بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ |
أمراض الوعي والاختراق المخابراتي |
شبكة البصرة |
صلاح المختار |
"اسوأ مكان في الجحيم محجوز لهؤلاء الذين يبقون على الحياد في اوقات المعارك الاخلاقية العظيمة" مارتن لوثر كنج من خلال رصد ومتابعة وتحليل مشاكل الأحزاب السياسية، ومنها الانشقاقات والتراجعات والفشل، يتبين بوضوح هيمنة الاوهام الذاتية على عقل بعض من انتمى لهذه الأحزاب بعد تأسيسها بعقود، لانه يبدأ في مرحلة من مراحل عمله الحزبي بنقد الحزب عقائديا أو سياسيا وتخطئة مواقف وافكار، وبتطور هذه النقدات يصل إلى طريق مسدود حيث أنه يبدأ بالمطالبة بتغيير هوية الحزب الفكرية وتنتابه حمى الشعور بأنه قادر على تغيير هذا الحزب وفقا لتصوراته، ولكنه يصطدم بجدار عال قوي لا يستطيع اجتيازه والمتمثل في اقتناع الأغلبية الساحقة بأن ما تبناه هذا الشخص غريب على الحزب ومناقض لهويته، وبالتالي يعزل. وقد يؤدي موقفه إلى إحداث أضرار في الحزب بعد أن يجاهر بإصراره على تغيير هوية الحزب، فكيف نفسر هذه الظاهرة؟ ولكي تكون الإجابة دقيقة وصحيحة من الضروري عرض نموذج او اكثر من هذه الحالات، ومن مظاهر السخرية أن حزبيا بسيطا لم يمضي في الحزب أكثر من بضعة سنوات طالب وعلنا وفي معمعة انقسامات الحزب بالتخلي عن عقيدة ميشيل عفلق وتبني نظرية تجريبية (تبتعد عن القوالب الجاهزة وترفض فكرة وجود مقدس)! وأخذ يدعو إلى فكرة خطيرة وهي أن التيارات القومية كلها قد فشلت وانه لابد من انشاء بديل فكري وسياسي! والمثال الاكثر تعبيرا عن الخلل التربوي هو لعضو في القيادة القومية انتخب في آخر مؤتمر قومي، وهو متعلم ويفتقر للثقافة العميقة وانتخب لإكمال الهوية القومية التنظيمية للحزب، وهذا الشخص السوداني تميز بالفقر الثقافي والعقد النفسية لذلك اشتهر بالتقلب السياسي قبل الانتماء لحزب البعث في عام 1969 حيث كان إسلامويا وتغير وأصبح يدعو لفكر جيفارا في الكفاح المسلح ثم انتقل إلى أفكار فوضوية لا رابط بينها سوى التقلب وفقا لمزاجه وتطلعاته التي تعبر عن خلل في تربيته! وهذا الشخص بالذات تسبب في أفدح الأضرار للحزب حيث أنه أخذ يدعو للتخلى عن الكفاح المسلح لصالح ما سماه (النضال السلمي الديمقراطي) وتسبب في انشقاقات في كل الأقطار العربية تقريبا بعد رحيل الرفيق الأمين العام عزة إبراهيم رحمه الله، واصبح مدللا من امريكا تضغط لاطلاق سراحه بينما الرفاق يذبحون في العراق على يد امريكا! إن هذه الأمثلة تجسد حالة الحزب في مرحلة إسقاط حكمه في العراق وتنفيذ مخطط رسمي علني اسمه أجتثاث البعث وضعته الولايات المتحدة الأمريكية ونفذته عمليا بعد غزو العراق، وتبنت نفس الخطة المخابرات الإيرانية، وبطبيعة الحال فإن الوعي الاجتماعي العام السليم لا يتجاهل الحقائق الموضوعية ولكن حينما يكون هناك اختلال في الوعي،أو في ارتباطات الأفراد فإن هذه الظواهر تبرز بصورة مرضية وخطيرة، ويوجد تفسيران لها: التفسير الأول أن الوعي المحدود لهؤلاء المقترن بالأنانية وضيق الأفق والرغبة الجامحة في الوصول إلى أعلى المواقع بسرعة، وبالتالي تصفية كل العقبات من طريقهم خصوصا من ينافسهم أو من يمتلك قدرات وتاريخ أفضل منهم، وذلك الخلل صور لهم انهم يستطيعون تغيير الحزب من داخله والسيطرة عليه. ويمكن لمس الطابع المرضي لهذه السلوكيات بتذكر أن هؤلاء الأشخاص انتموا إلى الحزب وهو قائم منذ عقود وبالتالي فإنهم اقتنعوا بعقيدته، وإلا ما هو الدافع الذي جعل مثل هؤلاء ينتمون للحزب إذا لم يكونوا مقتنعين بعقيدته؟ هذه الحالة حالة مرضية على المستوى النفسي لأن التفكير السليم يقول بأن من انتمى إلى حزب ولم يؤسسه هو بل وجده موجودا ومتكاملا قبل انتمائه إليه إذا اكتشف إنه لا ينسجم مع عقيدة الحزب فمن المنطقي أن ينسحب منه ويؤسس حزبا أخرا يعبر عن تطلعاته لا أن يحاول تغيير حزب راسخ الجذور لان هذا العمل ستكون نتيجه تخريب الحزب، وتخريب حزب ثوري يخدم اعداء الامة. ولكن هناك تفسير اخر مهم جدا وسيكون من السذاجة المفرطة الافتراض بأن التشكيك بعقيدة الحزب وستراتيجيته القومية والانقلاب عليهما أو على إحداهما، كما يحصل الآن من قبل أكثر من زمرة متآمرة على الحزب، هو عبارة عن خلافات بين رفاق وليس هناك دور لاجهزة المخابرات المعادية،فحزب البعث العربي الاشتراكي ليس من الأحزاب التي فشلت في تحقيق أهدافها وبرامجها كي ينقلب عليها، فالبعث حقق انجازات عظمى رسخت حقيقة انه بعقيدته وستراتيجيته القومية يسير على الطريق الصحيح وان اي دعوة للتغيير فيه، ومهما غلفت بتبريرات ذكية او غبية ستكون توافقا تاما مع مخطط اجتثاث البعث. ان تجربة حكم الحزب في العراق خلال 35 عاما أثبتت أنه نجح في تحقيق أهداف جوهرية وضعها قبل استلام السلطة ومنها، وفي عجالة، محو الأمية والفقر، إنهاء التخلف وتنمية العلم والتكنولوجيا والاعتماد على معطيات المعرفة الاحدث، وبناء مجتمع عصري متقدم تكون المواطنه فيه هي البوصلة، وبقوة هذه المعطيات حقق البعث نهوضا عظيما في مجالات الصناعة الوطنية ونموها السريع، والزراعة وتحقيق الاكتفاء الذاتي، وإعادة بناء الإنسان العراقي بصفته محور نضال الحزب، وتوفير الطب بشقيه الوقائي والعلاج مجانا لجميع المواطنين، وتحقيق الاستقلال الوطني، بكل تلك الانجازات النوعية اصبح الحزب طليعيا في كل المجالات الحديثة بعد ان حقق نقلة نوعية في دور ومستوى العراق. وهكذا يصبح من الواجب الربط بين إنجازات الحزب وبين خطط إسقاطه،فتلك الانجازات كانت المحرك الجوهري لغزو العراق، ومن ثم فإن التفسير المتبقي للسلوك التخريبي على المستويات العقائدية الستراتيجية والتنظيمية هو تجنيد المخابرات لمن يقوم بالاجتثاث الناعم للبعث، أي تخريب الحزب من داخله عبر أشخاص جندوا لتحقيق هذا الغرض، يقومون بشرذمة الحزب ونشر الفتن داخله ومنع حلها حتى عندما تتوفر الفرص، مقابل جعلهم على رأس هرم الحزب! بعد ثلاثة أعوام ونصف العام من الأزمة الطاحنة التي ضربت الحزب تبلورت قناعة لدى أغلب رفاقنا بأن الانشقاقات هي تنفيذ لخطة الاجتثاث التي وضعتها المخابرات الأمريكية وتنفذها هي والموساد والمخابرات الايرانية، وما يثبت هذه الحقيقة أن من تآمر وتعمد شق الحزب سواء بخطف اسم القيادة القومية واستخدامه لهذا الغرض للابتزاز والتضليل، أو من تبعهم في عام 2022 ليكمل ما بدأته زمرة السنهوري، ومنذ ذلك العام تمت اخطر عمليات تفكيك الحزب بتعمد، وتجلى ذلك في خسارة الرفاق بنسبة 80% نتيجة اليأس من تحقيق وحدة الحزب او بسبب حملات الاعتقال.إن الوعي العميق لهذه الحقيقة أصبح هو السائد في الحزب فحتى الذين يعملون مع المنشقتين، ادركوا ان من يقودهم متأمر عن وعي واصرار، ولكنهم كانوا يأملون طوال سنتين أن تتحقق وحدة الحزب وعودته إلى حالته الطبيعية ودوره النضالي المعروف. والآن وبعد سنتين من الافشال المتعمد والمخطط لكل المحاولات التي بذلت لتوحيد الحزب فإن انتظار أن يبيض الديك أصبح خطأ يساهم في تعميق ألازمة واستمرارها بدل حلها، فالمناضل لا يقف على التل بأزاء القضايا الأخلاقية والقضايا المبدئية الكبرى الواضحة ولا يوجد حياد في هذه القضايا، فالذي يعرف حقيقة أزمة الحزب عليه ان ينهي انتظار معجزة تحقيق وحدة الحزب لان الطرف الاخر متأمر ومنفذ فقط،والمطلوب هو تحقيق الوحدة من تحت، من القاعدة ومن القيادييين الوطنيين الذين بقوا مع الطرف المتأمر، وعزل كل المـتأمرين على العراق والامة العربية. اننا اذ نتحدث بلغة مختلفة الان فلاننا صمتنا سنتين من اجل انجاح المبادرات لتوحيد الحزب وقدمنا كل التنازلات المطلوبة لتحقيقها، ولكن الان اختلفت الصورة ولم يعد يلومنا عندما نبدأ بفضح من يرفض وحدة الحزب وبلا رحمة فالطرف الاخر مسير ووظيفته اجهاض اي محاولة لتوحيد الحزب، وهذه حقيقة يجب الانتباه اليها مهما كانت مرة. المجندون سيتم فضحهم كما فضحنا السنهوري، بعد ان اثبتت تجربة سنتين انهم متمسكون بأوامر من جندهم، وهذا والحمد لله ما توفر لدى عدد كبير من المناضلين والكوادر بالأخص في داخل العراق والذين أعادوا ترديد القسم على حماية الحزب والدفاع عنه والتضحية بكل شيء من أجل أن ينهض مجددا واحدا وقويا وعزيزا وعظيما. المستقبل فقط لاصحاب الموقف الشجاع، ومن يفتقر للشجاعة في معركة المصير يجد نفسه في مكان لايتوقعه. نحن نعيد بناء الحزب بعد التخريب المتعمد له. والشرف الاعظم للبعثي هو المساهمة في المحافظة على عقيدة الحزب وتاريخه وشن نضال حازم لكشف كل من يحاول القاء شبهة فشل العقيدة البعثية، ولا يحتفظ احد بتاريخه او دوره دون انهاء التردد والنزول من التل. Almukhtar44@gmail.com 18-6-2024 |
شبكة البصرة |
الخميس 14 ذو الحجة 1445 / 20 حزيران 2025 |
يرجى الاشارة الى
شبكة البصرة
عند اعادة النشر او الاقتباس |