بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

إيران، رئيس جمهورية جديد تحت سلطة المُرشد الأعلى

شبكة البصرة

بقلم: ماجد مكي الجميل

حددت السلطات الإيرانية يوم 28 حزيران/يونيو المُقبل موعداً لإجراء الإنتخابات الرئاسية عقب مصرع الرئيس إبراهيم رئيسي في 19 أيار/مايو 2024 إثر تحطُّم طائرته العمودية، وهو حدث حامت حوله شُبهات دون أن يُبددها إعلان نتائج التحقيق الرسمي الأولي.

 

لأنَّ ”جمهورية إيران الإسلامية” - وهو إسمها الرسمي -، جمهورية ”خاصة جداً” من حيث طبيعة نظامها السياسي الذي قد لا يكون له شبيه بين كافة الأنظمة السياسية في العالم، فليست هناك قيمة تُذكر لانتخاب رئيس الجمهورية، مثلما سنرى بعد قليل.

 

ينفرد النظام في إيران بوجود رئيس جمهورية ”مُنتَخَب” مِن الشعب، غير أن سلطاته وصلاحياته أدنى بكثير من سلطة شخص آخر ”غير مُنتَخب”، هو: ”المرشد الأعلى للثورة الإسلامية” - حسب اللقب الرسمي، ويُسمى أيضاً بـ ”ولي الفقيه” -. بل أنَّ المُرشد هذا يحق له عزله ”إذا اقتضت مصالح البلاد”. (الفقرة 10 من المادة 110) من الدستور.

 

هناك 12 عضواً، جميعُهم ”غير مُنتخَبين”، ينضوون في مُجمََّع خاص باسم ”تشخيص مصلحة النظام”، يتولونَ إختيار المُرشد الأعلى. لكن المرشد نفسه يتمتع بصلاحية تعيين 6 من هؤلاء الذين سيختارونه (الفقرة 1 من المادة 91)، وهو مَن يوافق على تعيين الستة الآخرين بعد ترشيحهم مِن قِبل السلطة القضائية (الفقرة 2 من المادة 91).

 

أكثر من هذا، رئيس الجمهورية نفسه ”المنتخب” من قبل الشعب (حتى وإن كان ذلك شكلياً، مثلما سنرى بعد قليل)، والصلاحيات التي يتمتع بها، يخضعان تحت السلطة المُطلقة لـ ”المرشد الأعلى”، وهذه ظاهرة دستورية شاذة تُلغي قيمة إنتخاب الشعب لرئيس الجمهورية، مثلما تُلغي نسبياً إرادته في إختيار ممثلة.

 

تمنح المادة 110 من الدستور الإيراني المرشد سلطات مُطلقة جعلته صاحب الكلمة الأعلى في الدولة. فهو حسب المادة: القائد الأعلى للقوات المسلحة، والقائد العام لقوات حرس الثورة، وهو الذي يُقرِّر الحرب والسلم، ويُعيِّن رئيس أركان القيادة المُشتركة للجيش والقائد العام لقوات حرس الثورة. هو أيضاً يرسم السياسات العامة للنظام، ويُصدر الأمر بالإستفتاء العام، ويعزل رئيس الجمهورية، و”تُمارس السلطات الثلاث (التشريعية والتنفيذية والقضائية) صلاحياتها بإشراف ولي الأمر المُطلق وإمام الأمة” (المادة السابعة والخمسون). يملك المُرشد صلاحيات الفصل في كل شؤون الدولة، ويشرف على عمل مُختلف سلطات الدولة، ويُصدر الأمر بالإستفتاء العام، وهو الذي يُعيِّن رئيس السلطة القضائية، ورئيس مؤسسة الإذاعة والتلفزيون - وردت مؤسسة الإذاعة والتلفزيون مرتَين في الدستور دون وسائل الإعلام الأخرى (المادتان 110 و177).

 

في فقرة جامعة واحدة، تقول المادة 107: ”يتمتع القائد المُنتَخب بولاية الأمر، ويتحمل كل المسؤوليات الناشئة عن ذلك”. وقالت مقدمة الدستور (فقرة تحت عنوان ولاية الفقيه العادل): ”إعتماداً على إستمرار ولاية الأمر والإمامة، يقوم الدستور بإعداد الظروف المناسبة لتحقيق قيادة الفقيه”…الخ

 

غير أن لهذا الوضع الغريب حيث ”يتفوَّق المُرشد غير المُنتخَب على رئيس الجمهورية المُنتخَب”، أسبابه ”المعقولة”، حسبما يبدو ”من وجهة نظر خاصة”.

 

فإذا كان رئيس الجمهورية يستمد شرعيته من إرادة الشعب الذي ”إنتخبه”، فإن ”ولي الفقيه” يستمد شرعية دينية ودنيوية مُطلقة مِن الله، وأنَّ الله كلَّفه بتنفيذ ”رسالة إلهية” وصلته عِبر قوة روحية خَفية في عالم الغيب (سنرى أن تعبير ”الرسالة الإلهية” قد ورد في الدستور الإيراني). بديهي، مَن يحمل رسالة سماوية من الله، لابد أن تكون سلطاته أعلى من أي سلطة أخرى.

 

تظهر ”الرسالة الإلهية” للمرشد جليَّةً في المادة الخامسة من الدستور الإيراني التي تقول: ”في زمن غيبة الإمام المهدي (عجَّلَ الله تعالى فرجه)، تكون ولاية الأمر وإمامة الأمة بيد الفقيه العادل المُتقي، البصير بأمور العصر، الشجاع القادر على الإدارة والتدبير”. تأكيداً لذلك، نصَّت المادة السابعة والسبعون بعد المائة أن ”ولاية الأمر وإمامة الأمة”، مِن بين أمور أخرى، ”لا تقبل التغيير” في أي تعديل دستوري.

 

أما عن تنفيذ ”الرسالة الإلهية” المُناط بولي الفقيه، فيتجلى ذلك في مقدمة الدستور. لما كان التنفيذ يتطلب القوة العسكرية، وباعتبار أن المرشد هو القائد العام للقوات المسلحة، فقد جاء في مقدمة الدستور (تحت فقرة ”الجيش العقائدي”) ما نصَّه: ”لا تلتزم القوات المسلحة بمسؤولية الحماية وحراسة الحدود فحسب، بل تحمل أيضاً أعباء رسالتها الإلهية، وهي الجهاد في سبيل الله، والجهاد من أجل بسط حاكمية القانون الإلهي في العالم”.

 

ليس من مكان هنا للتأكيد أن ”الرسالة الإلهية” التي كُلِّفَ بها المُرشد مِن قِبل الله، ميدانها الأقطار العربية كافة والشعب العربي في المقام الأول، ثم البلدان الإسلامية والمسلمين جميعاً مِمَن لا يتبعون ”ولي الفقيه”، قبل أن ينشر ”رسالته” في آخر المطاف في العالم كله. هذه الرسالة السماوية، أصبحت جزءً لا يتجزأ من النظام السياسي الراهن في إيران وما يتبع من سياسات عسكرية وأمنية وإقتصادية وإجتماعية. ولأنها ”رسالة إلهية”، أصبح من إولى واجبات النظام الإيراني نشرها، عبر شن الحروب والتوسع والإمتداد في الوطن العربي.

 

ما يتعلق بـ”القوة الروحية” الوسيطة بينَ الله وولي الفقيه التي مَنحت الأخير سلطاتٍ دينية عليا شبيهة بسلطات الكنيسة في القرون الوسطى، فهيَ مُمثَّلة، على أغلب الظن، في الإمام الثاني عشر -أو المهدي المُنتظَر عند الشيعة الإمامية-، المُختفي منذُ أحد عشر قرناً لحظة دخوله سرداب بمدينة سامراء (نحو 130 كم شمال غرب بغداد) خشية من شرطة الدولة العباسية.

 

ولأنهما ينحدران معاً من سلالة الحسين بن علي بن أبي طالب (رضي الله عنهما)، وطبقاً للمادة الخامسة من الدستور (أعلاه)، يحق للمرشد الأعلى الحكم باسم المهدي المنتظر طالما واصل هذا الأخير غيابه منذ أكثر من 1100 سنة. ولانعدام أي أسباب عقلية أو طبيعية تسمح بإمكانية الظهور العلني للمُنتَظَر لكل الناس، فإن ولي الفقيه - الحالي ومَن يليه - سيواصل الحكم بسلطاتٍ مُطلقة لحين ظهور الغائب أو حتى الممات، بكل تأكيد.

 

لا نعرِف الكثير بأي وسيلة بعث الله تعالى ”رسالته الإلهية” للدعيّ الأول في ذلك، وهو مؤسس نظام ”الجمهورية الإسلامية” سيد روح الله موسوي خُميني ـ حسب اللقب الرسمي باللغة الفارسية ـ. كما لا نعرِف مَن هو الرسول الذي نقل الرسالة، ولا النص الحرفي لها، ولا تاريخ إيصالها، فهذه أمور لم يكشف عنها خُميني ولا وريثه. غير أنه يُمكن التخمين عموماً أن ”الرسالة” قد أرسِلَت بعد شباط/فبراير 1979، تاريخ تولي خميني السلطة في إيران وتأسيس ”جمهورية إيران إلإسلامية”.

 

قد يكون، مِن دونِ جزم، أن الإمام الغائب هو مَن أوصل الرسالة إلى خميني. ما يؤكد هذا الإفتراض، أن خميني أعلن لأول مرة في التاريخ الشيعي، أنه أصبح ”نائب الإمام الغائب”، وأن كافة أقواله وفتاواه مُستمدة من الغائب، وهي أوامر الله. بعد وفاته، أورث خميني، إلى حد ما، تلك النيابة إلى المرشد الحالي علي خامنائي، إلَّا أنه، لسبب غير معروف، لم يستخدم الأخير لقب ”نائب الإمام”، بل ”ولي الفقيه”، ولا أظن هناكَ فرق كبير بين التسميتَين.

 

أما عن ”إنتخاب” رئيس الجمهورية في إيران، فهو الآخر ”خاص جداً” كاختيار المرشد الأعلى. الترشيح لرئاسة إيران لا يتم وفق المبدأ الديمقراطي الحر المعروف الذي تكفله الدساتير، أي الحق الطبيعي لأي مواطن في ترشيح نفسه للرئاسة عند إستيفائه السن القانونية وشروط معينة معقولة أخرى.

 

في حالة إيران طبقاً للدستور، يمرّ الترشيح لرئاسة البلاد على مُجمع ”تشخيص مصلحة النظام” الخاضع تحت سلطة المرشد ومعه هيئة أمنية خاصة تابعة لوزارة الداخلية، أغلب أعضائها من الملالي وجميعهم من عناصر النظام. يتولى هؤلاء إنتقاء مرشحين لخوض الإنتخابات ورفض آخرين حتى وإن إستوفوا شروط الترشيح.

 

المهمة ذاتها يُمارسها مُجمع ”تشخيص مصلحة النظام” والمؤسسات الأمنية في الترشيح للإنتخابات النيابية (مجلس الشورى الإسلامي)، إذ يقوم المجمَّع باختيار المُرشحين، والمصادقة على نتائج إنتخابات مجلس النواب مع حق للمرشد الأعلى في عزل أعضاء المجلس (الفقرة 6 من المادة 110).

 

مجلس النواب ”المُنتَخَب” يفقد وجوده وكينونته في غياب المجلس المُشرِف عليه ”مجلس صيانة الدستور” لأي سبب من الأسباب. تقول المادة 93: ”لا مشروعية لمجلس الشورى الإسلامي دون وجود مجلس صيانة الدستور”. كما يتوجب على مجلس الشورى إرسال جميع ما يُصادق عليه من قرارات وقوانين إلى مجلس صيانة الدستور للمصادقة النهائية، ودون ذلك، لا يُعتبر القانون نافد المفعول.

شبكة البصرة

 الاربعاء 21 ذو القعدة 1445 / 29 آيار 2025

يرجى الاشارة الى شبكة البصرة عند اعادة النشر او الاقتباس
المقالات والتقارير والاخبار المنشورة في شبكتنا لا تعبر عن راي الشبكة بل عن راي الكاتب فقط