بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

ألم نقل انها اسرائيل الشرقية؟

شبكة البصرة

صلاح المختار

بعد غزو العراق وما حصل فيه، خصوصا ثبات انه (لولا الدعم الايراني لما نجحت امريكا في غزو العراق وافغانستان)، كما اعترف محمد علي ابطحي نائب الرئيس الايراني! ثم عشنا ومانزال نحن الشهود الاحياء كيف ان ايران هي من نفذت، وبقرار امريكي رسمي، الجزء الاعظم من الخطة الامريكية - الصهيونية القائمة رسميا على تدمير العراق بصورة شاملة باحقاد قرون تراكمت وتجاوزت بمراحل عظيمة كافة جرائم الكيان الصهيوني في فلسطين، ويكفي ان نذكر ان شهداء العراق فقط بعد غزوه زاد على 4 عراقي، اضافة لمليون عراقي استشهدوا في الحرب التي فرضها خميني على العراق، والمهجرون الى خارج العراق زاد عددهم على 5 خمسة ملايين، والنازحون زاد عددهم على 3 ملايين، والمقابر الجماعية لم يعد بالامكان عدها لانها وقعت في كل محافظات العراق وتضم كل واحدة منها اكتشفت رفات مئات العراقيين الابرياء، وانتقلت ايران الى سورية واليمن ولبنان لتفجر انهار الدم والدموع وتوصلها الى الانهيارات الشاملة غير المسبوقة منذ قرون، وزرعت ايران الفتن الطائفية في بقية الوطن العربي! وكل ذلك تم بدعم امريكي صهيوني شامل وصريح لما تقوم به ايران، وهكذا تبلور الدور الايراني كقطعة كريستال ترى كل مافيها وما وراءها، ووصل الوضوح حد اعتراف قادة ايران بوقاحة مستعمر لئيم بانهم يسيطرون على اربعة اقطار عربية وفي طريقهم لرفع رايتهم المجوسية فوق مكة والمدينة!

وهكذا اصبح هناك كيان هو الاخطر منذ قرون على الامة العربية وهويتها ومستقبلها، وهو ما دفعنا منذ سنوات لنحت مصطلح (اسرائيل الشرقية) لتسمية ايران،بعد متابعة دامت 45 عاما لخطواتها الميدانية، فهل ينطبق حقا مصطلح اسرائيل الشرقية على ايران؟ الجواب: نعم فاسرائيل الغربية اعتبرناها عدوا لكل العرب ولكل انسان حر يرفض اغتصاب وطن غيره أو وطنه، فهي احتلت فلسطين وطردت أكثر من خمسة ملايين فلسطيني من وطنهم التاريخي، واحتلت 78% من أرض فلسطين وأخذت تدمر التاريخ والتراث والوجود الفلسطيني،وتسرق حتى الاكلات والموسيقى والرقص الفلسطيني،وهذه اعمال لا يمكن وصفها إلا أنها تطهير عرقي شامل ومتعمد لم يتوقف طوال 75 عاما، ثم احتلت سيناء المصرية ولم تعيدها الا بعد ان ضمنت جعلها مجردة من السلاح، واحتلت الجولان وضمتها اليها حتى الان، إضافة لاعتماد هذا الكيان على أساطير تراثية محورها الأساس تحقيق شعار (ارضك يا اسرائيل من الفرات الى النيل)، وعلى المستوى الثقافي والوعي العام طرحت اسرائيل الغربية تاريخا ملفقا لفلسطين أدعت فيه انها كانت أرضها وأنها تعود إليها ومن ذلك تستمد شرعيتها الزائفة. بسبب كل ما تقدم اعتبرنا الكيان الصهيوني كيان استعماري ومعاد للأمة العربية.

فهل تختلف ايران عن الكيان الصهيوني؟ ام انها اخطر منه؟ وإذا كان الجواب انها اخطر منه: ما هي الأدلة والشواهد التي تثبت ذلك؟ دققوا في الملاحظات التالية واحكموا بعد ذلك:

1- إيران تحتل الأحواز وتبلغ مساحتها (348) ألف كيلو مترٍ مربّع، أي أكثر من مساحة بلاد الشام كلها (سورية والأردن وفلسطين ولبنان). ويبلغ عدد سكانها العرب أكثر من (12) مليون نسمة فهي أكبر من فلسطين مساحة وسكانا احتلتها بلاد فارس في عشرينات القرن الماضي بقرار بريطانيا عندما كانت تحتل إيران والمنطقة، تماما كما سلمت بريطانيا فلسطين لليهود،وبدأت محاولات تفريس الأحواز بالمجازر والتطهير السكاني وزرع الفرس في الاحواز تماما كما تفعل اسرائيل الغربية في فلسطين.

2- احتلت إيران الجزر العربية الثلاث وهي تابعة للامارات العربية المتحدة.

3- وكما هاجر الصهاينة الى فلسطين لاحتلالها فان الفرس اخذوا ينتقلون الى اقطار عربية للسكن فيها تحت غطاء البحث عن عمل، ولكن نفس هؤلاء تحولوا إلى بؤر استيطانية ولاؤها لايران وليس للدول العربية، وهذا مطابق لما حصل في فلسطين.

4- بعد ان فشل الشاه في تفتيت الأقطار العربية والسيطرة عليها،،وجد الغرب أن البديل المطلوب هو نظام يتستر بالدين والطائفة في ايران له امتدادات في أقطار عربية كثيرة خصوصا في العراق، وبالتالي بالإمكان استخدام هذا الاحتياطي البشري لزرع الفتن والانشقاقات الطائفية تمهيدا لتغيير الأنظمة والسيطرة الإيرانية عليها. وهكذا تم اسقاط الشاه وتنصيب نظام الملالي في إيران، وكان أول هدف حدده خميني هو اسقاط النظام الوطني في العراق تحت شعار (ان تحرير القدس يمر عبر تحرير بغداد)! وطبق هذا الشعار في محاولة لغزو العراق فعلا فاندلعت حرب استمرت ثمانية اعوام. وحرب خميني على العراق أحدثت انقلابا ستراتيجيا جوهريا في المنطقة وفي العالم أيضا حيث كان أول ضحية للحرب على العراق هي القضية الفلسطينية حيث تراجعت وطغت الحرب بين العراق وأيران عليها.

5- إن قدرة أي قطر عربي شعبا وحكومة على دعم القضية الفلسطينية باعتبارها قضية العرب المركزية مرهون بعدم وجود تهديدات كيانية لذلك القطر، وهذه بديهية فحتى الفرد العادي حينما يواجه احتمال قتله يسخر كل قواه لإبعاد القتل عنه اولا لكي يستطيع الدفاع عن غيره لاحقا، وبناء عليه فإن اصرار خميني على غزو أقطار عربية كان اقسى ضربة تعرضت لها القضية الفلسطينية في كل تاريخها، فقد خسرت اغلب الجهد العراقي الذي خصص لانقاذ العراق من الغزو الإيراني المعلن مثلما خسرت اكبر الدعم من الأقطار العربية التي ذهبت لدعم العراق لاجل حمايتها من تطبيق شعار (نشر الثورة الاسلامية)، لان انهيار العراق كان سيقود حتما الى غزو دول الخليج وغيرها من الدول العربية، ففقدت القضية الفلسطينية الدعم الاعظم لها من الشعب العربي ومن الأنظمة العربية، بعد ان تحولت النزعة التوسعية الايرانية الى التهديد الاخطر للاقطار العربية بعد ان كان اسرائيل الغربية، وهو ما دفع للتطبيع مع اسرائيل الغربية بعد غزو العراق خشية من تهديدات ايران لها.

6- يكفي إلقاء نظرة على العراق وسورية واليمن ولبنان لادراك ان الخراب الذي قام به النظام الايراني أخطر بمئات المرات مما قامت به قوى الاستعمار الغربي واسرائيل الغربية معا.

7- ولئن كانت فلسطين محصنة شعبيا ضد التهويد فإن الاقطار العربية تعرضت لاختراقات جوهرية بقوة التأثير الطائفي او نتيجة وجود جاليات ايرانية فيها، فاصبح لدى إيران كتل بشرية كبيرة ولاءها لايران وليس لوطنها، وذلك هو الخطر الأعظم الذي اسقط عدة اقطار عربية في قبضة ايران،وهو غير موجود في فلسطين المحتلة.

8- وكما غزت اسرائيل الغربية فلسطين وخططت لغزو المنطقه كلها وفقا لنظرية تقول (أن أي أرض وطأتها أقدام اليهود تعود لهم) فان ايران كذلك اصبحت تختلق المراقد الطائفية أو الدينية في مدن عربية مهمة لتكون مقدمة لغزوها، مثل مراقد السيدة زينب في دمشق.

9- وكما لفقت اسرائيل الغربية تأريخا مزورا ادعت فيه أن فلسطين كانت يهودية فان ايران في كتابتها للتاريخ تدعي ان العراق والمنطقة كلها كانت جزء منها وبالتالي فإنها تعمل لاستعادتها! وهذا التماثل يجب أن لا يبعد عن الذاكرة. وبكل صراحة قال قادة ايرانيون بان الامبراطورية الايرانية قامت وانها تضم اربعة اقطر عربية.!

10- تنفذ إيران منذ غزوها للعراق وسورية واليمن ولبنان عمليات تغيير ديموغرافي خطيرة جدا: ففي العراق فقط منحت الجنسية العراقية ل 8 ملايين غير عراقي اغلبهم ايرانيون، وارسلت ايران مليون امراة ايرانية الى العراق لتزويجهن من عراقيين وتغطية مالية من الحكومة العراقية، هذا المشروع هو الأخطر على مستقبل العراق وأجيالة القادمة! كما أن إيران فتحت في العراق 62 جامعة ايرانية، اي ضعف الجامعات العراقية، تدرس كل شيء من وجهة نظر إيرانية، بما فيه استخدام اللغة الفارسية في التدريس حتى في المدارس الابتدائية والمتوسطة والثانوية.

11- حاولت اسرائيل الغربية نشر الفساد الأخلاقي وشراء الذمم في فلسطين ولكنها فشلت في الإطار العام أما في العراق فقد كان الفساد المدعوم والمنفذ من قبل امريكا وايران معا من أكبر عوامل هدم الكيان الوطني العراقي حيث لم يؤدي الى الافقار الشديد للعراقيين فقط بل أدى ايضا إلى انهيارات اخلاقية على نطاق ليس بالقليل وهو لم يحصل في فلسطين، كذلك نشرت ايران المخدرات والشذوذ الجنسي وزنا المحارم وتحليل سرقة الدولة والآخرين من غير طائفتهم كوسيلة من وسائل محو العراق الذي نعرفه، وهذا الهدف فشلت الصهيونية في تحقيقه في فلسطين، ولم يقتصر تحقيقه في العراق بل شمل سورية ايضا حيث غيرت التركيبة السكانيه بصورة خطيرة هناك.

12- وكما ان اسرائيل قامت ودامت فقط نتيجه الدعم الغربي الاستعماري لها فان ايران تحظى بدعم امريكي وبريطاني وصهيوني واسع النطاق، فامريكا هي التي سلمت العراق لايران رسميا في عام 2011،وكانت هي من سمحت بدخول فيلق القدس الايراني للعراق وهي من سلمت الحكم لاتباع ايران، وهي التي مولت الميليشيات العراقية طوال فترة ما بعد الغزو وحتى استلام ترامب الادارة الامريكية فقطع هذا الدعم المالي، وهي التي تصر على عدم تصفية الكتل السياسيه التابعة لايران في العراق وتريد تجريدها من السلاح فقط وتحويلها الى احزاب تشارك في الحكم بكل قدراتها المالية والسياسية والطائفية.

ولعل افضل الامثلة على الدعم الغربي لايران هو ما يجري الان في غزة وفلسطين عموما فالموقف الامريكي يقوم على عدم التفريط بايران وابقائها ضمن اطار القوى الاقليمية المقرر ان يكون لها دور رئيس الى جانب اسرائيل وتركيا في النظام الاقليمي الذي تريد امريكا اقامته ليكون قاعدتها الاساسيه في العالم، وهذا يفسر لماذا تضغط على اسرائيل الان لعدم التمادي في اضعاف ايران، فتبادل الضربات الخلبية بين اسرائيل وايران مؤخرا صار بالضغوط الامريكية ضربات في الريش في كلا البلدين! وكل ذلك تفعله أمريكا كي يبقى نظام الملالي، ناهيك عن أن هذا النظام تعرض على الاقل لثلاث انتفاضات شعبية كانت كل واحدة منها كافية لإسقاطه،والذي أحبطها ليس النظام الايراني بل عدم دعمها من قبل الولايات المتحدة الأمريكية!

13- وكما ان اسرائيل الغربية تحمل حقدا عنصريا ضد العرب وتقلل من شأنهم فإن الفرس اكثر حقدا منهم على العرب واصرارا على الحط من شأنهم والاشعار التي نظمها شعراء وكتاب ايرانيون، والتربية في المدارس الإيرانية تقوم كلها على تحقير العرب، تماما كما تروج الدعاية الصهيونية فهل هذه صدفة؟

14- الفرق الجوهري بين الغزو الصهيوني والغزو الفارسي للأقطار العربية هو ان الاول غزو من ديانة أخرى هي اليهودية ولذلك توجد حصانة ضده، بينما تمتلك إيران ميزة لا تملكها اسرائيل حيث انها تعد دولة مسلمة ولذلك لم تتشكل حصانة شعبية ضدها، ولذلك حصلت عملية تداخل خنادق بين العرب والفرس ولو شكليا فقط، وهذا الفرق هو الذي أتاح لإيران أن تنفرد بأمتلاك أذرع داخل الأقطار العربية.

15- إن المخاطر الإيرانية على الأمة العربية ارسخ واقوى من المخاطر الصهيونية حيث يبلغ عدد سكان إيران حوالي 90 مليون انسان مقابل 4 ملايين إسرائيلي، اما الحجم فان فلسطين تبلغ مساحتها 6025 كم مربع بينما تبلغ مساحة ايران مليون و648 الف كم مربع! وهكذا فان قدرات ايران اكبر بمراحل من الخطر الاسرائيلي، ومعركة طوفان الأقصى قدمت الدليل المادي الحاسم على هذه الحقيقة فاسرائيل هزمت امام كتائب القسام شر هزيمة فتدخلت امريكا والمانيا وبريطانيا وفرنسا وكندا واستراليا لمنع انهيار اسرائيل! وهذه الحقيقة تفضي إلى حقيقة أخطر منها وهي أن إسرائيل كيان من ورق يمكن أن ينهار عندما توجد دولة تقرر ان تقاتل اسرائيل، بينما دحر الخطر الايراني يحتاج لجهود وطاقات بشرية ومادية ضخمة.

 

ما دلالات كل الملاحظات السابقة؟

عندما نقارن قدرة اسرائيل الغربية على التأثير التخريبي في الأقطار العربية ومستقبلها نجد أن تهديدها محدود مقارنة بما حققته إيران على الأرض، ومن مظاهر ذلك أن اسرائيل تتراجع وتتقلص قدراتها وتأثيراتها في الوطن العربي ما عدا التطبيع مع الأنظمة، وهو مؤقت، بينما إيران توسع من نطاق تغلغلها في الوطن العربي تحت غطاء أنها تدافع عن فلسطين، وهو تحول خطط غربيا وصهيونيا وفارسيا لديمومته وتثبيته! وهذا هو التهديد الاخطر الذي يواجه امتنا العربية، فهل بالامكان تجنب وصف ايران بانها اسرائيل الشرقية ليس فقط لانها تكمل الدور الصهيوني بل لان دورها اخطر بمراحل كثيرة من دور وقدرات الكيان الصهيوني؟ ومكمن خطورة اسرائيل الشرقية هو تطابق الأهداف وأغلب الأساليب بينهما، ناهيك عن التاريخ المشترك لهما المتميز بالعداء للعرب منذ غزو بابل من قبل الإمبراطور الفارسي كورش الذي دمر بابل وحرر اليهود من الأسر البابلي. أيران تاريخيا هي اسرائيل الشرقية، وايران حاليا هي اسرائيل الاشد خطرا بمراحل من توأمها اسرائيل الغربية التي ثبت انها نمر من ورق!

Almukhtar44@gmail.com

25-4-2024

شبكة البصرة

السبت 18 شوال 1445 / 27 نيسان 2024

يرجى الاشارة الى شبكة البصرة عند اعادة النشر او الاقتباس
المقالات والتقارير والاخبار المنشورة في شبكتنا لا تعبر عن راي الشبكة بل عن راي الكاتب فقط