بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

سيد درويش.. مائة عام بعد الثورة

شبكة البصرة

السيد زهره

تحتفل مصر منذ أشهر بمرور مائة عام على رحيل فنان الشعب سيد درويش فقد رحل عن دنيانا في عام 1923. مرور مائة عام على الثورة التي أحدثها في عالم الغناء العربي والموسيقى العربية.

سبق لي ان كتبت مقالات عن سيد درويش وموقعه ودوره الفني والوطني. قلت في هذه المقالات ان موقع سيد درويش في تاريخ الغناء والموسيقى العربية هو كما الثورات في تاريخ الشعوب، وكما الزلازل والبراكين في الطبيعة.

هذا هو موقع سيد درويش. كان ثورة وبركانا وزلزالا في تاريخ الغناء والموسيقى العربية. ما قبل سيد درويس ليس ما بعده في عالم الموسيقى والغناء ودور الفنان في المجتمع. ثورة سيد درويش كانت ثورة شاملة في الكلمات واللحن والأداء وكل شيء. سيد درويش هو المؤسس الأكبر للموسيقى والغناء العربي الأصيل الحديث بعيدا عن المؤثرات الأجنبية وخاصة التركية التي هيمنت على الغناء العربي لقرون.

أتحدث عن سيد درويش وقد استمعت قبل فترة الى حلقة خاصة بديعة عنه وتاريخه وابداعاته في إذاعة البحرين في برنامج "الصواري" الذي يقدمه الفنانان الكبيران أحلام محمد وعبدالله يوسف ويعده عبدالله يوسف. وهو بالمناسبة برنامج متميز جدا اعدادا واخراجا واداء استمتع دوما بالاستماع اليه.

على الرغم من انني اعتبر نفسي قارئا جيدا لتاريخ سيد درويش وملما بأبعاد الثورة التي أحدثها، الا انني استمعت في البرنامج الى معلومات لم أقرأ عنها وأسمع بها لأول مرة.

من هذه المعلومات مثلا ما حدث مع سيد درويش في باديته الفنية، حين أعد مع رفيق دربه بديع خيري ثمانية الحان وذهبا بها الى احد المنتجين، وعرض عليهما مبلغا زهيدا جدا مقابل هذه الألحان. بديع خيري الح على قبول العرض على اعتبار انه وسيد درويش جائعان تقريبا ولا يملكان أي مال على الاطلاق. لكن سيد درويش انتفض غاضبا وثار ثورة عارمة ومزق النوت الموسيقية لألحانه ورفض العرض، وقال انه لا يمكن ان يقبل بإهانة كرامة الفن والفنان، وقال لبديع خيري تعبيرا يرقى الى مستوى الحكمة البليغة: "هذه بلاد يجوع فيها العباقرة."

الحديث يطول جدا عن سيد درويش وثورته، لكن يكفي ان نقول ان اسهامه الأكبر تمثل في انه تحدى السائد في الغناء والموسيقى العربية واحدث ثورة شاملة لا سابقة لها. كل اساطين التلحين والغناء في ذلك الوقت اعتبروه مخربا مارقا مدمرا للموسيقى العربية. لكن الذاكرة الوطنية حفظت ابداعات سيد درويش ووضعتها في مكانها الصحيح كتجسيد لثورة رائدة غير مسبوقة.

لم تكن ثورة سيد درويش مجرد تجديد في الألحان والموسيقى. كانت ثورة اجتماعية في نفس الوقت اذ لأول مرة في تاريخ الأغنية دفع بفئات الشعب الفقيرة الى دور البطولة في اغانيه، وواكب التطلعات والآمال الوطنية العامة بألحانه.

وسيد درويش كان مثالا ساطعا للدور الوطني الذي يجب ان يلعبه الفنان. دوره في ثورة 2019 الشعبية الوطنية ضد الاحتلال الإنجليزي دور مشهود سجله التاريخ. كان يتقدم المظاهرات ويصدح بألحانه الوطنية الجارفة مؤججا لحماس الجماهير. وقدم عشرات الألحان الوطنية الخالدة في مقدمتها بالطبع نشيد "بلادي بلادي لك حبي وفؤادي" النشيد الوطني المصري اليوم.

ليس ادل على عبقرية سيد درويس من انه اليوم وبعد مرور قرن كامل على رحيله، مازالت الحانه وموسيقاه ودوره الوطني العام هي المثال الذي نتطلع اليه.

من المفروض بعد مائة عام ان تكون الموسيقى والغناء العربي قد تقدمت كثيرا جدا وتجاوزت سيد درويش. لكن الأمر العجيب اننا اليوم نتطلع الى مثال سيد درويش ونفتقد ما قدمه وما اسهم به على الصعيدين الفني والعام.

مازلنا اليوم نتطلع الى الفنان الذي يحفظ كرامة الفن والفنان. ونتطلع الى الفنان والمبدع القادر على تحدي السائد والخروج عن المألوف والتعبير عن هموم الناس والأوطان. نتطلع الى الفنان الذي يلعب دورا وطنيا عاما كما فعل سيد درويش.

وما زلنا نحلم ببلاد عربية لا يجوع فيها العباقرة والمبدعون والعلماء.

رحم الله هذا الفنان العبقري الفذ الذي استحق عن جدارة لقب "فنان الشعب".

شبكة البصرة

الاربعاء 3 رمضان 1445 / 13 آذار 2024

يرجى الاشارة الى شبكة البصرة عند اعادة النشر او الاقتباس
المقالات والتقارير والاخبار المنشورة في شبكتنا لا تعبر عن راي الشبكة بل عن راي الكاتب فقط