بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ |
الدكتور إحسان الثامري ينشر كتاب (جامع فَرائد الـمَلاحة في جَوامع فَوائد الفِلاحة)؛ |
|
شبكة البصرة |
هذا الكتاب الذي يُنشر اليوم لأول مرّة كتابٌ موسوعيٌّ يضمّ مادةً زراعيةً كبيرة، كما يضمّ كثيراً من المهارات الفِلاحية في معاملة الأرض والمياه والزّرع، والخبرات العمليّة التي اكتسبها أهالي بلاد الشّام ومارسوها، والتي تبيّن عُمْق الإرْث الحضاري للمنطقة، فضلاً عن كثيرٍ من المعلومات الطِّبيِّة والصحية المتعارَف عليها آنذاك. هذا الكتاب غاية في الأهمية، فهو يعود إلى الحقبة الزّمنية الواقعة بين القرنين التّاسع والعاشر الهجريين/الخامس عشر والسّادس عشر الميلاديين، بما يكتنزانه من خبراتٍ عمليةٍ طويلة، تعود إلى مراحل زمنية أقدم بكثير فهو يحفظ كثيراً من المَعارف والمهارات الزّراعية التي كانت سائدةً في بلاد الشّام ؛ فيستطيع الباحث من خلاله رَصْد الحياة الزّراعية في بلاد الشّام. وقد وَضَعه عالمٌ عربيٌّ، قُرشيٌّ، شاميٌّ، غَزيٌّ، دمشقيّ، هو رَضيّ الدِّين مُحمّد بن مُحمّد بن أحمد العامِريّ (862-935هـ/1457-1528م)، والذي تضرب جذورُ أسرته في غَزّة الصامدة الصابرة، لكنّ جدّه التّاسع ترك غَزّة، وهاجر إلى دمشق، أكبر مُدن الشّام وأكثرها نشاطاً سياسياً واقتصادياً وعلمياً. وكان الهدف من وَضْع الكتاب، أن يكون مرجعاً معوَّلاً عليه في الفِلاحة وعِمارة الأرض، وقد شرح المؤلف ما يتضمّنه الكتاب بعباراتٍ جامعةٍ دالّة، حيث أراد إعطاء معلوماتٍ لقارئه عن التُّربة والمياه والأشجار والتَّرْكيب والتَّطْعيم والتَّوْليد والتَّحْسين والتَّجْميل، وعلاج عِلَل الأرض والنّبات، ودفع الآفات، وبيان ما يُغرس ويُزرع في كلّ زمان ومكان، ومعرفة التَّلْقيح والتَّذْكير والكَسْح والتَّشْمير، وحَرْث الأرض وقَلْبها وكيفية زَرْعها وتَعْميرها بأنواع الأسمدة. وترتيب السَّقْي، وما يُسقى بالأمطار، وحَفْر الآبار والأنهار، ووَضْع الطِّلَّسْمات الدّافعة للحشـرات والآفات، وادّخار الفواكه والأقوات وخَزْنها، وعلامات الخِصْب والجَدْب. |
|
إنّ المادّة التي قدّمها الغَزِّي تعبّر عن الأفكار السائدة في عصره عن مفهوم الزّراعة، وقد أوضح ذلك بقوله: «اعلم أنّ الفِلاحة هي الحَرْث، والحَفْر، والزَّبْل، والكَسْح، والسَّقْي بمعنى معرفة ذلك عَمَلاً وتَرْكاً، مما يصلح له ومما لا يصلح، ووَضْع كلٍّ في محلّه». كما تعبّر -بطبيعة الحال- عن بيئة بلاد الشّام الزّراعية، وثقافة النّاس في هذا المجال من مجالات حياتهم؛ فما جاء في كتابه من مادةٍ زراعية، إنما هو جمعٌ لمعارف المجتمع الشّامي الزّراعية في الحقبة الزمنية التي عاش فيها الغَزِّي، وهي -الضرورة- متكوّنةٌ في ريف بلاد الشّام وقُراه على مدى قُرونٍ من الزمان، يُضاف إلى ذلك ما أخذه من الإرث الزراعي لشعوب الأقاليم الأخرى، والذي أخذه من المصادر المكتوبة التي اطّلع عليها، وكذلك مشاهداته الشخصية وخبراته. الكتاب يشكّل موسوعةً زراعية بما حواه من مادةٍ عن الحياة الزّراعية للمجتمع الشّامي إبّان القرنين التّاسع والعاشر الهجريين/الخامس عشر والسّادس عشر الميلاديين، ومن خلال هذه الموسوعة يمكن استخراج قوائم بالآلات والأدوات التي استخدمها الفلّاح الشّامي، وكذلك الأواني المعروفة آنذاك، والأوزان والمكاييل المتعارَف عليها، هذا بالإضافة إلى المَعارف الزّراعية الكبيرة التي حفظها. من دراسة كتاب الغَزِّي يجد القارىء أنّ الحياة الزّراعية في بلاد الشّام في القرنين التّاسع والعاشر الهجريين/الخامس عشر والسّادس عشر الميلاديين قد رَصَدها أحدُ أبنائها ممّن امتازوا بسعة المعرفة والثقافة والتَّجْرِبة، وقد أوضح التفوُّق الذي حازه الشّاميون في فَهْمهم لمعادلات الزّراعة، والقائمة على العلاقة بين التُّربة والمياه والمُناخ، وما تبع ذلك من نشاطٍ وجهدٍ بشري ولّدا ازدهاراً زراعياً كبيراً، رُغْم ما مرّت به البلاد من ظروفٍ سياسيةٍ وطبيعيةٍ متفاوتة التأثير. وقد بيّن الغَزِّي الأنظمة التي كانت سائدةً في عَصْره في معاملة الأرض والمياه، وما أنتجته لهم من محاصيل استعملوها في غذائهم وعلاجهم وزينتهم. وشرح ما ابتكره الشّاميون للحفاظ على تلك المحاصيل قبل وبعد قِطافها، في طرقٍ يكاد يكون معظمُها صالحاً إلى الآن. إنّ أهمية هذا الكتاب تكمن في حِفْظه لمعارف الفَلّاحين الشّاميين ومهاراتهم الزّراعية وبعض عاداتهم وألفاظهم اليومية، وبعض أمثالهم الشعبية المتعلّقة بالمُناخ والزّراعة. ولا يخفى أنّ أسلوب الغَزِّي اللُّغوي المتواضع والقريب من العامية، وحفظه لمفردات من اللهجة الشّامية العامية المتداولة سيُسهم في دراسة جانبٍ مهم من جوانب الحياة اليومية للمجتمع الشّامي إبّان القرنين التّاسع والعاشر الهجريين/الخامس عشر والسّادس عشر الميلاديين. كما لا تُغفل أهمية كتاب الغَزِّي في دراسة معتقدات النّاس الاجتماعية، وثقافتهم الشعبية المتوارَثة. وفي الوقت نفسه تكمن في تفوُّقه على كثيرٍ مما وصل إلينا من تراث زراعي عربي، فهو يمتاز بالعمق والشّمول والقرب من المفاهيم الزّراعية الحديثة. نبارك للدكتور الثامري هذا الإنجاز العلمي الكبير، وهو الذي عودنا على تحقيقاته المعتبرة ونتمنى أن يستمر في رفد المكتبة العربية بمثل هذه النصوص المهمة المحققة تحقيقاً عالياً. |
شبكة البصرة |
الخميس 14 ذو الحجة 1445 / 20 حزيران 2025 |
يرجى الاشارة الى
شبكة البصرة
عند اعادة النشر او الاقتباس |