بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ |
كرة القدم بين التواصل والتباغض |
شبكة البصرة |
نزار السامرائي |
سبق لي وأن كتبت وأكثر من مرة، بأنني ضد إجراء أية مباراة لكرة القدم بين اي فريقين عربيين، حتى لو اضطر أحدهما أو كلاهما لمغادرة البطولة، لأن تلك اللعبة (اللعينة)، تحولت إلى معول هادم للود بين أبناء الوطن الواحد والعرق الواحد والدين الواحد، واستزرعت من أسباب الكراهية والبغضاء والضغينة والعصبيات القديمة والمختلقة بين الاقطار العربية، أكثر مما تثيره الخلافات على الحدود التي رسمتها اتفاقية سايكس بيكو، أو الثروات السطحية أو الباطنية، أو التنابز على السبق التاريخي في صنع البيرة أو المشروبات الكحولية وغيرها مما تبدع العقول المريضة في إضافته إلى رصيد التنافر، بل انتقلت الضغائن داخل البلد الواحد بين المحافظات، والمحافظة الواحدة بين مدنها الصغيرة والكبيرة وخاصة تلك التي تعيش وهم الحساسيات ذات المناشئ الاقتصادية والاجتماعية، فتبحث لنفسها عن كوة أو ثغرة لتنفخ فيها من نيران الكراهية، وهي ما ستتحول مع الزمن إلى عصبيات مقدسة، وكأن ساحتنا بحاجة إلى المزيد من تناسل الأزمات والحساسيات، لنخترع الجديد منها، ونحوله إلى فكر مبدع بدلا من فكرة مدانة، وبدلا من التركيز على عوامل التواصل والبحث عن وشائج الدم والدين والانتماء للوطن الواحد. ولأكنْ أكثر تخصيصا، فأقول إنّ كرة القدم صنعت من الكويت دولة، أكثر مما فعل قرار بريطانيا منحها (الاستقلال) في التاسع عشر من حزيران 1961، واثارت من الحمية لدى سكان هذه المنطقة شعورا بتميز الكويت عن سائر دول المنطقة بما حباها الله من ثروة النفط وقلة السكان وإطلالة على الخليج العربي، وجرها إلى مواقف دعائية مضادة للعراق بهدف تكريس الحالة القانونية الجديدة لها، مثل ما كتبته الصحف الكويتية الرئيسة من مانشيتات جارحة ومخدشة للعيون، بعد إحدى المباريات بين فريقي العراق والكويت ضمن بطولة الخليج العربي في سبعينيات القرن الماضي على ما أذكر، مثل (انتهى الدرس يا غبي)، وكانت بذلك تُوجه أسوأ خطاب إعلامي جالب للكراهية ضد العراق، وكانت جهات معلومة الخلفيات السياسية داخل الكويت ومن أوساط دولية غربية وخاصة بريطانية، تغذيها لتقيم جدرانا شاهقة بين الكويت وجيرانها من (دول) الخليج العربي وخاصة مع العراق، الذي ينحدر سكانهما من أصول واحدة، وذلك بزرع عصبيات لا تستند على حقيقة تاريخية أو جينية أبدا. وبالأمس القريب جرت مباراة بين فريقي العراق والاردن في الدوحة في نطاق (بطولة) اسيا، وارتكب حكم (إيراني الجنسية فارسي العرق) خطوة غبية بطرد لاعب عراقي وكأنه يُطلق زفرة حبيسة من أعماقه، ليس حُباً بالفريق الأردني ولا رغبةً بفوزه، وإنما كُرهاً للعراق تاريخاً وأرضاً وهواءً، فكانت هذه إشارة الانطلاق لأسوأ حملة كراهية مفتعلة ومقصودة، في علاقات المحبة والتقدير والمصالح المشتركة بين العراق والأردن، وانخرطت في الحملة عناصر إيرانية الولاء والهوى من العراق، لتتهجم على الاردن قيادة وشعبا، وتصب عليهما حملة كراهية وبغضاء وكأن الأمر يتصل بمعركة ثنائية عسكرية واقتصادية، اندلعت بينهما على حين غرة، وليس مجرد مباراة فريقي كرة قدم يقال بأنها اخترعت للتواصل بين الشعوب والأمم وليس للتشاحن واختلاق أسباب جديدة لاختلاق أسباب الكراهية، وتسبب بأزمتها حكم فارسي يحمل من الحقد على العرب جميعا، ما فاض عن اناء ملعب الدوحة، وليتفجر انهاراً من الحقد، وتلقفت الرسالة عناصر لا تخفي كراهيتها للأردن، لأنه ظل عصيا على كل محاولات الاختراق الإيراني على الرغم من تنوع الإغراءات والتهديدات المغلفة برداء الحرص عليه، فحشدت على حدوده آلافا مؤلفة من مليشياتها تحت لافتة كاذبة خاطئة في الدفاع عن غزة، وهذا كذب محض، فالأمر يتعلق حصراً بالتمدد الايراني في المنطقة، وليس حبا لغزة او القدس او الاقصى او فلسطين، بل يستبطن حقدا على العرب كان على ايران أن تمنحه بعداً دينيا مقدسا، ليسهل عليها التسلل وإحداث الفتنة بين العرب انفسهم، وهذا ما حدث منذ عام 1979 وحتى اليوم، وهو ما عجزت إسرائيل عن تحقيقه منذ 1948 وحتى 1979، بل على العكس من ذلك، كان لزرع الكيان الصهيوني من قبل الغرب في فلسطين، الفضل الأكبر في توحيد الصف العربي وإن كان ذلك على السطح، تحت شعار وحدة الصف لا وحدة الهدف، فالكل يتآمر على الكل، والكل يسعى لإزاحة الكل كي ينفرد لوحده في الساحة محتكرا شعار تمثيل (أوسع الجماهير) كما كان الحزب الشيوعي العراقي يحلو له أن يردد في خطابه السياسي عام 1959. ومع الأسف الشديد انساق بعض المعلقين الأردنيين على وسائل التواصل ليتماهوا مع ما خرج من وسائل الإعلام الإيرانية الناطقة باللغة العربية، في الرد بعبارات نابية جارحة لم أكن لأتوقع أن تصدر عن أردني يعرف حجم ما يخطط ضد بلده من أعداء الشعبين العراقي والأردني، وهذا ينم عن تعجل فاضح وركوب قاصر لموجة الإساءة للعرب والقُطرين الشقيقين اللذين جمع بينها الدم المشترك الذي سال في معركة عربية واحدة، على ثرى البوابة الشرقية للوطن العربي. على كل هذا أرى أن التوقف عن كل ممارسة تثير الكراهية والبغضاء بين أبناء الشعب العربي الواحد وأبناء القطر العربي الواحد، طالما أنها تحولت من جسر للتواصل بين ضفتين، إلى بلدوزر يهدم في لحظة واحدة ما يبنيه العرب من أسباب للتواصل في سنوات طويلة. إنها لعبة بين فريقين، وليست حرباً بين جيشين. رسالة بوست |
شبكة البصرة |
الاحد 23 رجب 1445 / 4 شباط 2024 |
يرجى الاشارة الى
شبكة البصرة
عند اعادة النشر او الاقتباس |