بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

بأيِّ قرآنٍ يؤمن علي السيستاني وأتباعه؟!؛

شبكة البصرة

مصطفى كامل

ملاحظة تمهيدية

هذا ليس بياناً مني في تكفير أحد، فهذا ليس من تخصّصي وهو أمر لا يعنيني ولا أسمح لنفسي به، فمن أنا لكي أكفّر الناس؟!

مهمتي الوحيدة هي إلقاء الضوء على قضية حسّاسة جداً وبالغة الخطورة لكي يعرف الناس حقائق ما يؤمنون به ويعتقدونه، ويفتحوا عيون عقولهم وليس تلك المثبّتة في رؤوسهم فحسب.

والأمر في النهاية للشخص المعني في اعتناق ما يشاء من عقائد تقرّبه من دين الإسلام أو تُبعِده عنه.

يرى المرجع الشيعي الأعلى علي السيستاني أن أئمة آل البيت يحِقّ لهم، لأيّ سببٍ يرونه وفي أيّ وقتٍ يرغبون به، وإلى قيام الساعة، نسخَ آياتٍ من القرآن الكريم، أي رفعها من المصحف تماماً أو إبطال الأحكام الشرعية الواردة فيها مع الإبقاء عليها في المصحف، ولا يحقّ لأحدٍ منازعتهم في ذلك فهم معصومون لا يُسألون.

بعض الأسباب، بحسب السيستاني، تعود إلى قرارٍ من الأئمة شخصياً، بعبارةٍ أخرى يصحو الإمام المعني ليقرّر من تلقاء نفسه حذف آيةٍ ما تماماً أو نسخ الحكم الوارد فيها (لا تستخدم عقلك لتسأل: كيف يقرّر الإمام ذلك؟ وإلى أي قاعدةٍ يستند؟).

وبعضٌ آخر من تلك الأسباب يعود إلى رسائل أودعها الرسول لدى الأئمة (لا تستخدم عقلك لتسأل: من كتبها له؟ ومتى؟ ولماذا؟ وكيف أودعها؟ وعند من أودعها؟ ومتى؟ وأين تُحفظ؟ ومن يوصلها للإمام المقصود بالذات؟) وهذه الرسائل يفتحها الإمام عند حلول وقتها (لا تستخدم عقلك لتسأل: كيف يعرف المعني حلول وقتها؟ ومن أوصلها له وكيف؟) وما عليه هو، أي الإمام المعني، إلا أن ينفّذ مضمونها!

ورفع الآيات كلياً أو إبطال أحكامها غير متاحٍ حتى للرسول الخاتم بنصّ القرآن الكريم في آيات بيّنات كُثر تتحدث عن كونه "بشيرٌ" و "نذيرٌ" فحسب، وتحسم ذلك قطعياً الآية 15 من سورة يونس ﴿وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَٰذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾.

وهذا المعتقد، نسخ أئمة آل البيت للقرآن الكريم، بالغ الخطورة، يُخرج قائله ومن يعتقد به من دين الإسلام بالكامل، لثلاثة أسباب، مع ملاحظة أنني لست معنياً بتكفير أحد بل ببيان الحق للناس:

لأنها ترفع أئمة آل البيت إلى مرتبة الألوهية، حيث الله تعالى وحده من يُقرّر الأحكام الشرعية الواردة في القرآن الكريم، والإمام بحسب هذه النظرية يُشارك رب العالمين في هذا الحق الحصري له جلّ جلاله، وقد يأتي علينا يومٌ يتفوق فيه الإمام على الله تعالى في هذا الحق وربما في سواه كذلك، وما فكرة "الولاية التكوينية" التي يتنازل فيها رب العالمين عن بعض صلاحياته أو كلها، حاشاه، لأئمة آل البيت عنا ببعيدة.

لأنها تجعل أئمة آل البيت في مرتبةٍ أعلى من مرتبة النبوة، فالنبي كما قلنا لا يحقُّ له نسخ آيات القرآن الكريم بينما يحقُّ للإمام المعصوم ذلك.

لأنها تجعل أئمة آل البيت يتشاركون مع الأنبياء في تلقّي الوحي عن الله. هذا إن قلنا، من باب حسن الظن، إن الإمام المعني لا ينسخ الآيات القرآنية من تلقاءِ نفسه وإنما بوحيٍ من الله. أي أنه تعالى يأمر الإمام بنسخ الآية القرآنية المعنية وهو يبلّغ الناس بالأمر الإلهي فقط.

صحيح أن زعيم الثورة الإيرانية ومرشدها الأول روح الله خميني قال في الصفحة 93 من كتابه "الحكومة الإسلامية" ما نصّه "من ضروريات مذهبنا أنه لا يصل أحد إلى مراتب الأئمة المعنوية حتى الملك المقرّب والنبي المرسل" حيث "جميع ذرات الوجود خاضعة أمام ولي الأمر"، وقد جاء قوله هذا على نحوٍ أقدم من قول السيستاني وأشمل أيضاً، إلا أن خميني ليس مرجع الشيعة الإثنى عشرية الأعلى، ولم يكن كذلك يوماً ما، وإن كان قائدهم السياسي الأعلى، بينما السيستاني هو المرجع الأعلى للطائفة ومنه، لا من خميني أو حتى خامنئي، يؤخذ الفقه والاعتقاد وغير ذلك.

وهنا تكمن خطورة ما يقوله السيستاني قياساً إلى ما قاله خميني من قبل.

ولا أدري في الحقيقة إن كان المرجع الشيعي الأعلى يرى أن لنائب الإمام مثل هذا (الحق) كلياً أو جزئياً باعتباره نائباً للإمام الخاتم وهو المهدي المنتظر المختفي منذ أكثر من 1200 سنة، فالإمام غائبٌ الآن ونائبه يتولى شؤون (المسلمين) نيابة عنه، و (المصلحة) تقتضي نسخ بعض الآيات ربما (ولا تسأل عن معنى كلمة "المصلحة" ودلاالاتها، فهذه كلمة غامضة فضفاضة المعنى والدلالة هنا)، فما الحل؟!

هل الأمر يعود للإمام المعصوم حصراً ولا يحقّ لنائبه استخدام هذه الصلاحية؟! أم أن نائبه يحقّ له ممارسة بعض الصلاحية في هذا الخصوص أسوة بما يقوم به "النائب" في شؤونٍ أخرى محصورة بالإمام المعصوم أيضا؟!

أو لعلّ الإمام يُكلّف نائبه بإعلان نسخ آيةٍ ما؛ بعد أن يكون قد أبلغه بذلك في أحد لقاءاتهما الدورية المباشرة، أو عبر مكتب بريد حسينية جمكران بمدينة قم الإيرانية، أو عبر وسائل اتصالٍ متطورةٍ مختلفةٍ ذكر بعضها إمام جمعة طهران كاظم صديقي في تموز/يوليو 2012 بإعلانه أن "الإمام المهدي له ارتباطٌ مباشر مع مرشد إيران علي خامنئي، وأن هذا الارتباط يتم أحياناً عبر الهاتف أو الموبايل، وفق الظروف". وكالعادة فلا داعي لأن تستخدم عقلك هنا، لذا لا تسأل عن الظروف ولا عن نوع الهاتف ولا عن الشبكة المستخدمة، ولا من يدفع فواتير الهاتف؟ ولا كيف يشحن "الإمام" هاتفه بالطاقة؟ وغير ذلك من الأسئلة التي لابد أن تردَ على بال كل ذي عقل.

هذا ما ينبغي أن يجيبنا عليه المرجع الشيعي الأعلى أو يترك الأمر لمرجعٍ يأتي من بعده ليحسم هذه القضية.

كما يجب على المرجع الشيعي الأعلى أن يقدّم لنا قائمة كاملة بالآيات المنسوخة حتى الآن، سواءً تلك التي نُسِخت بناءً على رغبات الأئمة وأمزجتهم، على وفق قواعد (المصلحة) وهي غير محددة الأسس طبعاً، أو تلك التي نُسِخت بناءً على رسائل الرسول، وهي مكذوبة بالتأكيد، لكي نفهم تفاصيل دين السيستاني وبأيِّ قرآنٍ يؤمن على وجه الدقة.

وفي كل الأحوال، أعتقد أن إلغاء فريضة جهاد المحتلين "جهاد الدفع" واحدٌ من تلك الأحكام المنسوخة في دين السيستاني باعتبار الأميركيين في العراق ضيوفاً لا محتلين.

بقي أن أقول إن هذه الفكرة الخطيرة وردت في كتاب "الرافد في علم الأصول" وهو سلسلة محاضرات السيستاني في العقائد ألقاها على طلبته وتولّى أحدهم جمعها وتبويبها، ونشرها مكتبه في قم مع تقريضٍ من المرجع نفسه أكد فيها أنها "وافيةٌ بالمراد" و "مستوعبةٌ" لما ذُكر في مجلس الدرس".

وهنا أشير إلى أن من يقرأ الكتاب يجد فيه محاولة فارسية دنيئة لنسخ القرآن الكريم كله باستخدام الفلسفة والمنطق والقرائن (العقلانية) في تفسير آياته وفي التشكيك في أزليته، وفتح الباب أمام تفسيرات لا حدَّ لها للآيات، وهذا مسلك فلسفي اعتمده الفرس منذ أيام الدولة العباسية، بدءاً بإخوان الصفا، وخاب فالهم فقد حفظ الله تعالى قرآنه بعيداً عن أيدي العابثين ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾.

وجهات نظر

شبكة البصرة

الثلاثاء 21 شوال 1445 / 30 نيسان 2024

يرجى الاشارة الى شبكة البصرة عند اعادة النشر او الاقتباس
المقالات والتقارير والاخبار المنشورة في شبكتنا لا تعبر عن راي الشبكة بل عن راي الكاتب فقط