بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

فلسطين تحرر امريكا من الابتزاز الصهيوني

شبكة البصرة

صلاح المختار

عندما يرتفع علم فلسطين في سماء أمريكا، مسحوبا بطائرة فوق ملعب ضخم يضم الاف الأمريكيين في شيكاغو، فثمة تغيير جوهري يحدث لم يحصل في أمريكا طوال 75 عاما، كانت أمريكا خلالها رهينة اللوبي الصهيوني، وكل من يملك فما خلقه الله للنطق أخرسته الصهيونية! لم يكن هناك أحد محمي من ابتزاز الصهيونية بتهمة معاداة السامية، كانت هذه التهمة كافية لتجعل أشد الناس عداء للصهيونية يصمت، بل احيانا يهتف بحياة اسرائيل، وهو يرفض في قرارة نفسه جرائمها، لأن عدم القيام بذلك سيكلفه فقدان عمله والتشرد والعزل والاضطهاد! طوال 75 عاما من عمر اسرائيل كان اللوبي الصهيوني يقوم بدور القامع والمانع والمشتري للضمائر و(صانع الملوك) في الكونغرس والاعلام والرئاسة وهولي وود ايضا!

ولكن الأمريكي الذي احنا مضطرا رأسه للعاصفة الصهيونية طوال أكثر من سبعة عقود القى بالخوف والذل في مزابل البيت الابيض، وارتفع صوته الذي منع سماعه منذ دهور ليصل الى مسامع كل متصهين في العالم وهو يقول: كفى أذلالا لنا ونحن في عقر دارنا، نمول اسرائيل ونمكنها من الاحتلال والابادة الجماعية لبشر مثلنا، وخرق كل قواعد احترام حقوق الانسان التي نتغنى بها، ومع ذلك لم تشبع اسرائيل من القتل وابادة البشر بل تنمرت وزدات عنفا ووحشية، واصبحنا نحن الجلاد الحقيقي بدعمنا لها وخوفنا منها! ووصل استسلامنا لها حد انها هاجمتنا لمجرد اننا طلبنا منها تخفيف جرائمها التي ترتكب بأسمنا وتنفذ بسلاحنا وتتم بحمايتنا!

والسؤال الذي يمتطي كل فضول هو: هل ما يجري الآن من تحولات جذرية في قناعات الرأي العام الأمريكي بسبب الجرائم الإسرائيلية في غزة فقط؟ دون ادنى شك فان الاخضاع القسري الطويل للامريكيين من قبل اللوبي الصهيوني هو الرافعة الاساسية للانتفاضة الامريكية الحالية ضد الصهيونية، فالاخضاع وصل حد الاذلال، والتحرر من الاذلال يقترن بانفجار كبير يعادل بقوته درجة الاذلال، وهو بهذه الطبيعة قوة لايمكن منعه في لحظة تاريخية حاسمة، وهذا الانفجار تدحرج بطاقة نفسية معقدة يصعب احتيازها والسيطرة عليها، وذلك هو ما منح انتفاضة احرار امريكا ذلك الزخم الهائل والديمومة المتحدية واجتياز الحواجز!

كانت ذاكرة الامريكي هي نبع تحديه واصراره بعد ان فتح بواباتها التي اقفلها مضطرا، فانداحت امامه كل صور الاضطهاد والقسر الصهيوني الذي تعرض له وتظاهر بقبوله طوال عقود، تحولت الامه الشخصية الى قوة دفع نحو اسقاط الصنم الصهيوني، وهذا الدافع هو مصدر الاصرار على التحدي في التظاهرات لان اي تراجع من المنتفض سوف لايعيده للاذلال الصهيوني فقط بل سيكون عبدا تام العبودية له، وسيصبح فلسطينيا اخرا! فتحرر الامريكي أصبح مقرونا بانتصار غزة، وانتصار الامريكي على أصنام الصهيونية، يعجل بأنتصار غزة، هذه هي المعادلة التي ولدت لتبقى.

لنعرف اهمية العامل النفسي في الانتفاضة الامريكية علينا تذكر ان المواطن الامريكي طوال عقود سبعة مضت كان يشعر انه حر بالكامل في شتم الرئيس الامريكي واي عضو في الكونجرس، وفي العدوان بالكلام حتى البذيء على اي شخصية مشهورة، ولكنه حينما يقترب من اسرائيل ورموزها يشعر انه عاجز عن القيام بذلك، لان المواطن الامريكي كان مخيرا بين الرضوخ لاسرائيل وابتزاز لوبيها في امريكا، وبين ان يفقد مصدر رزقه ويعزل ويوارى التراب وهو حي! ولهذا كان الحقد على اسرائيل يتراكم ويتزايد في لاوعيه وفي وعيه مع كل مديح لها يصدر منه وهو الكاره لها والرافض لاضطهادها! وكانت ثنائية الكره العميق لاسرائيل باطنيا وحبها المتطرف ظاهريا هي ما يميز الشخصية الامريكية! وهذه الحقيقة السايكولوجية هي التي اقعدت المواطن الامريكي على حافة كل من الحب والكراهية وليس في قليهما، ومن يجلس على الحافة ويرى ما تحته بوضوح يحرص اشد الحرص على عدم السقوط في القاع او القفز اليه الا عندما يقتنع بانه ذاهب لبر الامان! فهل انتفاضة امريكا تعبير عن رؤية بر الامان؟

هناك شجعان في امريكا انتقدوا ورفضوا الظلم الصهيوني في فلسطين والابتزاز للامريكيين، ولكن من انتقد علنا سرعان ما عزل، او تعرض لهجمات مكثفة ومنظمة، ومن بين الامثله الممثلان الشهيران ميل جيبسون وبن عفلق رغم انهما عملاقان في هولي وود! أذا انتفاضة احرار امريكا الحالية ليست فقط رفضا لجرائم اسرائيل في غزة بل هي ايضا تفجير ما دفن من مشاعر الاذلال الصهيوني المنظم لكل امريكي له رأي حر تراكمت عبر عقود! انه الانتقام القديم المؤجل من جرائم القمع الذي تعرض له الفرد الامريكي وهو الذي تعود على ان بامكانه ان يتنقد من يريد، ولكن حينما كان يصل الى اسرائيل فانها (تابو) محاط بقداسة لاتضاهى في امريكا، ولذلك لاتمس حتى بوردة!

هكذا كان حال ملايين الناس التي تدعم اسرائيل ظاهريا لكنها في الخفاء او في اللاشعور تنتظر الفرصه المناسبة للانتفاضة ضد قامعيها وغالقي افواهها، وجاءت جرائم اسرائيل في غزة لتفجر كل ما قمع واخفي.

بطولة غزة وتضحياتها الغالية والتي يشاهدها العالم حركت عوامل الشجاعة في الذات الامريكية وأزالت غطاء الخوف من العقاب الصهيوني الذي غمرها طوال عقود، وطغى شعور الامريكي بان حريته لن تكتمل الا بالتحرر من ابتزاز اللوبي الصهيوني الذي كان الرادع والمانع الوحيد لاكتمال هذه الحرية التي تمتع بها طوال عيشه في امريكا، ومعركة غزة هي في ان واحد معركة حرية المواطن الامريكي ومعركة الانتصار للانسانية التي تتعرض لجرائم بشعة في غزة.

امريكا تتغير بسرعة وهو تغيير جبار لن يقتصر في التاثير على نتائج الانتخابات الامريكية القادمة بل سيمتد اثره الى مستقبل امريكا، انه مقدمة لظهور قوى سياسية على الارجح ستنهي ثنائية الديكتاتورية الامريكية المموهة: اقتصار الحياة الحزبية على الفيل (الحزب الجمهوري) والحمار (الحزب الديمقراطي)، فهل سنرى سنرى مخلوقات جميلة تقود العمل السياسي مثل الغزلان الرشيقة والخيول الجميلة مبعدة عن ابصارنا صورتي الحمار المتصهين الغبي بايدن والفيل العاجز عن حمل أثقال خطاياه ترامب؟ هل سنرى حزب النمور او حزب الاسود ممثلة لقوى يسارية تظهر لتفترس الحمار والفيل وتخلص البشرية من عفنهما وتفاهتهما المفرطة؟

وهناك عامل اخر وهو شعور المواطن الامريكي بان مجتمع الرفاهية في امريكا انتهى، وان امريكا تقترب من التفكك اذا بقيت على حالها هكذا، والا ستتحول قريبا الى دولة عالمثالثية، فمنذ الازمة المالية في عام 2008 بدات مظاهر تفكك امريكا وكان من بين اهم مؤشراته اعلان ولاية كاليفورنيا رغبتها في الاستقلال عن الاتحاد الفدرالي الامريكي وأيدتها 10 ولايات اخرى غنية تمول الولايات الفقيرة، وظهرت مرة اخرى هذه الدعوة مؤخرا حينما رفعت تكساس شعار الانفصال وتاسيس دولة مستقلة، واقترن بتجاوز الدين العام مبلغ 32 تريليون دولار وهو مبلغ اسطوري يهدد بانهيار امريكا في اي لحظة، والمواطن الامريكي اخذ يتحول الى مواطن لا يختلف في مستوى عيشه وحريته عن مواطن العالم الثالث. فعندما تقارن مدن وصناعات وحياة امريكا بما يجري في الصين من انتقال من دولة متخلفة من العالم الثالث الى دولة تذهل الناس بشوارعها وبناياتها وانتاجها وقدرتها على الابداع والخلق، وبتقدمها التكنولوجي وتحويلها صحارى الى مدن خضراء، عندما تقارن تدرك ان امريكا تذوب والصين تزداد عملقة وتقدما! وكل ذلك بفضل الاشتراكية في الصين.

ومقابل ذلك يرى المواطن الامريكي ان الحلم الامريكي الذي دفعه للهجرة الى امريكا هو او والده يتلاشى بسرعة هائلة وتنحدر امريكا والذي يعني انه سيضطر الان الى الهجرة من امريكا مرة اخرى بحثا عن مكان اخر للعيش الامن والرغيد، وبالفعل فان الاف الامريكيين هاجروا الى بلدان اخرى وستزداد الهجرة مسقبلا. ما الذي تولده الملاحظات السابقة؟ بأختصار: امريكا تواجه تحديات مركبة وخطيرة، ونضال الامريكيين مزدوج: انهاء قمع وسيطرة اللوبي الصهيوني، واطلاق الحريات التي حجّمت، فلننتظر ولنرى اين ستتجه امريكا واسرائيل، فهما الان على مفترق طرق، وسيكون اكبر اعياد البشرية زوالهما معا، لان اكبر تحد للبشرية في تاريخها هو السرطان الصهيوامريكي.

Almukhtar44@gmail.com

10-5-2024

شبكة البصرة

الخميس 1 ذو القعدة 1445 / 9 آيار 2024

يرجى الاشارة الى شبكة البصرة عند اعادة النشر او الاقتباس
المقالات والتقارير والاخبار المنشورة في شبكتنا لا تعبر عن راي الشبكة بل عن راي الكاتب فقط