بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ |
رؤية في معنى اقتراح (عيد الغدير) صدرياً وإقراره إطاريا من الذي حمل فكرة مقتدى إلى البرلمان؟ ولماذا؟ |
شبكة البصرة |
مصطفى كامل |
الصدر والآخرين، خلافٌ على الهدف أم اختلافٌ في المنهج؟ غابت تماماً عن أنظار كلِّ الذين تصدّوا للحديث في فتنة إقرار عيد الغدير الصفوي البويهي في العراق، خلال الأيام الماضية، قضيةٌ بالغةٌ الأهمية، وقد انتظرت برهةً من الزمن لعلَّ أحداً يُشير لها فيوفّر عليّ مهمة الحديث عنها فلم أجد، لذا أكتب بشأنها الآن. معلومٌ أن مقتدى الصدر هو، وليس غيره، من دعا إلى اعتماد هذه المناسبة عيداً رسمياً في عموم البلاد وليس يوماً شعبياً محصورٌ الاحتفال به في صفوفِ طائفةٍ معينةٍ أو بعضٍ منها فحسب كما كان الأمر عليه طيلة العقدين الماضيين التاليين لغزو العراق واحتلاله سنة 2003. وحتى يأخذ هذا الموضوع صفته الرسمية المقنّنة كان لابدَّ له أن يمرَّ من بوابة البرلمان، ويُشرّع بقانونٍ يكتسب صيغةً إلزاميةً لكل العراقيين، رغماً عنهم، حتى لا يبقى مجرد دعوةٍ مقتدائيةٍ هائمةٍ في الفضاء الغوغائي. ومعلومٌ أن مقتدى سحب تياره من مجلس النهّاب (البرلمان) منذ أكثر من سنتين. فكيف أُدرج هذا الموضوع ضمن مشروع قانون العطل والأعياد الذي صوّت عليه المجلس قبل أيام؟! ومن الذي تبنّى هذا المقترح المقتدائي وحمله من الفضاء الغوغائي وتقدّم به إلى رئاسة المجلس حيث التيار الصدري غير ممثّلٍ في (البرلمان)؟! الإجابة الوحيدة لهذين السؤالين هي أن أعضاء المجلس التابعين لأطراف الإطار التنسيقي، كلّهم أو بعضٌ منهم على الأقل، هم من تقدّم به لرئاسة المجلس لإدراجه ضمن جدول أعمال البرلمان، مستغلّين وجود صنيعتهم محسن المندلاوي في منصب الرئاسة حالياً، مع الهوان المُريع لمن يدّعي تمثيل العرب السنة سياسياً سواءً في هذا المجلس أو خارجه. وحتى إن كان بعض الإطاريين فقط هم من تقدّم بهذا المقترح، فإن المؤكد أنهم جميعاً صوّتوا عليه بالموافقة، وأنهم جميعاً لم يُحجموا عن الترويج له قبل إقراره، وأنهم جميعاً عبّروا عن الفرح به بعد ذلك. غير أن هذه الحقيقة، التي لا مناص من الاعتراف بها، تصطدم بفكرةٍ شائعةٍ كثيراً مفادها أن بين الإطاريين والصدريين صراعٌ وقطيعةٌ وخلافٌ جذريٌ عميقٌ في المواقف والسياسات، فكيف حدث هذا إذاً؟! ولماذا حدث أصلا؟! بل لماذا يتقدّم الإطاريون بخطوةٍ تجعل من مقتدى (بطلاً) في نظر (الشيعة) باعتباره هو من جعل إقرار مفهوم الولاية والوصاية بشكل رسمي واقعاً في العراق؛ بكل ما يحمله هذا الإعلان من معانٍ ودلالاتٍ رمزيةٍ للطائفة من جهة، وصبغةٍ لهوية البلاد بالمجمل من جهة ثانية؟! الحفاظ على "سلطة الطائفة" أسمى بكثيرٍ جداً من أيّ اعتبارٍ آخر عند جميع الأطراف الممثّلة للتشيع السياسي في العراق، فالجميع (جنودٌ) منذورون لتحقيق "سلطة الطائفة" أو تسلّطها في الحقيقة.
الإجابة الصحيحة على هذه الأسئلة هي: 1. إن البرلمانيين (الشيعة)، صدريين وإطاريين، يتناوبون المهام فيما بينهم، وكلّهم في المحصّلة يخدمون هدف إثارة الفتن الطائفية في العراق، وأن استقرار البلاد ولو بشكلٍ هشٍّ ومرحليٍ ليس في واردهم على الإطلاق. 2. إن الحديث عن صراعاتٍ بين الطرفين الرئيسين الممثلين للتشيّع السياسي في العراق، الصدري والإطاري، أو الولائي كما يسميه بعض الأشخاص، إنما هو حديثٌ كاذبٌ ومضلّل بالجملة، فالجميع تحرّكهم دوافعُ واحدة، والجميع ينطلقون من نقطةٍ واحدة، والجميع يسعون إلى غايةٍ واحدة، لكن السبل نحو تلك الغاية قد تختلف، وتوقيتات إدارة المسعى قد تتباين، لا غير. 3. إن أيَّ خلافٍ قد يبدو ظاهرياً، أو ينشب بالفعل ربما، بين الصدريين والإطاريين، إنما هو خلافٌ على (الفوز) بتمثيل الطائفة بكل ما يحمله ذلك من مكاسب النهب الواسع لموارد البلاد وسرقة ثروات الشعب، ونيل رضا الولي الفقيه في إيران الذي هو (الربّ الأعلى) للجميع، فحسب، ولا يتعلّق بموقفٍ جوهريٍ بينهم البتّة. 4. إن الحفاظ على "سلطة الطائفة"، بكل ما يعنيه ذلك وما يرافقه، أسمى بكثيرٍ جداً من أيّ اعتبارٍ آخر عند جميع الأطراف الممثّلة للتشيع السياسي في العراق، فالجميع، وإن اختلفوا، ليسوا سوى (جنودٍ) منذورين لتحقيق "سلطة الطائفة" أو تسلّطها في الحقيقة. 5. إن هدف محو هوية العراق العربية الإسلامية هدفٌ يشترك فيه الجميع، التيار الصدري وأطراف الإطار التنسيقي، لصالحِ هويةٍ صفويةٍ بويهيةٍ نسمّيها (عراق الحاكم الجعفري) وهي هوية سياسية لا تحمل دلالةً مذهبيةً من جانبنا، وإن بدا كذلك للبعض، لأنها بالضبط الهوية السياسية التي طالب بها الخونة الغادرون في فتنة آذار/مارس 1991 وعمّت كل مدن جنوب العراق وفراته الأوسط وهدّدت العاصمة بخطرٍ قاتلٍ حينما باتت على مشارف بغداد الجنوبية تماما. 6. إن منح مقتدى هذه الفرصة لم يكن قراراً داخلياً بين أطراف الإطار التنسيقي، وإنما هو تنفيذٌ لقرارٍ أعلى ورد من طهران التي تخضع لها كل تلك الأطراف وتدين بالتبعية المطلقة التي لا يتخلّف عنها أحد وإن اختلفت صيغ التعبير عن تلك التبعية المطلقة بين الأطراف المعنية. 7. في النهاية فقد جرى تقاسم (الفخر) بهذا (المنجز) بين الجميع، فمقتدى (فاز) بكونه هو من اقترح، والإطاريون يشاركونه في هذا (الفوز) فهم من قدّم المقترح للبرلمان وهم من صوّت بالإيجاب عليه، وحكومتهم هي من ستقرّه رسمياً وهي من ستنفّذه بالفعل على أرض الواقع. وهكذا سيحصل كلّ طرفٍ من أطراف التشيّع السياسي في العراق على (فرصته) التاريخية وعلى (مجده المؤثّل) بتحقيق هذا الحلم الطائفي المنشود منذ أيام الاحتلال البويهي ثم الصفوي للعراق، والذي لم يتحقّق طيلة تلك القرون لأن الأمة كانت تحوز على مصدّات فكرية وعوامل قوة ذاتية كانت تمنع ذلك وتتصدّى لكل محاولة اختراقٍ، وقد غاب كل ذلك اليوم!
هدف محو هوية العراق العربية الإسلامية يشترك فيه الجميع، التيار الصدري والإطار التنسيقي، لصالحِ هويةٍ صفويةٍ بويهيةٍ نسمّيها (عراق الحاكم الجعفري) وهي بالضبط الهوية السياسية التي طالب بها الخونة الغادرون في فتنة آذار/مارس 1991. وطبعاً فإن إقرار هذه المناسبة رسمياً لا يتعلّق برغبة أطرافٍ إطاريةٍ بتحميل مقتدى أيّة نتائجَ سلبيةٍ قد تحدث في البلاد من جراء ذلك، وحدث بالفعل بعضٌ منها، كما قد يقول قائلٌ من المؤمنين بنظرية المؤامرة التي لا محلَّ لها هنا، وذلك لسبيين: 1. إن الأطراف الإطارية هي التي صوّتت على مشروع القانون وليس الطرف الصدري، حتى وإن كان المقترح صدرياً في الأصل، وبالتالي فإن الأطراف الإطارية هي من سيتحمّل العواقب، لأنها هي التي تقدّمت به وهي التي صوّتت عليه برلمانياً وهي من ستنفّذه حكومياً، والصدر ليس سوى (أبٍ روحي) له فقط. 2. إن هدف محو هوية العراق العربية الإسلامية الأصيلة، وإلباسه لبوساً طائفياً ملفّقا ليس محلّ خلافٍ بين كلّ الأطراف حتى يكونَ مجالاً لمثل هذه المناورة السياسية مفضوحة الغباء. وقد رأينا في أعقاب تفجير مرقد سامراء في شباط/فبراير سنة 2006 كيف أجمعت كلّ الأطراف المنضوية حينها إلى جانب مقتدى الصدر ضمن "الإئتلاف العراقي الموحّد" الذي كان يمثّل التحالف الشيعي، وأعني بها حزب الدعوة، حزب الفضيلة، المجلس الأعلى، فيلق بدر، المؤتمر الوطني (أحمد الجلبي) وغيرهم، أجمعت كلها على تأييد ما فعلته القطعان الهائجة، وهي صدريةٌ بالدرجة الأولى، من قتلٍ ونهبٍ وحرقٍ وتدمير. بل إننا رأينا كيف أن الأطراف الأخرى، دعوية ومجلسية وغيرها، أمّنت لتلك القطعان الصدرية فرصة إشعال الفتنة الطائفية، ووفّرت لها فرصة إدامتها لأكثر من سنتين، ووفّرت الحماية لمرتكبيها لأن (ثمار) تلك الفتنة تقع في سلّتهم جميعاً، باعتبارهم الممثلين الحصريين للتشيّع السياسي في عراق ما بعد الاحتلال، وهو ما حدث بالفعل في المراحل التالية حيث جنت كلّ تلك الأطراف (مكاسبَ) المالِ والنفوذِ والسلطة بدعمٍ إقليمي ودولي ينطلق من منافع قصيرة المدى أو من مخططات تآمرية لئيمة مُسبقة، وخسرَ الشعب والوطن كلّ شيء. وبالطبع فقد كانت الأرجحية للقطعان الصدرية في تنفيذ تلك المجازر والجرائم لكون الصدر يمتلك شارعاً غوغائياً يسهل تهييجه ويُمكن ببساطة حشده باتجاهاتٍ معينة بإشارةٍ من زعيمه، وهذا الشارع ما يزال كذلك حتى بعد مرور أكثر من 18 سنة على اندلاع تلك الفتنة الهوجاء التي كلّفت العراق مئات الآلاف من الضحايا والكثير الكثير من الخراب والتدمير وأسهمت عميقاً بتفتيت نسيج المجتمع، وهو شارعٌ ما تزال أوساطٌ فاعلةٌ فيه قادرةً على ارتكاب المجازر والجرائم، كيف لا وهو الشارع الذي أنشأ أول ميليشيا مسلّحة بعد غزو العراق سنة 2003 ارتكبت ما ارتكبت من فظائع لم يكن العراقي، منذ غزو هولاكو، يظنّ أنه سيعيش مثلها في القرن الحادي والعشرين أبدا. وجهات نظر |
شبكة البصرة |
الاحد 18 ذو القعدة 1445 / 26 آيار 2024 |
يرجى الاشارة الى
شبكة البصرة
عند اعادة النشر او الاقتباس |