بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ |
فضيحة وزارة (التعليم العالي) في العراق، نتائج هزيلة وأكاذيب ضخمة هل تستحق المراتب المتأخرة والنتائج الهزيلة كل هذه المسرحية يا حكومة السوداني؟! |
شبكة البصرة |
مصطفى كامل |
أعلنت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي الحالية في العراق، يوم الأربعاء الماضي، نبأ حصول العراق على مراتب متقدمة جداً على الصعيدين العربي والعالمي في تصنيف علمي متخصص في موضوع "التنمية المستدامة للجامعات". وقالت الوزارة في بيانها الرسمي (انظر هنا) إن العراق حقق "المرتبة الأولى عربيا والسابعة عالميا في تصنيف التايمز للتنمية المستدامة (Times Higher Education Impact Rankings 2024) من حيث عدد الجامعات المشاركة في نسخة العام 2024 التي شهدت تنافس 2152 من 125 دولة حول العالم". وأكد بيان الوزارة أنه "استنادا الى النتائج المتحققة التي أظهرت العراق في ترتيب متميز فإن مؤسسات التعليم العالي والبحث العلمي العراقية ماضية بكل ثقة في الارتقاء بجودة الأداء الجامعي وتوفير بيئة تعليمية إيجابية تلبي متطلبات المعرفة العلمية والمهارات التقنية التي تقتضيها خدمة المجتمع ومقاييس التعليم الجيد والاعتماد الأكاديمي التي تتظافر معها أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة". وعلى الفور أكد وزير التعليم نعيم العبودي، الذي لا يحوز على شهادة علمية من جامعةٍ معترفٍ بها ونال منصبه بسبب المحاصصة الطائفية ولانتمائه إلى ميليشيا إرهابية معروفة، أكد عزم وزارته على "مزيد من التميز لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي وجامعاتها وتحقيق أعلى مستوى في جودة التعليم والبحث العلمي وخدمة المجتمع". وجاء كلام الوزير رداً على تغريدة لرئيس وزراء النظام الحالي محمد شياع السوداني سارع فيها إلى تقديم التهاني بهذا (الإنجاز) الذي رأى فيه "تأكيداً على نجاح رؤية الحكومة ونهجها الداعم لتحقيق الجودة الشاملة في التعليم العالي" وتأكيداً على "الانفتاح على النظم التعليمية المتطورة في جامعات العالم، وتطوير مستوى الأداء بما يتسق مع أهداف التنمية المستدامة". ومع أن هذا خبر مفرح أن يحقق العراق، رغم الظروف بالغة الصعوبة التي يعيشها، مراتب متقدمة في تصنيفٍ علميٍ عالمي إلا أنه خبرٌ كاذب بكل تفاصيله، كما أن إعلان هذا (الإنجاز) المزعوم يمثل استهانة بالعقل العراقي واستخفافاً بالرأي العام في العراق وخارجه، واستفزازاً فظاً للعراقيين الذين يعرفون قبل غيرهم رداءة مستوى التعليم العالي والبحث العلمي في الجامعات والكليات العراقية التي تعاني، حكومية وأهلية، من مشاكل عميقة بالغة الخطورة تهدّد الواقع الأكاديمي في البلاد. لماذا نقول هذا الكلام الآن؟ ولماذا نطلق هذا التقييم الذي قد يراه بعض القراء متشدداً أو متجنيّا؟! قبل أن نشرح لماذا نطلق هذا التقييم علينا أن نعرف ما هو تصنيف تايمز الذي تتحدث عنه الوزارة. تصنيف مجلة تايمز للتعليم العالي للجامعات العالمية (Times Higher Education World University Rankings) هو تصنيف سنوي للجامعات يُنشر من قِبل مجلة تايمز للتعليم العالي التي كانت تتعاونُ معَ بعض الشركات الناشئة للقيام بتصنيف الجامعات العالمي QS وذلك في الفترة من سنة 2004 وحتّى 2009 قبل أن تتحول المجلة للتعاونِ معَ شركة تومسون رويترز في نشر نظام التصنيف الجديد. حيث تعملُ المجلّة في الوقت الحالي على نشر تقرير يضمّ أفضل الجامعات العالمية مع تصنيفات أخرى مثل أفضل الجامعات في آسيا أو غيرها، وأفضل الجامعات في الدول ذات الاقتصادات الناشئة، وأفضل الجامعات الشابة التي لم يمضِ على تأسيسها 50 سنة، وغير ذلك من التصنيفات. ويعتمد التصنيف على مجموعة من المعايير والمؤشرات ذات الصلة مجمّعة تحت خمس فئات: التدريس (30% من الدرجة النهائية)، البحث (30 %)، الاستشهادات بأبحاث الجامعة أو المؤسّسة البحثية (32.5%)، المكانة على المستوى الدولي (5%) ثمّ الدخل الذي تحققه الجامعة (2.5 %). وشارك في تصنيف التايمز لسنة 2024 الحالية 1963 جامعة من 125 دولة حول العالم.
والآن لننظر في الإعلان العراقي.. أولاً: إن ما أعلنته الوزارة ليس إلا (منجز) وهمي لا قيمة له، فالإعلان الحكومي يتحدث عن عدد الجامعات المشاركة في هذا التصنيف وليس عن تسلسل لنتائج تلك الجامعات في هذا التصنيف. إذ لا قيمة لمجرد المشاركة في سباقٍ من أي نوع، فالقيمة لا تعطى لعدد المشاركين بل الأهمية تنحصر فيمن يحقق نتائج متقدمة في نهاية السباق، فعلى سبيل المثال يشارك في سباقات الماراثون العالمي عشرات الآلاف من الأشخاص لكن الذين يحققون الفوز قلة قليلة جداً جداً من بين عشرات آلاف المشاركين.
ثانياً: مع أن العراق تقدم بـ 71 جامعة وكلية لتسجيلها ضمن تصنيف تايمز، وهو عدد كبير جداً طبعاً لا يتناسب مع كل المعطيات المتعلقة بالعراق من حيث عدد السكان وفرص العمل وغير ذلك، ولكنه غير مستغرب أبداً حيث تنتشر في البلاد، على نحوٍ غير مدروسٍ ولأسبابٍ لا علاقة لها بالمجال الأكاديمي، جامعات وكليات تابعة للميليشيات بشكلٍ مباشر أو غير مباشر باعتبارها من وسائل غسيل الأموال أو سرقة المواطنين العراقيين، نقول إنه مع ضخامة عدد المؤسسات المشاركة من جانب العراق إلا أن هذه الجامعات والكليات حصلت على تصنيفات متدنية للغاية في هذا التصنيف. فمن بين هذا العدد الكبير من الجامعات والكليات حصلت واحدة منها فقط على ترتيب في تصنيفات التأثير بين تسلسل 401/600 وهي جامعة البصرة الحكومية، وحصلت اثنتان منها فقط، واحدة حكومية وأخرى أهلية، على ترتيب في تصنيفات التأثير بين 601/800، وحصلت ثلاث منها فقط، اثنتان حكوميتان وواحدة أهلية، على ترتيب في تصنيفات التأثير بين 801/1000، فيما حصلت 21 منها على ترتيب في تصنيفات التأثير بين 1001/1500، أما المتبقي منها وهي 44 فحصلت على ترتيب 1501 + في تصنيفات التأثير، بمعنى أن الغالبية العظمى من الجامعات والكليات التي تقدمت بها وزارة التعليم العالي الحالية حلّت في مراكز متأخرة.
ثالثاً: إن مسارعة الوزير الحالي بإعلان هذا الخبر، ثم لهفة رئيس الوزراء الحالي إلى زف التهاني والتبريكات بهذا (الإنجاز) الوهمي يؤكد إن الوزير ورئيس الوزراء، ومن يحيط بهما من مستشارين وإداريين، جاهلون تماماً بما يتحدثون عنه أو أنهم يعلمون تفاهة الموضوع ومع ذلك يتعمّدون الكذب على العراقيين وعلى العالم، وأنا أرجّح الاثنين معاً، فهم كلهم جاهلون، وهم في نفس الوقت يتعمّدون الكذب القبيح المفضوح، وهذا شأن الغالبية العظمى من المسؤولين في النظام الحالي الذي أوجده الاحتلال الأميركي الإيراني في العراق منذ سنة 2003 وفي كل المجالات، إن لم يكن جميعهم.
رابعاً: رغم الأهمية العالمية للتصنيف إلا أنه يحتوي على عيبٍ بنيوي يتمثّل بكونه يقوم على منهجيةٍ تتيح الفرصة لعددٍ أكبر من الجامعات، التي تدرّس على مستوى الدراسات الجامعية الأولية أو العليا، بالمشاركة في التصنيف بمجرد توفير البيانات المطلوبة ولكن دون اشتراط حدٍّ أدنى للمتطلّبات، وهذا ما فتح الباب لمشاركةٍ واسعةٍ من الجامعات حول العالم، منها ما يقع خارج التصنيفات الأكاديمية الأخرى المعروفة عالميا.
خامساً: كما أن التصنيف يحتوي على عيبٍ بنيوي آخر، فهو يتحدث عن ملائمة تلك الجامعات لأهداف التنمية المستدامة التي أعلنتها الأمم المتحدة سنة 2000، مثل خفض الفقر وتعزيز المساواة بين الجنسين والحد من وفيات الأطفال وغير ذلك، ولا علاقة مباشرة لهذه المعايير بجودة التعليم ومستواه مما تعتمده تصنيفات عالمية أخرى، ولكنها تتصل بشكلٍ غير مباشرٍ بمجال التعليم طبعا.
سادساً: أظهرت نتائج الجامعات العشرين الأولى الأكثر تأثيراً على المستوى العالمي هيمنة جامعات من تسع دول ليس من بينها دولة عربية على الإطلاق.
سابعاً: أظهر التصنيف أن المملكة العربية السعودية حازت على المرتبة الأولى والثالثة من بين الجامعات العربية المشاركة من خلال جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، وجامعة الملك فيصل. فيما حصلت جامعة العين في دولة الإمارات العربية المتحدة على المرتبة الثانية عربيا. تلي ذلك الجامعة الأهلية في البحرين في المرتبة الرابعة عربياً، ثم جامعة الشرق الأوسط الأميركية في الكويت خامساً، جامعة الإمام عبدالرحمن بن فيصل في السعودية سادساً، جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية السعودية سابعاً، جامعة الأمير محمد بن فهد السعودي ثامناً، جامعة قطر في قطر تاسعاً، جامعة منار تونس في تونس عاشرا.
ثامناً: تظهر نتائج التصنيف أن العراق حصل على ست مواقع في قائمة الجامعات العربية الـ 108 المشاركة في التصنيف، ليس من بينها أي مرتبة من بين الخمسين الأولى.
تاسعاً: تظهر نتائج التصنيف الموضحة في الجدول الوارد في أعلاه أن أول مركز حصل عليه العراق على المستوى العربي جاء في المرتبة 57 وكان من نصيب جامعة البصرة، ثم جامعة المستقبل في المرتبة 53، ثم جامعة بغداد في المرتبة 77، ثم جامعة بابل في المرتبة 105، ثم جامعة الكوفة في المرتبة 107، وأخيراً جامعة رابرين في المرتبة 108.
عاشراً: أظهرت نتائج التصنيف أن الجامعات العراقية حصلت على مستويات متأخرة في التسلسل العالمي من بين 1963 جامعة فقط حول العالم، وكما يأتي: جامعة البصرة في المرتبة 1501 + لتصنيفات الجامعات العالمية، وفي المرتبة 401/600 لتصنيفات التأثير، وفي المرتبة 601 + لتصنيفات الجامعات الآسيوية. جامعة المستقبل مدرجة في تصنيفات الجامعات العالمية بدون منحها درجة ترتيب، وفي المرتبة 601/800 لتصنيفات التأثير، ومدرجة في تصنيفات الجامعات الشابة (تاريخ تأسيسها دون 50 سنة) بدون منحها درجة ترتيب. جامعة بغداد في المرتبة 1501 + لتصنيفات الجامعات العالمية، وفي المرتبة 601/800 لتصنيفات التأثير، وفي المرتبة 601 + لتصنيفات الجامعات الآسيوية. جامعة بابل في المرتبة بين 1201 و 1500 لتصنيفات الجامعات العالمية، وفي المرتبة 801/1000 لتصنيفات التأثير، وفي المرتبة 501/600 لتصنيفات الجامعات الشابة. جامعة الكوفة في المرتبة 1501 + لتصنيفات الجامعات العالمية، وفي المرتبة 801/1000 لتصنيفات التأثير، وفي المرتبة 601 + لتصنيفات الجامعات الشابة. جامعة رابرين في المرتبة 801/1000 لتصنيفات التأثير. ولمزيد من المعلومات حول مراتب الجامعات والكليات في العراق بحسب تصنيف تايمز انظر هنا.
حادي عشر: من كل ما تقدم من وثائق ومعطيات وجداول يتبيّن على نحوٍ واضحٍ كذب وزارة التعليم العالي والبحث العلمي الحالية في العراق في ادّعاءاتها بشأن تحقيق مراتب متقدمة في تصنيف تايمز، وأن الأمر لا يعدو كم مشاركات لا قيمة لها في الحقيقة، حيث لم تحصل الجامعات العراقية لا على المرتبة الأولى عربياً ولا على المرتبة السابعة عالمياً من حيث التصنيف وإنما من حيث عدد المشاركات، بل أن حصيلة العراق من حيث التصنيف كانت متأخرة جداً على المستويين العربي والعالمي، فهل تستحق هذه المراتب المتأخرة والنتائج الهزيلة كل هذه المسرحية يا حكومة السوداني والأمر الذي تتحدثون عنه كله يتعلق بعدد مشاركات لجامعات معظمها غير معترف بها في العالم لا غير؟! ولمزيد من التفاصيل حول تصنيف تايمز للجامعات حول العالم يرجى الاطلاع على الرابطين المدرجين هنا https://www.timeshighereducation.com/world-university-rankings/impact-rankings-2024-results-announced
https://alamarabi.com/2024/06/%D8%AA%D8%B5%D9%86%D9%8A%D9%81-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%A7%D9%8A%D9%85%D8%B2-%D9%84%D8%AA%D8%A3%D8%AB%D9%8A%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%A7%D9%85%D8%B9%D8%A7%D8%AA-2024/ وجهات نظر |
شبكة البصرة |
الاحد 17 ذو الحجة 1445 / 23 حزيران 2025 |
يرجى الاشارة الى
شبكة البصرة
عند اعادة النشر او الاقتباس |