بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

زار البصرة عام 1919 الرسام والكاتب البريطاني دونالد ماكسويل

شبكة البصرة

ترجمة: محمد سهيل احمد

ولد الفنان والكاتب الانكليزي دونالد ماكسويل في عام 1877 بالقرب من لندن وهو كاتب ومصور عرف برحلاته الى بلدان الشرق الاوسط مثلما عرف بلوحاته وسكيتشاته الطوبوغرافية ذات الصلة الوثقة بطوبوغرافية المكان. خدم في الجيش البريطاني وتتركز معظم لوحاته كمحصلة لرحلاته الى كل من بلاد الرافدين وفلسطين والهند. كما عني بتوثيق سكك الحديد في الجنوب الانكليزي.

 

في بندقية الشرق

وصل ماكسويل للبصرة في عام 1919 وصل دونالد ماكسويل إلى البصرة عن طريق عبادان والمحمّرة. وهو يتكلّم في كتابه عن وصوله من عبادان إلى البصرة الّتي وصفها في فصل من كتابه عنونه (بندقية الشّرق The Venice of the East)، ويعني بذلك أنّ البصرة تشبه مدينة البندقية Venezia في شمال شرق إيطاليا المعروفة بكثرة قنوات الماء الّتي تخترقها.

وكتب: "أولى انطباعاتي عن البصرة هي أنّها سلسلة لا تنتهي من أرصفة مراسي على ضفة النّهر وقنوات البصرة لا تعدّ ولا تحصى. وهي قنوات حفرت وليست أنهاراً طبيعية" ويستطرد كاتبا: "وحينما اقتربت من البصرة في أواخر النّهار، وكانت الشّمس تنزل نحو الأفق، بدت شديدة الرّوعة: غابات النّخيل والجنائن على اليمين وأبنية المدينة على اليسار. وكانت القوارب تقترب منّي في إشعاع نور الشّمس كما لو كانت في حلم"

وقد وجد أنّ بعض أجزاء أنهار البصرة شديدة الجمال وتستحق أن تقارن بمجاري المياه الّتي تخترق مدينة البندقية في إيطاليا، بل تفوقها جمالاً: For once we have something that can surpass in beauty anything that Venice can show بمناظرها الطّبيعية لا ببهاء معمار أبنيتها طبعاً. ولكي يستطلع ما حول البصرة من مشاهد يمكنه أن يدخلها في رسومه، فقد أجّر بلماً بمجذافين قاده به رجلان وصفهما بأنّهما (مخيفا المظهر كقرصانين). ولكنّه غير رأيه عن “القرصانين” بعد أن أرياه أهمّ ما يستحق المشاهدة، ووجدهما شديدي اللطف!

 

بندقية الشرق أم بنادق الشرق؟!

ثمة مدن وموانئ مبثوثة هنا وهناك احتفظت بمواصفاتها الخاصة رغم انتمائها الإداري والسياسي لدول كبرى. تعد مدينة هونغ كونغ واحدة من النماذج التي ينطبق عليها هذا الرأي اذ رغم خضوعها للنفوذ البريطاني لقرن من الزمان تقريبا، الا انها حافظت على مقوماتها الصينية الأساسية من لغة وعادات اجتماعية. والأمر نفسه ينطبق على مدن وثغور اخرى: جبل طارق، استانبول، الاسكندرية، العاصمة التايوانية (تايبيه) وكذلك سويسرا التي حافظت على حيادها وسط حربين عالميتين طاحنتين، الى الحد الذي تردد هتلر كثيرا في زجها في أتون الحرب العالمية الثانية فبقيت محافظة على سماتها اللغوية والسياسية والطوبوغرافية.

ومدينة فينيسيا او البندقية تعد واحدة من المدن المشار اليها انفا فقد تحولت عبر القرون الى مدينة عالمية كوزموبوليتانية بعد ان توغلت مياه البحر الادرياتيكي في شوارعها وازقتها وشرايينها المؤدية الى الارض الايطالية.. الأرض الأم. وها نحن نستذكر توأمة بين مدينتين تتمتعان بمواصفات طبيعية مشتركة فلعل الرحالة الانكليزي دونالد ماكسويل واحد من الرحالة الأوربيون ممن اطلقوا على البصرة (فينيسيا الشرق) او (بندقية الشرق)، الأمر سيّان بعد ان ابصر التشابه الطوبوغرافي بين المدينتين حيث ان البصرة عرفت -ولمئات من السنين خلت- بتعدد أنهارها وجداولها وجسورها. كما ان المدينة بقيت ولأمد طويل محافظة على شخصيتها التجارية (الكومبرادورية) الأمر الذي انعكس على التركيبة السايكولوجية لأهلها فقد عرفوا بالوفادة وحسن استقبال الوافد من شتى بقاع الدنيا، القريب منها والبعيد! غير ان غلبة الطابع القبلي نجم عنه ان ينظر ابناء تلك الغيتوهات المكبلة بالتقاليد الاجتماعية والروحانية الى البصرة نظرة شزر واستصغار بل وحسد في بعض الأحيان. وهو ما قاد أصحاب الشأن من رجال السياسة جمهوريين كان او استبداديين الى اتخاذها ولأكثر من حرب مسرحا لحروبهم وصراعاتهم ما ادى الى تدمير البنية التحتية للمدينة وتلويث انهارها واجوائها وابتلاء ابنائها بشتى الأمراض تأثرا بأهوية وغازات حقول البترول. نعم، فمن بندقية للشرق استحالت المدينة الى بنادق للشرق المبتلى بالحروب الكبرى والصغرى والدكات العشائرية حيث حلّ صوت الرصاص محل أبواق المراكب القادمة او المغادرة الى موانئ الدنيا!

------

*استند المقال على الويكيبيديا وعلى مقالة للكاتب المؤرشف صباح الناصري

شبكة البصرة

الخميس 25 رمضان 1445 / 4 نيسان 2024

يرجى الاشارة الى شبكة البصرة عند اعادة النشر او الاقتباس
المقالات والتقارير والاخبار المنشورة في شبكتنا لا تعبر عن راي الشبكة بل عن راي الكاتب فقط