مثل المظاهرات التي خرجت الى الشوارع تضامنا مع أهلنا في غزة وتنديدا بالهمجية الصهيونية، ومثل حملات المقاطعة الناجحة لمنتجات كل الشركات التي تدعم العدو الصهيوني.. وهكذا. لكن معرفة مواقف وآراء المواطنين العرب بحاجة الى تفاصيل أكثر، والى معرفة المواقف من قضايا وجوانب اكثر محددة. مثلا، ماهو الموقف الآن من القضية الفلسطينية بكل جوانبها؟.. ما هو الموقف من المقاومة الفلسطينية، ومن أولوية القضية؟ ماهو موقف المواطنين العرب من الكيان الإسرائيلي والدروس التي يستخلصها من جرائم الإبادة في غزة؟ ما هو تقييم المواطنين العرب لمواقف القوى العالمية الكبرى وخصوصا أمريكا والدول الأوروبية وأيضا دول مثل الصين وروسيا؟ وما هو تقييم المواطنين لمواقف الحكومات العربية من الحرب؟ كيف يرى المواطنون العرب المستقبل على ضوء حرب الابادة؟. معرفة الإجابة عن مثل هذه التساؤلات يتم عادة عن طريق استطلاعات الراي العام العربي، وخصوصا اذا كانت استطلاعات منضبطة وموثوقة. للأسف ليس لدينا بشكل عام اهتمام كبير في الدول العربية باستطلاعات الراي مثلما هو الحال في الدول الغربية. لهذا اخترنا ثلاثة من اهم استطلاعات الراي التي أجرتها مراكز أمريكية حول حرب الإبادة في غزة. اخترنا هذه الاستطلاعات الثلاثة لأن الجهات والمراكز التي أجرتها لديها تاريخ طويل في اجراء الاستطلاعات، وهي مراكز محترمة عموما. سنعرض النتائج الي توصلت اليها هذه الاستطلاعات الثلاثة، ثم سنناقش الدروس التي يجب استخلاصها من هذه النتائج بالنسبة لنا في الوطن العربي. ***
استطلاع "الباروميتر العربي" استطلاعات الراي العام لها اهمية كبرى وخصوصا في أوقات الأزمات والتطورات العاصفة. مع كل التحفظات التي يمكن ابداؤها على بعض الاستطلاعات من حيث موثوقيتها وما اذا كانت تعكس فعلا مواقف الراي العام، الا انه من المؤكد في كل الأحوال ان نتائج الاستطلاعات تعطي مؤشرات هامة عن توجهات الراي العام لا يجوز تجاها. وبالتالي المفروض ان تعطي نتائج استطلاعات الراي مؤشرات مهمة لصناع السياسة ومتخذي القرارات وترسم لهم ملامح عامة للمواقف والسياسات التي يجب ان يأخذوا بها. ومنذ اندلاع حرب إبادة غزة تم اجراء عدد كبير جدا من استطلاعات الراي العام العربي، قليل منها عربي واغلبها اجنبية. وكما ذكرت اخترنا من بين هذه الاستطلاعات ثلاثة هي الأهم في تقديرنا. أول هذه الاستطلاعات، ويعتبر من اهم استطلاعات الراي العام العربي التي جرت مؤخرا، استطلاع اجراه " الباروميتر العربي"، وهو مؤسسة بحثية امريكية محايدة غير حزبية تجري استطلاعات موسعة للراي العام العربي منذ عام 2006. مجلة " فورين افيرز" الأمريكية الشهيرة نشرت مؤخرا عرضا تفصيليا و وتحليلا موسعا لنتائج الاستطلاع كتبه ثلاثة من الخبراء المعروفين هم، مايكل روبنز مدير الباروميتر العربي وباحث أول مشارك في أعماله، وأماني جمال مشاركة في تأسيس الباروميتر العربي وباحثة أولى مشاركة في أعماله، وهي عميدة مدرسة الإدارة الحكومية والعلاقات الدولية، و أستاذة كرسي إدوارد س. سانفورد للعلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة برنستون، ومارك تيسلر مشارك في تأسيس الباروميتر العربي وباحث أول مشارك في أعماله، وهو أستاذ كرسي صامويل ج. إلدرسفيلد للعلوم السياسية في جامعة ميشيجان. الاستطلاع أجري أواخر 2023 ومطلع 2024 في خمس دول عربية هي، الأردن، والكويت، ولبنان، وموريتانيا، والمغرب. فيما يلي أهم النتائج التي انتهى اليها الاستطلاع. * تطرق الاستطلاع الى تقييم المواطنين العرب للهجوم الذين شنته حركة حماس في السابع من أكتوبر. الأغلبية الساحقة رفضت وصف الهجوم ب"العمل الإرهابي". على العكس من هذا اعتبرت الأغلبية الساحقة ان " الحملة الإسرائيلية في غزة هي التي يجب أن تُصنّف كعمل إرهابي". ردا على السؤال، أي من هذ كلمات تصف الأحداث الجارية في غزة وهي “حرب”، “أعمال قتالية”، “مجزرة”، “إبادة جماعية” - كان المصطلح الأكثر اختيارًا من المواطنين في كل الدول عدا واحدة هو “الإبادة الجماعية”. ** أظهر الاستطلاع ان المواطنين العرب في اغلبيتهم يعتبرون انه لا الأمم المتحدة ولا الدول الغربية تدافع عن الفلسطينيين، وان الغرب وامريكا خصوصا هي التي تحمي إسرائيل. ردا على سؤال: “من بين الجهات التالية، من تعتقد أنها ملتزمة بالدفاع عن حقوق الفلسطينيين؟” والاختيار بين قائمة مكونة من عشر دول والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة. لم يوافق أكثر من 17 في المئة من المشاركين في أي بلد على أن الأمم المتحدة تدافع عن حقوق الفلسطينيين. وكان أداء الاتحاد الأوروبي أسوأ، لكن الولايات المتحدة الأمريكية حصلت على أدنى الدرجات، فقد وافق 8 بالمئة من المُستطلعة آرائهم في الكويت، و6 بالمئة في كل من المغرب ولبنان، و5 بالمئة في موريتانيا، و2 بالمئة في الأردن على أنها تدافع عن الفلسطينيين.وعندما سُئل المبحوثين عمّا إذا كانت الولايات المتحدة الأمريكية تحمي حقوق إسرائيل، أيد أكثر من 60 بالمئة ممن أجابوا الاستطلاع في الدول الخمس المقولة. ** أظهر الاستطلاع ان المواطنين العرب لديهم نظرة سلبية جدا إزاء الولايات المتحدة. أظهرت النتائج ان أقل من الثلث عبروا عن آراء إيجابية تجاه الولايات المتحدة الأمريكية. ** أظهرت نتائج لاستطلاع ان الصين هي المستفيدة الأساسية من تراجع شعبية الولايات المتحدة الأمريكية عند الجماهير العربية، فقد قال نصف المبحوثين على الأقل إن آرائهم تجاه الصين إيجابية. وردا على سؤال إذا كانت السياسات الأمريكية أم الصينية هي الأفضل لأمن المنطقة، قال المبحوثون في ثلاث من خمس دول شملها الاستطلاع إنهم يفضلون النهج الصيني. ** ردا على سؤال: أي قضية يتعين على إدارة بايدن أن تجعلها على رأس أجندتها، فيما يتعلق بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وكان الاختيار بين اختيارات هي، التنمية الاقتصادية، والتعليم، وحقوق الإنسان، والبنية التحتية، والاستقرار، ومكافحة الإرهاب، والقضية الفلسطينية. في ثلاث من الدول الأربع التي طُرح فيها السؤال أيد عدد كبير من المبحوثين ضرورة أن تعلي إدارة بايدن أولوية القضية الفلسطينية، أكثر حتى من القضايا الأساسية الحرجة التي تواجه دولهم. ** أظهر الاستطلاع أن شعبية إيران ما زالت متدنية المستوى في صفوف الجماهير العربية؛ حيث أعرب 36 بالمئة في لبنان و25 بالمئة في الأردن و15 بالمئة فقط في الكويت عن آراء إيجابية تجاه إيران.
*** دروس لأمريكا كيف نقرأ نتائج استطلاع "الباروميتر العربي"؟ بمعنى ادق كيف يقرأون هم في أمريكا هذه النتائج؟. من المفهوم بطبيعة الحال ان أي مركز امريكي يجري استطلاعا للراي العام العربي فهو يفعل هذا وفي اعتباره المصلحة الأمريكية أولا وأخيرا. بعبارة أخرى، يكون هدفه الأاسسي الأكبر هو استخلاص الدروس بما من شأنه ترشيد السياسة وخدمة المصلحة الأمريكية. وعل ضوء هذا، الخبراء الثلاثة الذين كتبوا التحليل المطول للاستطلاع في مجلة "فورين افيرز" قدموا قراءة تفصيلية لنتائجه من وجهة نظر ما يعنيه بالضبط بالنسبة لأمريكا وسياساتها، وما يجب على الإدارة الأمريكية ان تفعله بناء على ذلك. اول ما يستخلصه الخبراء من نتائج هو انه بسبب الحرب في غزة،" انقلب الرأي العام العربي بشكل حاد ضد حليفة إسرائيل الأشدّ دعمًا لها، الولايات المتحدة الأمريكية" وهو امر من الممكن ان تكون له نتائج خطيرة بالنسبة لأمريكا. يقول الخبراء ان الاستطلاع، وغيره من استطلاعات الرأي، أظهرت "أن مكانة الولايات المتحدة الأمريكية في أعين المواطنين العرب قد تراجعت إلى حد كبير". الأمر الثاني المهم الذي استخلصه الخبراء، ويعتبورن انه مثير للدهشة، ما أظهره الاستطلاع من ان "ما فقدته الولايات المتحدة الأمريكية من شعبية ربحته الصين". يقولون ان آراء المواطنين العرب إزاء الصين تحسّنت في استطلاعات اراي التي اجروها مؤخرا. ومع هذا، فردًا على سؤال عمّا إذا كانت الصين قد بذلت جهودًا صادقة لحماية حقوق الفلسطينيين، أيد المقولة عدد قليل من المواطنين. ويظهر من هذه النتيجة أن آراء المواطنين العرب تعكس السخط العميق على الولايات المتحدة الأمريكية، وليس الدعم للسياسات الصينية تجاه غزة تحديدًا. ومن اهم خلاصات الخبراء ان نتائج الاستطلاع تعني في رايهم ان الولايات المتحدة لن تتمكن من تحقيق أهدافها في المنطقة بشكل عام. يقولون انه سيكون من الصعب تحقيق اهداف مثل، السعي الى تسوية للصراع الفلسطيني الاسرائيلي، او حماية الاقتصاد الدولي عن طريق حماية البحر الأحمر، او جهودها لاحتواء إيران وصد نفوذ الصين المتزايد في الشرق الأوسط. يقول الخبراء في تحليلهم انه من أجل تحقيق أي من هذه الأهداف فان أمريكا بحاجة الى شراكة مع الدول العربية، وهو أمرٌ ستزداد صعوبته إذا ظلّت الشعوب العربية مرتابة من أهداف الولايات المتحدة الأمريكية في الشرق الأوسط. ولدها هذا الرأي السلبي. ويثير الخبراء قضية مهمة جدا بالنسبة لأمريكا في رايهم اذ يحذرون من الاستهانة ب " الشارع العربي" ومواقفه وآرائه. سبب هذا التحذير ان محللي السياسات الأمريكية والساسة الأمريكان دأبوا على عدم الاكتراث ب"الشارع العربي" لأن القادة الرعب في تقديرهم لا يهتمون كثيرا بالراي العام. وبالتالي بمقدور صناع السياسة في أمريكا ان يمضوا قدما في سياساتهم بغض النظر عن كسب عقول وقلوب المواطنين العرب طالما هناك توافق بينها وبين الحكومات العربية. يقول الخبراء ان فكرة عدم اهتمام القادة العرب بالرأي العام ومواقفه وآرائه فكرة وهمية. في الوقت الحالي بالذات لا يرغب القادة العرب في أن يُنظر إليهم بصفتهم يتعاونون بشكل واضح وصريح مع واشنطن، نظرًا للتصاعد الحاد في الرفض الشعبي لسياسات الولايات المتحدة الأمريكية في دولهم. يقول الخبراء ان فقدان الدعم الشعبي العربي يحمل المخاطر بالنسبة لأمريكا ويحمل خصوصا المخاطرة باستمرار دعم القادة العرب، وأيضًا المخاطرة باستقرار الدول العربية الحليفة للولايات المتحدة الأمريكية. *** هذا ما خلص اليه الخبراء الأمريكيون من قراءتهم لنتائج استطلاع الراي العام العربي. وهي خلاصات مهمة بالنسبة لأمريكا تحديدا. لكن ماذا عنا نحن في الوطن العربي؟ ماذا تعني هذه النتائج بالنسبة لنا؟ في المقال القادم سنعرض لنتائج استطلاعين مهمين آخرين للرأي العام العربي بعد اندلاع حرب إبادة غزة ثم سنقدم قراءة للدروس التي يجب ان نخلص اليها نحن في الوطن العربي. |
شبكة البصرة |
الاحد 17 ذو الحجة 1445 / 23 حزيران 2025 |
يرجى الاشارة الى
شبكة البصرة
عند اعادة النشر او الاقتباس |