بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ |
أربعة فوائد من إنهاء الوجود العسكري الأمريكي في العراق |
شبكة البصرة |
إيهاب مقبل |
أصبح العالم اليوم على شفا صراع عالمي بسبب الحرب الصهيونية الأمريكية الإسرائيلية على قطاع غزة. يرجع ذلك إلى حد كبير إلى علاقة العبودية التي تربط مجموعة الدول الصناعية السبع بالكيان اليهودي، ولاسيما أمريكا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، واللاتي يقدمن الدعم الدبلوماسي والعسكري والإقتصادي والتكنولوجي للفظائع اليهودية تجاه المدنيين في القطاع. هذه الفظائع غير المبررة على الإطلاق سيئة بشدة لكل جيش في التاريخ، باستثناء جيش جنكيز خان. يرتكب الجيش اليهودي جرائم سادية في قطاع غزة، مثل القصف بالصواريخ والقنابل الأمريكية على المباني السكنية والمستشفيات والمساجد والكنائس، وهو ما جعل العالم المتحضر يعيد حساباته تجاه العلاقة مع أمريكا. بدأت الصين وروسيا فعليًا في بناء نظام عالمي عاقل بعيد عن هيمنة أمريكا الشمالية، وكلاهما تقفان إلى جانب الفلسطينيين، وإلى جانب البلدان العربية والإسلامية، للتخلص من الكلب الأمريكي المسعور. تدير الدول الكبرى مثل أمريكا وأوروبا الغربية ظهرها للجرائم الصهيونية في فلسطين المحتلة، وهو ما يعجل من سقوط الهيمنة الأمريكية والغربية على البلدان العربية، ولاسيما العراق. واليوم يمكن تخيل العراق من دون الوجود العسكري الأمريكي، وكيف سيبدو في مثل هكذا عالم. 1. زيادة هيبة العراق: العولمة والليبرالية عبارة عن بنيات مصطنعة تتعارض مع الطبيعة البشرية، والتي تنجذب بشكل غريزي نحو السيادة الوطنية، والاكتفاء الذاتي، والولاء الديني والعرقي، والعادات والتقاليد. ولا بد من جر دول مختلفة راكعةً مستسلمة نحو هذا "التقدم" من خلال احتكار أمريكا للاقتصاد العالمي، والتهديدات العسكرية، والقوة القانونية، والعنف السياسي. تعرض هذا "النظام الليبرالي القائم على القواعد" في السنوات الأخيرة لضغوط غير مسبوقة منذ سقوط برلين في العام 1945. جاءت الضربة الأولى عندما انسحبت أمريكا على عجل من أفغانستان. قلل مسؤولو البنتاغون في البداية إلى حد كبير من أهمية السرعة التي كانت بها قوات طالبان، على الرغم من سمعتها، وتحولت من جيش فلاحي ممزق إلى جيش شبه محترف يقترب من العاصمة كابول. وكانت النتيجة النهائية رحلة مذعورة للأمريكيين من أفغانستان مع ترك كميات هائلة من المعدات والأسلحة ورائهم وتشبث المتعاونين مع المحتلين بأجنحة الطائرة الأمريكية الهاربة. يعد انتصار طالبان بعد 20 عامًا من الحرب مع أمريكا الشمالية، بالإضافة إلى صراعات أخرى مثل انتصار حركة أنصار الله في اليمن ونجاح هجوم الفصائل الفلسطينية على المستوطنات اليهودية في أكتوبر تشرين الأول العام الماضي، جزء من اتجاه أوسع: "التطورات الثورية في التكتيكات والأسلحة الرخيصة سمحت للمقاتلين الضعفاء للاقتراب جدًا من مستوى أعدائهم المتفقوين تقنيًا، وبطريقة تفوق قدرة الجيوش العادية". جاءت الضربة الثانية للاستراتيجية الغربية القائمة على الانصياع الليبرالي على الجبهة الاقتصادية، وذلك بعد فشل دونالد ترامب من ممارسة الضغوط على إيران في العام 2018، وكذلك الفشل الذريع بعزل روسيا بعد أن تحدت أمريكا الشمالية علانيةً باعلان الحرب على أوكرانيا في العام 2022، وذلك بسبب محاولات الأخيرة الانضمام إلى حلف الناتو الحربي. لم تتمكن إيران وروسيا من البقاء على قيد الحياة فحسب، بل ازدهرتا خلال الحرب الاقتصادية الأميركية والأوروبية العنيفة. جميع الهجمات الاقتصادية التي شنتها أمريكا والدول الغربية على روسيا وإيران ألحقت الضرر بالمهاجمين أنفسهم أكثر من الخصوم. تروج الصين لمصالحها الوطنية على جميع الأصعدة، وقدْ سمح هذا بأن تصبح البلاد قوة عظمى عالمية. وتلقى الغرب الآن الضربة الحاسمة بسبب دفاعه الذي لا ينتهي عن الإبادة الصهيونية الأمريكية الإسرائيلية الجماعية للشعب الفلسطيني، وهذه المرة بسبب نفس مبدأ "حقوق الإنسان"، والذي استخدمه كذريعة في عدوانه على صربيا والعراق وأفغانستان. يُعتبر قرار جو بايدن بإرسال قوات أمريكية وحاملات طائرات، مصحوبة بما لا يقل عن عشرات مليارات الدولارات من المساعدات العسكرية للكيان الصهيوني، وكذلك تشكيله تحالفًا حربيًا ضد اليمن، جريمة حرب خطيرة تجعلنا شركاء مباشرين في القسوة الفاحشة التي نشهدها اليوم في قطاع غزة وفي الغد اليمن. ولذلك، لن يكون للعراق هيبة في الدول العربية والإسلامية وبلدان العالم إلا بإنهاء الوجود الأمريكي في البلاد، وإلا فهو شريك في هذه الجرائم عن طريق القواعد العسكرية الأمريكية المتواجدة على أراضيه والتي تستخدم بصورة أو أخرى للتجسس والاغتيالات في العراق نفسه وكذلك في سوريا وإيران.
2. إزدهار الاقتصاد العراقي: دعم الوجود العسكري الأمريكي في العراق عمل مكلف بالنسبة للاقتصاد العراقي، ليس فقط لأن العراق سيدفع النفقات المالية لحروب أمريكا على أراضيه، بل كذلك لأن دور هذه القوات بمثابة الفزاعة للشركات التجارية، ومنها الشركات الصينية. لا توجد شركة تجارية في العالم تستثمر أموالها على أرض حربية قدْ تشتعل في أية لحظة داخليًا أو حتى ضد دول الجوار، وأبسط مثال مشكلة الطاقة الكهربائية المستمرة في العراق منذ العام 2003، والتي يمكن أن تحلها الشركات الصينية خلال مدة لا تزيد عن العامين. وبالفعل هناك أكثر من 10 شركات صينية متميزة ومتقدمة تبحث وتناقش مشاريع خاصة لإنشاء حوالي 10 محطات للطاقة الكهربائية تعمل بالبنزين والنفط ومشاريع طاقة أخرى في وسط وجنوب العراق، لكن كل ذلك مرهون بالوضع الداخلي في العراق. تجني الدول غير المرتبطة بالكيان الصهيوني، مثل الصين، ثروة هائلة وحسن النية بمجرد التجارة مع العالم الإسلامي والبقاء بعيدًا عن التدخل في الشؤون الداخلية. وهذا حل ناجح من شأنه أن يعود بالنفع على جميع الصينيين والبلدان الإسلامية التي تتعاون مع الصين، لكن ذلك لن يكون ممكنًا أبدًا ما دمنا مجبرين على تحمل الهيمنة الغربية والوجود العسكري الأمريكي في العراق. يعني إنهاء الوجود العسكري الأمريكي في العراق ازدهار الاقتصاد العراقي، واحلال السلام والتنمية الاقتصادية في البلاد، وتقليل بشكل كبير من الهجمات الإرهابية والتي تتخذ من الوجود الأمريكي ذريعة لمهاجمة القوات العراقية وليس القوات الأمريكية!
3. عودة اللاجئين العراقيين: عند انهاء الوجود العسكري الأمريكي في العراق، وعودة هيبته في العالم وازدهار اقتصاده، سيعود الملايين من اللاجئين العراقيين إلى البلاد. لقدْ عملت المنظمات غير الحكومية التي ترعاها أمريكا وأوروبا الغربية والكيان الصهيوني عمدًا على تهجير الملايين من العراقيين إلى الخارج، سواء بالطرق المباشرة عبر مكاتبها في العراق وخارجه، أو بالطرق غير المباشرة عن طريق الاغراءات والإعلانات. هدف هذه المنظمات ليس إنسانيًا أبدًا، وإنما لتفريغ العراق من طاقاته الشبابية وخبراءه، وتفكيك العائلة العراقية الواحدة، وكذلك لحل مشكلة شيخوخة السكان التي تضرب البلدان الغربية. قدْ يتفاجأ القاريء مثلاً أن معظم المهندسين وخبراء العلوم والرياضيات في السويد من المولودين في العراق. وبحسب مكتب الإحصاء السويدي فإن السويد تستفاد حاليًا من نحو أربعة آلاف لاجيء عراقي من المهندسين المدربين تدريبًا أكاديميًا عاليًا ونحو ألفين ونصف الألف من حملة الشهادات العليا باختصاصات العلوم والرياضيات. وأشار مكتب الإحصاء السويدي ان العراقيين تمكنوا من حل احتياجات سوق العمل السويدي للمهندسين الأكاديميين وخبراء العلوم والرياضيات. وفي عراق جديد بدون القواعد والقوات العسكرية الأمريكية سنشهد على الفور انخفاضا جذريًا في عدد العراقيين الذين يحاولون الهجرة إلى أمريكا وأوروبا كطالبي لجوء، بل على العكس سيكون العراق محطة رئيسية لهجرة الشركات التجارية والعلماء والمفكرين إليه من العالم.
4. إضعاف الكيان الصهيوني والنفوذ الغربي: لا ينبغي لنا أن نعمل كحراس شخصيين لبضعة ملايين من اليهود الذين هم في حالة حرب مع العالم الإسلامي بأكمله، وإذا انتهى الوجود العسكري الأمريكي، فلن نكون كذلك. يعتبر انهاء الوجود الأمريكي في العراق ليس حلًا جذريًا لنهاية الصهيونية، لكن لديه القدرة على أن يكون خطوة كبيرة إلى الأمام، وذلك لأن وجود الأمريكيين في العراق يبث حالة من الطمأنينة لدى الكيان الصهيوني من جهته الشرقية، ولاسيما أن من بين القوات الأمريكية حملة الجنسية الإسرائيلية. يعتبر انهاء الوجود العسكري الأمريكي في العراق ضربة موجعة لاستراتيجية الجمع الغربية بين مصالحهم في البلدان العربية وبين حمايتهم ودعمهم غير المبرر للكيان الصهيوني، وهذا من شأنه أن يجعل الآلة التي يهيمن عليها الغرب أضعف مما كانت عليه من قبل. |
شبكة البصرة |
الاحد 2 رجب 1445 / 14 كانون الثاني 2024 |
يرجى الاشارة الى
شبكة البصرة
عند اعادة النشر او الاقتباس |