بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ |
الصهيونية المسيحية في الجذر: مشاعر الذنب والعار وليس العقل |
شبكة البصرة |
إيهاب مقبل |
منذ بداية العدوان الأمريكي الإسرائيلي على شعبنا العربي المُسلم في قطاع غزة في أكتوبر تشرين الأول 2023 دعمت أمريكا الشمالية دعمًا عسكريًا وسياسيًا وأمنيًا وتكنولوجيًا وإقتصاديًا غير مشروط لإسرائيل فاق الدعم التاريخي الذي التزم به كل الرؤساء الأميركيين فيما سلف، سواء الجمهوريين منهم أو الديمقراطيين. صرّح الرئيس الأمريكي الصهيوني جو بايدن خلال زيارته لإسرائيل في الثامن عشر من أكتوبر تشرين الأول أمام حكومة بنيامين نتنياهو الحربية: "ليس ضروريًا أن تكون يهوديًا حتى تصبح صهيونيًا، وأنا صهيوني وهذه حقيقة لا أعتذر عنها". اثارت تصريحات بايدن الخطيرة الإهتمام لدى العديد من الباحثين، وقدْ كتبت تحقيقان بصورة مختصرة، الأول بعنوان "الصهيونية المسيحية في الجذر: بلدان شرق البحر الأبيض المتوسط"، وفيه تاريخ ظهور العقيدة الصهيونية المسيحية والأسس التي يستندون عليها وأهدافهم الرئيسية، إما الثاني بعنوان "الصهيونية المسيحية في الجذر: أربعة مسارات لتكون صهيونيا"، وفيه أربعة طرق للتصهين "مسار المجرم، ومسار الحاضن، ومسار العائلة، ومسار المُتصل". استمعت لمقابلة ستيفان تورسيل، 77 عامًا، وهو قبطان بحري سويدي متقاعد، ومؤلف ومحاضر وسياسي وإعلامي، والتي بثت باللغة السويدية في الثالث من ديسمبر كانون الأول 2023، يظهر فيها بوضوح دفاعه الشرس عن إسرائيل، واستخدامه لعبارات مثل "الشر الذي لا يمكن تصوره" عندما يصف الصراع بين اليهود والألمان في القرن الماضي، كما يزعم أن "هذا الشر موجودًا حتى لو تعرض يهودي واحد فقط للاضطهاد". في الوقت نفسه، يرفض تورسيل الإعتراف بوجود اضطهاد ضد أي فلسطيني من قبل إسرائيل على الأقل ليس بسبب عرقه. وهنا، يبرر تورسيل الجرائم الإسرائيلية المرتكبة بحق الفلسطينيين في قطاع غزة كـ"صراع" أو "حرب"، وليس اضطهاد! يرى تورسيل أيضًا أن اضطهاد شخص ما بسبب انتمائه العرقي هو نوع من الخطيئة الكبرى، ومع ذلك يعتقد أنه ينبغي إخلاء الضفة الغربية بأكملها من العرب لصالح "المستوطنين اليهود"، على الرغم من أنه بذلك يعترف ضمنيًا بشكل من أشكال التطهير العرقي للفلسطينيين! من الواضح تمامًا أن موقف تورسيل المؤيد لإسرائيل واليهود عاطفي بإمتياز أو نوع من أنواع الهوية الوطنية لكي على الأقل لا يتهموه بـ"الخيانة للسويديين" في حال إنتقاده لإسرائيل. تطارد أساطير "المحرقة اليهودية ومعاداة السامية واليهودي الضحية" الأوروبيين والأمريكيين على مساحة نفسية كبيرة، وذلك للحفاظ على "مشاعر الذنب والعار" لما سببته "الخطيئة الأصلية لأجدادهم الأوروبيين". طرد اليهود من فيينا إلى الأبد في الأعوام 1442، 1554، 1567، 1573، 1575، 1600، 1614، 1624 و1670، وهنا ينبغي على الأوروبيين أن تطاردهم مشاعر الذنب والعار ضد الإنسانية، لكن الحقيقة الكاملة التي لم يطلعوا عليها زادت قوة ونفوذ اليهود في فيينا خلال القرنين السابع عشر والتاسع عشر، وفي العام 1879 فُتحت مكاتب لليهود في الدولة النمساوية، وفي العام 1937 أصبحوا أقوى وأكثر عددًا من أي وقت مضى! غالبًا ما تستخدم الصهيونية المسيحية تاريخ اليهود في أوروبا كدليل على كيفية تعرضهم باستمرار لمعاداة السامية غير المبررة على الإطلاق، وبالتالي دعم وجود إسرائيل كدولة يهودية على جثث الفلسطينيين. صحيح أن اليهود منعوا من دخول المناطق والقرى والمدن في بعض البلدان الأوروبية، لكن بنفس الوقت كانت الأبواب تفتح لهم دائمًا في جميع أنحاء أوروبا، وهو ما لم تذكره الصهيونية المسيحية عند سرد تاريخ اليهود! في الواقع، لا يستطيع تورسيل وغيره الكثيرين من السياسيين والإعلاميين والمُفكرين الأوروبيين والأمريكيين رؤية الأمور بعقلانية وموضوعية في كثير من القضايا الواضحة للعيان، ويتأثرون بمشاعرهم القوية فقط في دفاعهم عن إسرائيل والصهاينة اليهود. هذا نابع من جوهر النظرة الحديثة للصهيونية المسيحية لليهود، وهو أن اليهود دائمًا ضحايا أبرياء بغض النظر عما يفعلوه. حالة من البراءة السحرية يعيشها الصهاينة اليهود اليوم، ولايمكن تطبيقها أبدًا على أي مجموعة أخرى أو إنسان آخر، ولا تمنحهم مكانة خاصة فحسب، بل تمنحهم أيضًا امتيازات هائلة في التنافس مع مصالح المجموعات البشرية الأخرى. وتورسيل نفسه ليس يهوديًا، ولا يوجد في عائلته يهوديًا واحدًا، فوالده كاثوليكي من المجر ووالدته بروتستانتية سويدية، كما إنه ليس عضوًا في الإتحاد الصهيوني في السويد، بل ولا حتى يعرف إن في السويد منظمات صهيونية! تورسيل باختصار مواطن أوروبي عادي، يطارده التلاعب النفسي الذي تقوده الصهيونية المسيحية في المدراس والجامعات والمكتبات والصحافة ووسائل الإعلام لتبرير وجود الدولة اليهودية في فلسطين، فهو يجب أن يشعر بالذنب والعار تجاه اليهود منذ الطفولة حتى الممات. |
شبكة البصرة |
الاحد 18 جمادى الثاني 1445 / 31 كانون الاول 2023 |
يرجى الاشارة الى
شبكة البصرة
عند اعادة النشر او الاقتباس |