بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

أمريكا تضحي بالسويد في صراعها مع روسيا واليمن

شبكة البصرة

إيهاب مقبل

تستخدم كل من الحكومة السويدية والجيش السويدي كلمات شديدة القوة في الفترة الحالية عبر تحذيرهم سكان السويد من احتمالية نشوب حرب وشيكة مع روسيا. لكن هل تواجه السويد حقًا صراع وطني مع روسيا؟ ولماذا تريد السويد الانضمام إلى الحلف المناصر للكيان الصهيوني في البحر الأحمر؟ وما الذي لا يقوله السويدييون صراحةً في وسائل الإعلام؟

عُقد "مؤتمر الشعب والدفاع" في مقاطعة دالارنا وسط السويد في السابع من يناير كانون الثاني مطلع العام الجاري 2024، وبحضور عدد متميز من الليبراليين المستبدين ومتصيدي المستنقعات الأورويليون وأنصار عولمة المجتمعات مثل وزير الدفاع بال جونسون ووزير الدفاع المدني كارل أوسكار بوهلين. تخطط السلطات السويدية في هذا الاجتماع، والذي يجري عادةً في مطلع كل عام جديد، حول كيفية قمع المعارضين في المستقبل وتجاوز إرادة الشعب السويدي من أجل وضع نفسها أقرب إلى مجال الإمبريالية الأمريكية.

في مؤتمر هذا العام خرجت كل من الحكومة والقوات المسلحة السويدية بإعلان مرعب للشعب السويدي بإنه عليهم الاستعداد للحرب! ربما استنتجت السلطات السويدية أن الناس أصبحوا الآن على استعداد لتقبل مثل هذه الكلمات بفعل الدعاية الحربية المكثفة ضد روسيا منذ العام 2022.

لكن لم توضح السلطات السويدية، لا عبر القائد الأعلى للقوات المسلحة ميكائيل بايدن، ولا عبر وزيري الدفاع، سبب إطلاق مثل هكذا تحذيرات من الحرب الوشيكة مع روسيا، ولا عن القرارات السويدية التي تقف وراء ذلك. وبدلًا من ذلك، يشيرون عادةً إلى أن روسيا غزت أوكرانيا، ويزعمون أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أصبح الآن "متعطشًا" لغزو دول مجاورة أخرى. ويكرر بايدن في البرامج التلفزيونية التي كان ضيفًا فيها خلال السنة الماضية جملته الشهيرة: "بدون حماية الناتو، فنحن معرضون لخطر كبير". وكما جرت العادة، فإن خطاب ساسة السويد يتلخص في أن الناتو الحربي الذي اشعل فتيل الحرب في أوكرانيا هو نفسه أصبح الآن الخلاص الوحيد للسويد!

ردّت السفارة الروسية في ستوكهولم بسخرية على تحذيرات السلطات السويدية، ودعت إلى عدم الاكتراث لما أسمته "حالة الذعر والهستيريا التي يحاول بعض القادة السويديين نشرها". وسخرت السفارة من هذا الخطاب داعية متبنّيه إلى "إشباع إدمانهم المرضي للأدرينالين... بالتزلج على المنحدرات في السويد"، معتبرة أن التصريحات "أثارت الذعر في المجتمع وبين الأطفال". وأضافت "لو كّرس كارهو روسيا طاقتهم لحل مشاكل بلادهم الداخلية لتمكنوا من إصلاح نقاط الضعف في شبكة الكهرباء وانقطاع حركة السكك الحديدية والنظام المصرفي المتخلف".

الحقيقة أن السويد ليس لديها صراع وطني مع روسيا إلى الحد الذي ليس بالمقدور حله إلا بالقوة، حتى لو أوقفت البلاد طموحات الإمبريالية الأمريكية في نشر المساواة بين الجنسين والشذوذ الجنسي والديمقراطية الليبرالية الزائفة باللسان السويدي في جميع أنحاء العالم. ومن جانبها، شعرت روسيا، والتي اختارت مسارًا مختلفًا بوضوح، بالانزعاج، وذلك لأن السويد البلد الصغير يرعى أنشطة تخريبية ومعادية للنظام على الأراضي الروسية، ومن المؤكد أن ذلك أدى إلى تدهور العلاقات بين البلدين. ومع ذلك، ليس ذلك بحد ذاته سببًا يقود إلى الحرب.

ليس بالمقدور مقارنة العلاقة بين السويد وروسيا بما حدث في أوكرانيا قبل الحرب الروسية. كان الصراع المسلح يدور بالفعل لسنوات عديدة عندما قررت روسيا غزو الدولة المجاورة لها، إذ من الواضح أن الروس قدْ سلكوا جميع المسارات لوقت طويل، لكن انهارت جميع المحاولات الدبلوماسية لحل الصراع، رسميًا فشلت اتفاقيات مينسك، واللاتي لم يتم تنفيذها على الأطلاق على الرغم من أنها بدت وكأنها تحل القضايا بما يرضي جميع الأطراف.

وخلافًا للسويد وفنلندا، أعلنت روسيا بوضوح عن أنها لا تستطيع تحت أي ظرف من الظروف أن تتسامح مع انضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي. وأشار الكرملين علنًا لسنوات عديدة إلى أن هذه قضية وجودية، وذلك لأن حلف الناتو هو تحالف حربي يستهدف روسيا على وجه التحديد، وأن بنيته التحتية في أوكرانيا تشكل تهديدًا استراتيجيًا للأمن القومي الروسي.

في السويد لا توجد حرب ضد أي أقلية روسية داخل أراضيها على الرغم من أن روسيا تعارض بشدة عضوية السويد في حلف الناتو وسترد بالتأكيد على ذلك بالغالب اقتصاديًا، لكن من الواضح أن روسيا ستتسامح عسكريًا مع ذلك لحكم الأمر الواقع. ولا يوجد شيء آخر محدد في العلاقة بين السويد وروسيا على درجة من الخطورة يؤدي إلى الحرب.

لكن ما قدْ يؤدي إلى الحرب هو أن السويد انجرفت بسرعة إلى الصراع الكبير بين روسيا وحلف شمال الأطلسي، وذلك لأن السويد اختارت أحد الجانبين بكل وضوح، سواء بالأقوال أو الأفعال. أرسلت السويد على سبيل المثال أفضل أسلحتها إلى أوكرانيا بهدف قتل الجنود الروس، وفي كثير من الحالات قُتل فيها أيضًا المدنيين في منطقة دونباس، نفس المدنيين الذين خاضت روسيا الحرب للدفاع عنهم. وتعتزم السويد أيضًا توفير الأماكن للقواعد العسكرية الأمريكية في الغابات السويدية، وهو ما يعادل بشكل مباشر سماح كوبا بوجود قواعد عسكرية سرية للاتحاد السوفيتي على أراضيه تستهدف معظم الأراضي الأمريكية، وما نجم عنها من أزمة كادت أن تتطور إلى حرب نووية.

والنتيجة فإن خطر الحرب مع روسيا لا يعتمد بأي شكل من الأشكال على أي مصلحة وطنية سويدية، فقط رغبة مستمرة لدى الساسة السويديين في وضع البلاد وسكانها بشكل مباشر على خط النار في لعبة القوة التي تمارسها الإمبريالية الأمريكية وأذرعها من أنصار عولمة المجتمعات. هي نفس اللعبة التي تحاول الإدارة الأمريكية حاليًا جر السويد اليها عبر الانضمام إلى التحالف المناصر للكيان الصهيوني ضد يمن العرب والإسلام على الرغم من تأكيد صنعاء مرارًا وتكرارًا بأنها لا تستهدف في البحر الأحمر إلا السفن المتجهة إلى ميناء إيلات حتى إيقاف العدوان الصهيوني الأمريكي الإسرائيلي على قطاع غزة المؤمن المجاهد.

الحقيقة أن من يقرر وقوع الحرب الانتخابات الرئاسية الأمريكية القادمة في خريف العام 2024، وهو دليل أخر على أنه ليس للسويد مصلحة وطنية في هذه الحرب، فإذا فاز دونالد ترامب بالانتخابات الرئاسية فمن المستبعد للغاية وقوع حرب بين السويد وروسيا، وذلك لأن ترامب قالها بوضوح بإنه سينهي الحرب الأمريكية بالوكالة في أوكرانيا ويبرم اتفاقًا مع روسيا، وإذا فاز جو بايدن فخطر وقوعها وشيك، وذلك لإنه محاط باليهود ودعاة الحرب من الصهاينة المسيحيين في حملته الصليبية المجنونة ضد أي شخص يجرؤ على تحدي هيمنة واشنطن العالمية المتآكلة بشكل متزايد.

سيرفض أكثر من ثلثي الشعب السويدي القتال في صفوف حلف الناتو الحربي، وذلك لأن التحالف يهدد أمنهم ورفاهيتهم، كما أنهم غير مستعدين للدفاع عن رغبات الساسة السويديين لتحقيق مصالح الإمبريالية الأمريكية في العالم.

وهذا على وجه التحديد ما لا يريد الساسة السويديين قوله صراحةً في وسائل الإعلام هو إنه ليس للسويد مصلحة وطنية على الإطلاق في شن الحرب ضد روسيا أو اليمن. في واشنطن، وفي مقر حلف الناتو الحربي في بروكسل، حيث يتواجد القادة العجائز ممن يحلمون بالهينة العالمية الكاملة، يوجد اهتمام متزايد اليوم بالتضحية بالسويد ومصالحها في لعبة الإمبريالية الأمريكية.

----------

المصادر:

https://www.regeringen.se/artiklar/2024/01/totalforsvaret-kan-inte-vanta--flera-satsningar-presenterade-pa-folk-och-forsvar/

https://www.centersweden.com/1359876543-2/

https://alkompis.se/news/%D8%B3%D9%81%D8%A7%D8%B1%D8%A9-%D8%B1%D9%88%D8%B3%D9%8A%D8%A7-%D8%AA%D9%86%D8%AA%D9%82%D8%AF-%D8%AE%D8%B7%D8%A7%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B1%D8%A8-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%88%D9%8A%D8%AF

https://alkompis.se/news/%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%88%D9%8A%D8%AF-%D9%82%D8%AF-%D8%AA%D9%86%D8%B6%D9%85-%D8%A5%D9%84%D9%89-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%85%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%88%D9%84%D9%8A%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84

شبكة البصرة

السبت 1 رجب 1445 / 13 كانون الثاني 2024

يرجى الاشارة الى شبكة البصرة عند اعادة النشر او الاقتباس
المقالات والتقارير والاخبار المنشورة في شبكتنا لا تعبر عن راي الشبكة بل عن راي الكاتب فقط