بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

سلام على قاسم سلّام

شبكة البصرة

صلاح المختار

قاسم سلام اسم يحمل في ثنايا مزاياه، وكل ما ينبثق منه وحواليه، فالرجال أفعال، والأفعال لها أسماء، وليس كل اسم يترجم هوية حامله، وبهذا المعنى فان قاسم سلّام انموذج يندر بزوغه في أزمان الخراب وكتم الاصوات وشراء الذمم ونفاق المتسلقين، عرفته مناضلا صلبا تعلو محياه ابتسامة راسخة بثبات صلابته، وفي اللحظة التي تغيب هذه الابتسامة جوابا على لحظة ينتظر فيها التاريخ كلمة فصل وحسم يبدأ قاسم سلام برسم طريق الصواب ويضع النقاط فوق الحروف، ليحدد الفرق بين باطل يتموه بوجه الحق وحق يحاصر حتى لحظة الخنق فينفجر.

 

لم التقي بالشهيد قاسم سلام في العراق رغم انه اقام فيه عقودا مناضلا سمعته العطرة تسبق لحظة حضوره في مكان ما، وتلك الحقيقة هي التي اشعرتني بانني خسرت فترة كان يجب فيها ان اعرفه فيها، ولكن حينما أزفت لحظة اللقاء الاول بيننا كانت لحظة لقاء رجال كأنهم التقوا منذ قرون زاخرة بالمعرفة العميقة والمحبة،فبعد ثلاثة شهور من غزو العراق بقيت خلالها اواصل مقاومته بضراوة اعلاميا وسياسيا من فيتنام، حيث كنت اعمل دبلوماسيا هناك، ادركت ان وجودي في فيتنام يحد من نضالي ضد الاحتلال،وصار واضحا ان حكومه فيتنام، التي وصفها القائد الشهيد صدام حسين بانها دولة شقيقة، في استثناء من قاعدة ان الاقطار العربية فقط هي الاقطار الشقيقة، لا تريد ان ابقى بعد ثلاثة شهور من احتلال العراق، وتقديم سفراء امريكا وبريطانيا واستراليا احتجاجات على استمراري في العمل سفيرا للعراق يقاوم الاحتلال بصورة نشطة في الاعلام العالمي ومن هانوي عاصمة فيتنام،فقررت الانتقال الى اليمن، وبعد رحله استغرقت اكثر من 24 ساعة،وصلنا فجرا الى صنعاء ولم اكن اتوقع ان ينتظرني في المطار هذا الاسم الكريم قاسم سلام في هذا الوقت بالذات ولكنني وجدته ومعه ضابط برتبة عقيد، على ما اتذكر، من رفاقنا البعثيين في اليمن ينتظرني هناك، وتعانقنا كما لو اننا كنا على صلة عقود من المحبة الرفاقية الاصيلة، وطلب مني ان نذهب الى قاعة الضيوف الكبار، وفيها اخبر الضابط بان يذهب مع ابني اوس لاستلام الحقائب واخذنا انا وبقية العائلة الى فندق في صنعاء، وكانت تلك اول صورة للقاء مباشر بيننا، وفيها كما ترون مقدار الحميمية بين رفيقين عرفا بعضهما عن بعد والتقيا لاول مرة، فكان طبيعيا ان تفرض تلك الصله الرفاقيه الاصيلة طبائعها ومستلزماتها على اللقاء الاول.

 

طوال ثمانية اعوام قضيتها في اليمن، وهي الاكثر تأثيرا ايجابيا في حياتي بعد الاحتلال، كان قاسم سلام خير اخ ورفيق، جسد إنموذجا للقائد الذي لا يكل ولا يمل من العمل والنشاط بكافة انواعه ويشركني في كثير منها،خصوصا مع شيوخ قبائل وزعماء أحزاب، مثلما اشركني في الحياة اليومية للمجتمع اليمني في مقايل صنعاء العامرة، ونشاطاتها الفكرية والاجتماعية كالزواج وحضور مجالس الفاتحة.

 

وكنت أرى قاسم سلام لا يتعب ولو للحظة من استقبال الناس يمنيين وغير يمنيين وكان مهتما بشكل خاص بتأمين حياة اللائقة لكل عائلة عراقية تصل اليمن لاجئة، ويوفر لها العمل والسكن، ولن انسى ابدا ان العديد من العراقيين لم يكن لديهم مال عند وصولهم لليمن، فأجر لهم السكن من ماله الخاص واسكنهم إلى أن حصلوا على وظائف، وهكذا، فكما أنه قبل الغزو وفر لالاف اليمنيين فرص العلاج المجاني في مستشفيات العراق وكان وراء تخرج آلاف اليمنيين من الجامعات العراقيه باقتراح منه بصفته عضوا في القيادة القومية،فاصبحوا اعمدة المهن المتعددة من اطباء وضباط ومهندسين...الخ،فأنه ضمن للعراقيين السكن والعمل في قطر فقير ماديا ولكنه غني قيميا،ومع ذلك فان اليمن احتضن كل عراقي بلا تردد.

 

كنا نلتقي بانتظام في الاسبوع اكثر من مرة لأن مضيفه العامر كان يستقبل الناس، بعثيين وغير بعثين، وكان في كثير من هذه اللقاءات يطلب مني حضورها،وكنت احضر بلا كلل او ملل، واستمع إليه وهو يحاور شيوخ قبائل وضباط جيش ورفاق بعثيين وقادة من احزاب يمنية أخرى، وفي كل تلك اللقاءات كان هو الداينمو الجاذب للحديث والمحدد للمحاور والمستجيب للطلبات التي تطرح.

 

ومن بين الأحداث التي لن أنساها أنه في الليلة التي سبقت تنفيذ حكم الإعدام بالقائد الشهيد طه ياسين رمضان جاء أحمد ابن الشهيد طه ياسين رمضاني الى صنعاء، والتقينا ثلاثتنا في بيت الرفيق قاسم،وتكلم أحمد مع والده الشهيد طه ياسين رمضان بالتليفون قبل ساعات من إعدامه، وسمعت الحديث وكان حديثا من المستحيل محوه من الذاكرة:تكلم قاسم سلام مع الشهيد طه ياسين رمضان في آخر ساعات حياته الأرضية، وكان قويا عزيزا مناضلا لم يرتجف صوته ولا تراجع بل اكد انه قدره وانه يضحي من اجل الوطن والامة.

 

ومن مظاهر رفضه لأي انحراف أنه تصدى لأعضاء في القيادة القومية ثم للاعضاء المشاركين الذين اضيفوا إليها عندما اخذوا يظهرون مؤشرات تكتل خطير داخل الحزب يعمل على السيطرة على القيادة القومية ويتصرف خارج مواقف الحزب الرسمية،وكنت انذاك ممثل الأمين العام للحزب عزة إبراهيم، رحمه الله، في القيادة القومية، وكنت بهذه الصفة صلة الوصل بين الأمين العام المساعد للقيادة القومية دكتور قاسم سلام والأمين العام،أنقل الرسائل بينهما،وكان حريصا على المصارحة فما كان يقوله في اجتماعات القيادة القومية وما كان يرد به على المتكتلين الذين بدأوا مبكرا مؤامرتهم لاغتيال الحزب كان ينقل من قبلي إلى الأمين العام، وهكذا وللتاريخ يجب ان اكشف الان بان الرفيق القائد قاسم سلام كان أول من تصدى للانحراف في القيادة القومية، وهذا الانحراف الخطير تجلى بأوضح صوره في التآمر على الحزب بعد رحيل الأمين العام عزة ابراهيم رحمه الله والذي نراه الان بكل كارثيته على وضع الحزب! كان قاسم سلام صريحا شجاعا وصل به الحال في آخر اجتماع حضره للقيادة القومية أنه قال لمن عرف من قبل الرفاق السودانيين بانه (صانع الفتن) السيد علي الريح السنهوري، انك متآمر على الحزب وخارج عن إرادته وعن عقيدته وعن قيمه الأخلاقية وغادر الاجتماع!

 

وهذه الحادثة أبلغت بها الامين العام كما حصلت وهي التي دفعت السيد علي الريح السنهوري لتلفيق الأكاذيب والتهم،وهي اهم صفاته، ضد الشهيد قاسم سلام والتحريض عليه ضمن قيادة الحزب القومية. لكن التاريخ لا يكتبه المرتدون والمنحرفون والمنافقون بل يكتبه الاحرار والمنتفضون المدافعون عن أصالة البعث، فبقي قاسم سلام نقيا كما كان وعظيما كما رأيناه متنكرا للذات مثل ما لمسناه.

 

في هذا الزمن أصبحنا نقاتل في كل لحظة من اجل انقاذ الامة وانقاذ الحزب من اخطر مؤامرة يتعرض لها في تاريخه لانها انطلقت من داخله وليس مثل المؤامرات الاخرى التي التي اتت من خارجه، وهذا بالضبط هو جوهر الخطة الامريكية الإيرانية لاجتثاث البعث، ودفاعنا عن البعث هو دفاع عن الأمة، وبقاء البعث هو بقاء تاريخ كل مناضل ضحى من أجله، وفي مقدمتهم الرفيق الدكتور قاسم سلام رحمه الله، إننا ونحن نثبت ذلك نكون قد حطمنا تلك السلسلة من الأكاذيب التي روجتها زمرة اجتثاث البعث التي اختطفت اسم القيادة القومية واستخدمته لتصفية خيرة قادة ومناضلي الحزب، وكنا على قناعة تامة بان الحزب لن ينحرف وان الرفاق مهما اختلفوا سيأتي يوم او لحظة تاريخية ويقفون فيها معا، وهذا هو ما حصل بعد رحيل القائد قاسم سلام حيث راينا كل بعثي اصيل في وطن العرب عبر عن أصالته ونفض الغبار الذي أثارته زمرة الخونة المرتدين ضد الشهيد قاسم سلام وعبر عن حزنه لرحيله، وفي ذلك أدانة علنية لتلك الزمرة وشهاده عامة على أنه هو الاصيل الجامع لشروط القيادة الحقة ومنها الصدق والاخلاص والشجاعة والثبات على العقيدة وقيم الحزب الاخلاقية، وإن من هاجموه واتهموه هم أعداء للحزب،وبالفعل فان من حاولوا اغتياله معنويا اكدت مواقفهم انهم مطبعون مع العدو الصهيوني وترعاهم امريكا علنا وتدافع عنهم، وكلنا لم نستغرب ضغوط امريكا على السلطات السودانية لاطلاق سراح السيد السنهوري! في حين أن البعثيين في العراق يتم اغتيالهم وتصفيتهم من قبل امريكا، وذلك وحده يكفي لتحديد الهوية الحقيقية للمتآمرين على الحزب من داخله.

تحيه للروح الطاهرة للرفيق القائد قاسم سلام وغفر الله له واسكنه جناته

Almukhtar44@gmail.com

2-2-2024

شبكة البصرة

السبت 22 رجب 1445 / 3 شباط 2024

يرجى الاشارة الى شبكة البصرة عند اعادة النشر او الاقتباس
المقالات والتقارير والاخبار المنشورة في شبكتنا لا تعبر عن راي الشبكة بل عن راي الكاتب فقط