بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

تشكيل الحكومات المحلية... محاصصة حزبية وصراع على المكاسب

شبكة البصرة

مازال العراق يعاني من أزمات سياسية وأمنية وصراعات على المكاسب والرغبات في ظل نظام سياسي خلفه الأحتلال ليتسلط على رقاب المواطنين ويسرق أموالهم بوسائل متعددة من بينها محطات مجالس المحافظات، التي شكلت على أساس طائفي ومحاصصة حزبية، و تعتبر هذه المجالس منافذ لتحقيق الأموال عبر الرشوة وتبويب أموال المشاريف المتحققة أو المشاريع الوهمية التي تخبر عبر نافذة هذه المجالس.

وشهدت معظم المحافظات العراقية انعقاد الجلسة الأولى لمجلس المحافظة إجراءات أمنية مشددة وانتشاراً واسعاً لقوات الأمن في محيط مباني حكوماتها المحلية، وإغلاقاً لأغلب الشوارع القريبة مخافة حصول أحداث أمنية ترافق اختيار رئيس المجلس والمحافظ.

وخلال الفترة الأخيرة سعت القوى البارزة في "الإطار التنسيقي" الحاكم في البلاد، وتحديداً ائتلاف "دولة القانون" بزعامة نوري المالكي، إلى فرض إرادتها على توزيع المناصب في الحكومات المحلية، وشددت على عدم التجديد لأي محافظ سابق.

 

تقاسم المناصب

اختارت النجف، والبصرة، والأنبار، ونينوى، وبابل، وذي قار، والمثنى، والعاصمة بغداد، وكربلاء، وواسط، وصلاح الدين، مجالسها المحلية، بينما تبقت 4 محافظات أبرزها التأميم، التي تشهد انقساماً قومياً حاداً بين مكوناتها السياسية (العرب والكرد والتركمان) على المناصب الرئيسية.

ولم يحصل ائتلاف "دولة القانون" حتى الآن إلا على منصب رئيس مجلس محافظة النجف، وخسر في المحافظات الجنوبية الأخرى، إذ صوّت مجلس النجف بالإجماع على اختيار حسين العيساوي عن "ائتلاف دولة القانون" رئيساً لمجلس المحافظة، ونائبه غيث شبع عن تحالف "الأساس" بزعامة رئيس مجلس النواب بالإنابة محسن المندلاوي، وانتخب يوسف كناوي عن تيار الحكمة الوطني محافظاً للنجف، وعمار الجزائري عن حركة "عصائب أهل الحق" نائباً له، والنائب الثاني كرار محبوبة عن تحالف "أبشر يا عراق" التابع للمجلس الأعلى الموالي لإيران.واختار مجلس محافظة البصرة الجديد خلف البدران رئيساً للمجلس، وهو من تحالف "نبني" بزعامة هادي العامري، فيما انتخب أسامة السعد عن كتلة "تصميم" بزعامة محافظ البصرة أسعد العيداني نائباً لرئيس المجلس، كما صوّت المجلس بالإجماع على أسعد العيداني محافظاً لولاية ثانية.

وفي محافظة الأنبار انتخب لعمر مشعان دبوس الدليمي رئيساً للمجلس، وأكرم خميس المحلاوي نائباً له، فيما اختير محمد نوري الكربولي محافظاً، وانتخب مجلس محافظة واسط علي حسين سليمون رئيساً لمجلس المحافظة بالأغلبية المطلقة، ومحمد جميل المياحي محافظاً لولاية ثانية.

وفي محافظة ديالى، انتخب نزار اللهيبي رئيساً للمجلس، ولم يحسم بعد منصب المحافظ، فيما كان مجلس محافظة كربلاء قد صوّت، أول أمس الأحد، لقاسم اليساري عن تحالف "نبني" رئيساً لمجلس المحافظة، ومحفوظ التميمي نائباً له. وصوّت أيضاً، وبإجماع الحاضرين، على التجديد لمحافظ كربلاء نصيف جاسم الخطابي لدورة أخرى، و علي الميالي نائباً للمحافظ.

كما اختار مجلس محافظة صلاح الدين عادل عبد السلام رئيساً للمجلس، وأحمد الجبوري محافظاً، كذلك جرى التصويت على اختيار نائبين اثنين للمحافظ الجديد. ويظهر أن المناصب توزعت بين حزبي "الجماهير" و"تقدم"، و"تحالف السيادة"، بما يؤكد وجود تفاهمات حزبية أفضت إلى سرعة حسم الاستحقاق في المحافظة، وهو ما أثار حفيظة "الإطار التنسيقي" الذي أطلق اتهامات بالطائفية وتجاوز القانون، ومحاولات تفتيت وحدة "الإطار".

 

مبدأ المحاصصة

كما الحال مع الحكومة المركزية، طغت المحاصصة الطائفية والحزبية على آلية الانتخاب والأسماء التي تصدرت تلك المحافظات، فضلا عن تحالفات بين الكتل السياسية مكنتها من تجاوز انخفاض تمثيلها الانتخابي ونيل المناصب السيادية.

ويرى الكثيرون أن تصدر بعض الشخصيات السياسية المتهمة بالفساد إشارة سلبية على تكريس المحسوبية والمال السياسي كمنطلق للوصول للمناصب.وقال الباحث في الشأن السياسي، حسين السبعاوي، "مثلما لم تكن الإنتخابات المحلية العراقية تعبر عن رأي العراقيين بطريقة شفافة، وقد شاهدنا نسبة المشاركة المتدنية، ودور الأذرع المسلحة للأحزاب إضافة للمال السياسي الفاسد كيف لعب في التأثير على الناخب ومن ثم على النتائج، كذلك كان اختيار المحافظين ورؤساء مجالس المحافظات لم تكن تمثل رأي الفائزين في الانتخابات.

وأضاف السبعاوي، أن دخول القوات الأمنية والحشد إلى قاعات المجالس للضغط على المصوتين كان شاهداً على عدم شرعية تلك الانتخابات، كما جرى في محافظات صلاح الدين وفي العاصمة بغداد وفي نينوى وفي بقية المحافظات، حيث كان هناك ضغط على المصوتين سواء من قبل رؤساء الكتل أو الأذرع المسلحة لتلك الأحزاب.ويضيف السبعاوي، "ما قيمة الإنتخابات إذا كان اختيار المحافظ ليس من ضمن قوائم المرشحين وليس عضوا في المجلس، وما قيمة الإنتخابات إذا لم يكن هناك استحقاق إنتخابي للفائز وهذا الذي شاهدناه في اختيار المحافظين ورؤساء المجالس المحلية".

وأكد، أن رؤساء الكتل هم أنفسهم من يقود العملية الانتخابية المحلية ولا يعلو صوتا على صوتهم، فتجد الأعضاء مجرد أدوات تستخدمهم الكتل السياسية، لهذا لم تختلف آلية اختيار للمحافظين عن آلية اختيار الحكومة المركزية".

وأشار السبعاوي، "إلى أن المحاصصة الحزبية والطائفية هي الأصل في العملية السياسية حتى لو خالفت نص الدستور والقانون، لأنه بيدهم السلطة والقوة وأصبح هذا العرف الفاسد أعلى فوق القوانين".

 

صفقات سياسية

تتمتع مجالس المحافظات، التي أنشئت بعد احتلال العراق في عام 2003، بصلاحيات واسعة، على رأسها انتخاب المحافظ، ووضع ميزانيات في الصحة والنقل والتعليم عبر موازنات مخصصة لها في الموازنة العامة، وإصدار التشريعات المحلية، بما يمكنها من إدارة شؤونها وفق مبدأ اللامركزية الإدارية، من دون أن يتعارض ذلك مع الدستور والقوانين الاتحادية التي تندرج ضمن الاختصاصات الحصرية للسلطات.

وحضرت المحاصصة وعقد الصفقات السياسية بقوّة في مفاوضات تشكيل الحكومات المحلّية، ما سيؤدّي إلى استبعاد معايير المهنية والكفاءة والنزاهة في اختيار قيادات تلك الحكومات، وإعادة التمكين لشخصيات وقوى تلاحقها شبهات الفساد والمسؤولية عن تعطيل عملية تنمية الجهات بنهب الميزانيات التي خصصت لها في سنوات سابقة.

ونظرت جهات سياسية وإعلامية عراقية إلى اختيار أحمد الجبوري “أبومازن” لتولي منصب محافظ صلاح الدين مؤشّرا سيئا على أخذ الانتخابات المحلّية لنفس مسار الانتخابات التشريعية في تكريسها للفساد والتمكين لرموزه، وذلك بالنظر إلى تهم الفساد التي لاحقت الجبوري أثناء توليه نفس المنصب وأفضت إلى ملاحقته قضائيا.وبينما يفاخر القائمون على قيادة العملية السياسية في العراق بالانتخابات المحلّية باعتبارها رافدا لإثراء “التجربة الديقراطية” بالبلاد، معتبرين وجود حكومات محلّية مظهرا على تخفيف حدّة المركزية وتوسيع دائرة اتّخاذ القرار والسماح لسكان الجهات بإدارة شأنهم العام بما يتلاءم مع حاجاتهم ومطالبهم.

 

بؤر للفساد

ويقول متابعون للشأن العراقي إن مجالس المحافظات تحوّلت إلى بؤر إضافية للفساد ونهب المال العام، خصوصا وأنّ ميزانيات هامة ترصد لتنمية المناطق دون أن يلمس لها أثر في تحسين البنى التحتية والارتقاء بمستوى الخدمات المقدّمة للسكان والتي تتراوح بين التردّي في بعض المناطق والانعدام التام في مناطق أخرى.

وتفسّر المآرب المتعلّقة بالمال والسلطة صعوبة التوافق بين القوى السياسية الفائزة في الانتخابات المحلية على تشكيل مجالس المحافظات، على الرغم من انتماء بعض القوى المتنافسة على المناصب في الحكومات المحلية لنفس المعسكر السياسي، كما هي الحال بالنسبة للأحزاب والفصائل الشيعية المنتمية للإطار التنسيقي.

وقالت مصادر سياسية إن الخلافات داخل الإطار وباقي الكتل السياسية مازالت تحول دون استكمال تشكيل المجالس في محافظات وسط وجنوب العراق، كما أنّ خلافات مماثلة داخل القوى الكردية والسنية أخّرت تشكيل مجلسي محافظتي كركوك ونينوى بشمال العراق.

وقال الخبير بالشأن السياسي العراقي، أحمد النعيمي إنّ آلية اختيار الحكومات المحلية لم تختلف عن طريقة اختيار الحكومة في بغداد وتشكيلها، وفقاً للمحاصصة الطائفية والحزبية.

وأضاف النعيمي، أن المحاصصة أحدى أسباب المقاطعة الكبيرة للانتخابات الأخيرة والتي قبلها، كون الناخبين لا يرون أي تغيير مرجو من الوجوه المجربة نفسها وآلية اختيار الحكومات نفسها.

وأعتبر النعيمي، أن الحكومات المحلية يُفترض أن تكون خدمية، لكنها باتت ساحة تنافس سياسي واسع في مختلف مدن العراق، وهذا يؤكد أنّ الأحزاب تريد أن تعتاش على ما تحصل عليه من مناصب في تلك المحافظات.

وكالة يقين

شبكة البصرة

الاربعاء 26 رجب 1445 / 7 شباط 2024

يرجى الاشارة الى شبكة البصرة عند اعادة النشر او الاقتباس
المقالات والتقارير والاخبار المنشورة في شبكتنا لا تعبر عن راي الشبكة بل عن راي الكاتب فقط