بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

قرية البوعكاش.. مصير مجهول وثمان سنوات من تغييب رجالها

شبكة البصرة

نزحت مئات العائلات من قرية البو عكاش في ناحية الصقلاوية التابعة لمحافظة الأنبار، في مطلع حزيران من العام 2016، واتجهت العائلات إلى مناطق شرقي الأنبار حيث الطريق المتجه إلى العاصمة بغداد، لكن مليشيات مسلحة منضوية ضمن "الحشد الشعبي"، أوقفت العائلات خلال نزوحها من قرية البو عكاش وعزلت الرجال عن النساء والأطفال واقتادت من تجاوزت أعمارهم 13 عاما، تحت مزاعم التدقيق الأمني.

ومنذ ذلك الحين لم يعرف مصير الرجال الذين تم اختطافهم. كما نقل الجيش العراقي النساء والأطفال لاحقا إلى مخيم للنازحين، دون أن يُفصح هو الآخر عن مصير الرجال الذين تم اقتيادهم.

ورغم وعود الحكومات الثلاث السابقة في بغداد، بحسم ملف المغيبين قسرا، والذين يتخطى عددهم الـ 26 ألف شخص، تم اقتيادهم من قبل مليشيات مسلحة بدوافع طائفية خلال سنوات الحرب على "داعش"، من مناطق شمال وغربي العراق، إلا أنه لم يتم تحقيق أي تقدم في هذا الملف.

وتعتبر مناطق الصقلاوية، وبزيبز، والرزازة، والرطبة، وذراع دجلة، والكيلو 160، وبيجي، وتكريت، والدور، والإسحاقي، وبادوش، وحمام العليل، والرياض، والشرقاط، وجرف الصخر، والكرمة، وأبو غريب، ويثرب، والطوز، شمال ووسط وغرب العراق، أبرز المناطق التي شهدت عمليات خطف وتغييب من قبل المليشيات.

فيما تتورط ميليشيات مسلحة مختلفة أبرزها "كتائب حزب الله"، و"عصائب أهل الحق"، و"النجباء"، و"بدر"، و"سيد الشهداء"، و"جند الإمام"، والخراساني"، و"الطفوف"، وسرايا عاشوراء"، إضافة إلى جماعات أخرى بالوقوف وراء تلك الجرائم التي ارتكبت بين عامي 2014، و2017.

 

فشل الحكومة

قال الباحث بالشأن العراقي، إياد الدليمي، قال إن جريمة اختطاف رجال قرية البعكاش تعتبر واحدة من أكثر جرائم التغييب إيلاماً في العراق، وتتطلب هذه الجريمة على الأقل موقفا حقوقيا وانسانيا جمعيا في العراق.

وأضاف الدليمي، أنه رغم مرور ثمانية أعوام على هذه المأساة إلا أنها ما زالت تشكل نقطة سوداء، وهي تثبت مجددا أن الدولة العراقية بحكوماتها المختلفة مختطفة القرار من قبل المليشيات.

وبين، أن الجريمة معروف فاعلها إلا أن الدولة بأجهزتها المختلفة فشلت في تقديم إجابة عن السؤال الأهم، أين هم؟ أين اختفى قرابة 700 مدني؟ لماذا إلى الآن الحكومة تحجم عن تقصي وملاحقة الفاعلين؟ لماذا لا تقدّم إجابات لذوي المغيبين؟".

واعتبر الدليمي أن أي حكومة عراقية تعجز عن متابعة هذه القضية ستكون شريكة في الفعل الإجرامي ناهيك طبعا عن الفاعل المعروف ألا وهم الميلشيات التابعة للحشد الشعبي.

 

جرائم الحشد

وفي وقت سابق أصدرت منظمة "هيومن رايتس ووتش"، تقريرا اتهمت فيه مليشيات "الحشد الشعبي"، بالوقوف وراء تغييب 643 رجلا وصبيا من أهالي بلدة الصقلاوية عام 2016. ونقلت المنظمة إفادات ووثائق مختلفة بشأن اختطافهم مطالبة الحكومة العراقية بالكشف عن مصيرهم.

فيما أكد مرصد "أفاد"، الحقوقي العراقي في تقرير سابق له، بأن عمليات التغييب التي ارتكبتها المليشيات المسلحة كانت بدوافع طائفية وانتقامية، مطالبا القضاء العراقي بالتوجه إلى فتح الملف وعدم المماطلة.

ونشر ناشطون صورا لعدد من أسر الضحايا يطالبون الحكومة بمعرفة مصير أبنائهم، ويقول الناشط، أحمد حقي، إن ملف الانتهاكات الحقوقية والإنسانية في العراق "يُمثل نقطة سوداء في وجه العملية السياسية العراقية عموما والمؤسسات الحكومية والقضائية على وجه الخصوص.

وأضاف، أن "بقاء الملف المفتوح بهذا الشكل دون أي تصريح أو موقف من الحكومة أو القضاء، يعود لنفوذ المليشيات المتورطة بهذا الملف، خاصة وأن إجمالي عدد المغيبين يتخطى 26 ألف شخص، ونعتقد أن مقابر جماعية كاملة ضمتهم بعد تصفيتهم، إذ إن أي مؤشرات على بقائهم أحياء تلاشت".

 

قرية من دون رجال

في قرية يغيب عنها رجالها منذ أكثر من ثلاثة أعوام، بسبب الاختطاف الذي تعرضوا له عقب تحرير المدينة من سيطرة تنظيم "داعش" الإرهابي. ويُقدر عدد المختطفين من المغيبين حالياً، بنحو ألف رجل، وكلهم من قبيلة "البو عكاش" بقرية الأزركية.

وبالرغم من مطالبات ذوي المفقودين، وهم الباقون في القرية من النساء والأطفال بالكشف عن مصير ابنائهم منذ سنوات، إلا أن "الجهة المعروفة" التي اعتقلت رجال القرية وشبابها تبدو القابضة على القرارات الحكومية في بغداد، كما يقول الأهالي لـ"العربي الجديد".

وتوجه اتهامات إلى مليشيات مرتبطة بإيران بارتكاب عمليات قتل وتغييب بحق المئات من أبناء المدن المحررة، وايداعهم في سجون ببلدة جرف الصخر التابعة لمحافظة بغداد، ومناطق أخرى في جنوبي بغداد وبالقرب منها.

ومع زيادة التأكد من أن المليشيات المتورطة بعمليات الخطف تمنع المسؤولين الحكوميين من الاقتراب من جرف الصخر، تتسرب الجثث تدريجياً من البلدة لتُدفن بطريقة سريعة وسط تعتيم إعلامي متعمد من أحزاب السلطة بالبلاد.

من جانبه قال عضو نقابة المحامين العراقيين، كامل الجميلي، إن 95% من رجال قرية البو عكاش تم تغييبهم، وحاليا القرية لا تحوي غير النساء والفتيات، نحن أمام جريمة إبادة، إذ إن الواقع ينافي كونهم ما زالوا أحياء، وأنهم تم تصفيتهم بعد اختطافهم.

وأشار الجميلي، إلى أن الحكومة لم تقم حتى بدعم أسر الضحايا من خلال الرعاية الاجتماعية، والفقر المدقع يتفشى بالقرية وضواحيها.

 

إيران والانتهاكات

في هذا السياق، قال الخبير الأمني علاء النشوع، إن "جريمة الصقلاوية من الجرائم التي ترتقي إلى الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب؛ لأن فعلها الجرمي استهدف مواطنين أبرياء ليس لهم أية علاقة بالتنظيم الإرهابي".

وأضاف أن "التحقيقات أثبتت بأن الجريمة استهدفت المئات من النازحين المتواجدين في المنطقة، بالإضافة إلى الساكنين من أبناء المنطقة الذين لم يغادروا دورهم وأراضيهم لكونهم من العوائل التي لا تمتلك إلا قوت يومها".

وأشار النشوع، إلى أن "كل المؤشرات تشير لتورط ميليشيات الحشد الولائي المحسوب على إيران في هذه الجريمة، حيث كانت هناك نيات مدبرة من قبل قادة هذه الألوية التي يتواجد معها عناصر من الحرس الثوري الإيراني الذين أصدروا الأوامر لعناصر ميليشيا كتائب حزب الله لينفذوا جريمتهم".

وتابع النشوع، أن "عناصر ميليشيا حزب الله قاموا بعزل النساء والأطفال عن الرجال الذين نقلوا إلى أماكن أخرى، لينفذوا بهم إعدامات ميدانية جماعية بعدما كانت هذه العوائل قد تقدمت إلى القوات الحكومية رافعة الرايات البيضاء عقب تعرض المنطقة لقصف متواصل وكثيف".

وأوضح أن "اللجان التي شكلتها الحكومة أجرت تحقيقا سطحيا لا يمت إلى الحقيقة بصلة، لكونها لا تمتلك قرارا يستطيع أن يتعمق في التحقيق للوصول إلى الحقائق التي تدين هذه الفصائل التي تملك سلطات تمنع وصول لجان التحقيق من التحرك ميدانيا في المنطقة التي جرت فيها الجريمة، فقد أخفيت كل المعالم التي تكشف حجم هذه الجريمة البشعة التي ترفضها كل الشرائع والقوانين الإلهية والوضعية".

وذكر النشوع، أن "الحشد الولائي هو من قام بالجريمة استنادا إلى إفادات بعض الناجين الذين تحدثوا وقالوا إن القوات التي كانت تستقبلنا كانت تحمل أعلاما صفراء وقد رددت هذه القوات عبارات طائفية بالإضافة إلى أن القوات التي اشتركت في الهجوم هي قوات الحشد من فصائل ولائية تساندها قوات من الشرطة الاتحادية".

وكان محافظ الأنبار آنذاك، صهيب الراوي، قد أعلن أن نتائج لجنة التحقيق في "مجزرة الصقلاوية" أكدت مقتل عشرات النازحين وفقدان أثر 643 آخرين بعدما توجهوا إلى ميليشيات الحشد والشرطة الاتحادية خلال عملية تحرير الصقلاوية من تنظيم "داعش".

وأكد الراوي، أن "الدلائل التي توفرت للجنة تشير إلى تورط فصيل من مليشيات الحشد، بين عناصره غير عراقيين، بتنفيذ مجزرة الصقلاوية"، في إشارة لميليشيا "كتائب حزب الله" التي يرافقها مقاتلون من الحرس الثوري الإيراني، مبيّنا أن "ميليشيات الحشد قامت بمصادرة المستمسكات الثبوتية للنازحين والاستيلاء على سياراتهم ومصوغاتهم الذهبية".

وكالة يقين

شبكة البصرة

الاحد 3 ذو الحجة 1445 / 9 حزيران 2025

يرجى الاشارة الى شبكة البصرة عند اعادة النشر او الاقتباس
المقالات والتقارير والاخبار المنشورة في شبكتنا لا تعبر عن راي الشبكة بل عن راي الكاتب فقط